توفي ليل الاثنين إلى الثلاثاء في دكار عن عمر يناهز 103 أعوام المفكر السنغالي أمادو مختار مبو الذي ترأس منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) طوال 13 عاما، على ما أعلنت وكالة الأنباء السنغالية.
وقال الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي: “لقد تأثرت كثيرا لدى تبليغي بوفاة البروفسور أمادو مختار مبو، الأمين العام السابق لليونسكو والمدافع الكبير عن تعددية الأطراف”.
وأضاف: “لقد رحل أحد كبار الأمة السنغالية، وترك إرثا لا يُقدَّر بثمن، تميز بنضاله من أجل العدالة التعليمية والثقافية العالمية”.
ووصفه رئيس الوزراء عثمان سونكو بـ”المفكر العظيم ورجل الثقافة” الذي “كرس حياته لأمتنا ولأفريقيا”.
وكان أمادو مختار مبو الذي ترأس اليونسكو من عام 1974 إلى عام 1987، شخصية شهيرة في السنغال وترك بصمته على بلده وأفريقيا بفضل جهوده في سبيل التعليم والسلام.
وتولى مبو الذي تلقى تعليمه الجامعي بفرنسا، تدريس مادتي التاريخ والجغرافيا وتولى على التوالي وزارتَي التربية والتعليم ثم وزارة الثقافة في عهد الرئيس السابق ليوبولد سيدار سنغور (1960-1980).
وكان مبو المولود في مارس/آذار 1921 خلال الفترة الاستعمارية، معروفا أيضا بالتزامه السياسي. وفي هذا المجال، كان له دور نشط في النضال من أجل استقلال السنغال.
وفي عام 2008، ترأس “المؤتمر الوطني”، وهو عبارة عن عملية استفتاء واسعة النطاق لآراء المواطنين، تهدف إلى اقتراح حلول للأزمة السياسية والاقتصادية التي كانت السنغال تمر بها آنذاك.
واحتفلت السنغال بالذكرى المئوية لتأسيسها عام 2021، برعاية الرئيس السابق ماكي سال.
وأعرب الرئيس السابق الذي تولى السلطة من 2012 إلى 2024، على منصة “إكس”، عن حزنه “العميق” لرحيل مبو، مذكّرا بأنه “كرس حياته لخير الإنسانية”.
سيرة مفكر ودبلوماسي
مارس مبو التدريس أستاذا بإعدادية روصو (جنوب موريتانيا) في الفترة ما بين 1951-1953، حين كانت موريتانيا مستعمرة تدار من مدينة سان لوي، ثم انتقل للعمل في مجال التعليم بالسنغال.
بدأ النشاط السياسي في شبابه وكان من الرافضين للاستقلال الداخلي للسنغال، واضطر للاستقالة من وزارة التعليم بسبب رفضه لبقاء بلاده تحت الحكم الاستعماري، وانضم إلى المنادين بالاستقلال الكامل.
وبعد الاستقلال ظل يمارس السياسة من داخل النظام بحكم علاقاته بالسلطة، إلا أن وظائفه الإدارية ومسؤولياته الدولية أبعدته عن العمل السياسي، أكثر من عقدين من الزمن.
وخلال توليه منصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، حاول تكريس المساواة بين دول العالم، وترسيخ الاحترام العالمي للعدالة وسيادة القانون وحقوق الإنسان ومبادئ الحريات الأساسية.
وقد أثارت مواقفه حفيظة الولايات المتحدة، فأعلن وزير خارجيتها -في ذلك الوقت- جورج شولتز عن قلق بلاده إزاء بعض اتجاهات اليونسكو والجوانب الأيديولوجية التي حادت بها عن المبادئ الأصلية لميثاقها التأسيسي، حسبما ورد في رسالته إلى المدير العام للمنظمة لعرض مبررات الانسحاب.
لكن مختار مبو اعتبر أن قرارات المنظمة تتم دائما وفقا للمعايير التي حددها ميثاقها، إلا أن التحول الهائل الذي شهده المجتمع الدولي، وتصفية الاستعمار وحصول الشعوب المستعمرة على استقلالها وممارستها لدورها في الحياة الدولية، أدى إلى تطور الشواغل المباشرة لليونسكو، وفقا لما ورد في رده على الوزير الأميركي.
لكن ذلك لم يثن الولايات المتحدة، فانسحبت من المنظمة مطلع 1984، وحرّضت حلفاءها على الانسحاب، فأعلنت بريطانيا انسحابها من المنظمة سنة 1985، تضامنا مع أميركا. وفي سنة 2008 وقع اختيار القوى السياسية والمدنية -المعارضة لنظام الرئيس السابق عبد الله واد- على مختار مبو لقيادة المنتديات العامة للمعارضة التي سعت إلى تقديم تصورات لإيجاد حلول توافقية لأزمات البلاد.
وفي مايو/أيار 2011 احتفت الأوساط الفكرية والسياسية السنغالية بمختار مبو، بمناسبة الذكرى التسعين لميلاده، وأقيمت لهذا الغرض ندوة دولية بالسنغال لمدة 3 أيام تحت عنوان “أمادو مختار مبو: نضال من أجل أفريقيا”.
أصدر أمادو مختار مبو العديد من المؤلفات والمنشورات عن القضايا المتعلقة بالتربية في السنغال والعالم، ومن أهم إصدارته “اليونسكو والمستقبل” و”اليونسكو والتضامن مع الأمم.. من التشاور إلى التفاهم”، و”اليونسكو: العالمية والتعاون الدولي”، و كتاب “زمن الشعوب”.