“الأطعمة الفائقة المعالجة” مصطلح أطلقه العلماء في السنوات الأخيرة على الأطعمة التي يتم التلاعب بها بشكل مكثف من قبل مصنعي المواد الغذائية، “للتغلب على آليات الشبع لدينا، ودفعنا إلى الإفراط في تناول الطعام وزيادة الوزن”، من خلال تكريرها وصهرها وتشكيلها وخلطها بالمواد المضافة، “ليمتصها الجسم بسهولة بعد أن تم هضمها مسبقا أثناء عملية التصنيع”.

مؤخرا، كشفت مراجعة شاملة لأبحاث علمية شارك فيها ما يقرب من 10 ملايين شخص عن وجود علاقة مباشرة بين خطر الإصابة بأكثر من 30 مشكلة صحية، “من بينها أمراض السمنة والقلب والأوعية الدموية والسرطان والسكري، والجهازين الهضمي والتنفسي، والاكتئاب والقلق، والوفاة المبكرة”، وتناول الكثير من الأغذية الفائقة المعالجة مثل الحلويات والشوكولاتة والمخبوزات والعصائر والحبوب المُحلاّة والوجبات الخفيفة ورقائق البطاطس والمياه الغازية والوجبات المجمدة من البيتزا والنقانق والبرغر وقطع الدجاج، “وسائر الأطعمة المصنوعة بالنكهات والإضافات والألوان لتصبح أكثر قبولا واستساغة”، وفقا لما نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.

سنوات من الأدلة المُقنعة

بعد أن وجدت عشرات الدراسات التي أجريت على مدى السنوات الأخيرة، أن من يستهلكون الكثير من الأطعمة الفائقة المعالجة لديهم معدلات أعلى من زيادة الوزن والسمنة وأمراض القلب والسرطان والسكري وغيرها من الأمراض المزمنة.

قام فريق من الباحثين الدوليين مؤخرا بإجراء مراجعة شاملة للأدلة المتعلقة بالنتائج الصحية الضارة لهذه الأطعمة، حيث فحصوا أبحاثا وتحليلات شملت ما يقرب من 10 ملايين شخص، نُشرت جميعها في السنوات الثلاث الماضية، ولم يتم تمويل أي منها من قبل الشركات المُصنّعة للأغذية الفائقة المعالجة.

soft-drink-

وأظهرت نتائج الباحثين، المنشورة في “المجلة الطبية البريطانية” يوم 28 فبراير/شباط الماضي أن “الأنظمة الغذائية التي تحتوي على نسبة عالية من الأطعمة الفائقة المعالجة، قد تكون ضارة بالعديد من أجهزة الجسم”.

ووجد الباحثون “أدلة مقنعة” على أن “تناول كميات كبرى من الأطعمة الفائقة المعالجة” يرتبط بالآتي:

  • زيادة خطر الوفاة المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 50%
  • ارتفاع خطر القلق والاضطرابات العقلية الشائعة بنسبة 48% إلى 53%
  • زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 12%
  • الإصابة بداء السكري من النوع الثاني

كما أشارت “أدلة مُوحية للغاية” إلى أن “طريقة التغذية التي تحتوي على مزيد من الأطعمة الفائقة المعالجة” ارتبطت بالآتي:

  • زيادة خطر الوفاة بشكل عام ولأي سبب بنسبة 21%
  • زيادة خطر الوفاة المرتبطة بأمراض القلب بنسبة 40% إلى 66%
  • الإصابة بالسمنة والسكري من النوع الثاني ومشاكل النوم
  • زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة 22%
  • تراجع متوسط العمر المتوقع بسبب تزايد الأمراض المزمنة.

ليست طعاما بل مكونات رخيصة مُعدّلة كيميائيا

في مقال افتتاحي نُشر في المجلة الطبية البريطانية جنبا إلى جنب مع هذه الدراسة، ذكر مجموعة من الأكاديميين الدوليين أن الأطعمة الفائقة المعالجة “ليست مجرد أغذية معدلة”، بل هي عبارة عن “مواد مصنوعة من مكونات رخيصة من النشويات والسكريات والزيوت والدهون المعدّلة كيميائيا”، تحتوي عادة على “عدد لا يحصى من النكهات لتعزيز الطعم والملمس والشكل والقوام، مع الحد الأدنى من الأطعمة الكاملة أو عدم تضمينها على الإطلاق”، وفقا لموقع “هيلث لاين”.

وأضافوا أنه “لا يوجد سبب للاعتقاد بأن البشر يمكنهم التكيف بشكل كامل مع هذه المنتجات”، ودعوا إلى اتخاذ إجراءات لمكافحة الأطعمة الفائقة المعالجة من مثل “الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ” (إف سي تي سي).

ويواجه الباحثون صعوبات لإثبات أن الأطعمة الفائقة المعالجة تسبب مشاكل صحية باعتبار أنه “ليس من الأخلاقي إطعام الناس الأطعمة الفائقة المعالجة كل يوم، والانتظار حتى يمرضوا ويموتوا”، مما يوجب على العلماء إجراء المزيد من الأبحاث.

قالت زميلة جمعية التغذية الأسترالية هيلين تروبي إن “عدد الأدلة في هذه المراجعة يشير إلى أنه لن يكون هناك ضرر من استبدال العجائن والفطائر المجمدة واختيار الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة”.

السر وراء الإقبال على الأطعمة الفائقة المعالجة

فقد نبهت واشنطن بوست إلى أن المعايير التنظيمية الضعيفة، وقوة الشركات المُصنّعة، “سمحت للأطعمة الفائقة المعالجة بأن تشق طريقها إلى قوائم الطعام المدرسية”.

وقال الباحثون إن “الأطعمة الفائقة المعالجة، وخصوصا الوجبات السريعة والمجمدة والحبوب السكرية ورقائق البطاطس، تمثل حوالي 58% من إجمالي استهلاك السعرات الحرارية اليومي في البلدان ذات الدخل المرتفع، وفي مقدمتها الولايات المتحدة”.

وهو ما فسرته كريستين كيركباتريك، أخصائية التغذية المعتمدة التي لم تشارك في الدراسة، بأن “الأطعمة الفائقة المعالجة تجعلنا نبدأ في تناولها ولا نستطيع التوقف عنها، فهي رخيصة الثمن ومنتشرة على نطاق واسع في خيارات التسوق اليومية”، كما أنها عادة ما تكون شديدة الاستساغة وتُشعرنا بالهدوء والرضا أثناء تناولها، “مما يجعل من الصعب التوقف عن تناولها، وعندما نتوقف عن تناولها فإننا قد نعود ونشتهيها بشدة”.

وأضافت ميلاني ميرفي ريختر، أخصائية التغذية المعتمدة التي لم تشارك في الدراسة أيضا، “تأثير الظروف الاقتصادية وضيق الوقت وصعوبة التدقيق في الملصقات الغذائية، يجعل استهلاك هذه الأطعمة خيارا سهلا”؛ إلى جانب العوامل العاطفية المرتبطة بذكريات “الفرح بشرائها وتناولها في الطفولة”.

التصدي لانتشار الأطعمة الفائقة المعالجة

فقد خلص مؤلفو الدراسة إلى أن “النتائج التي توصلوا إليها تدعم إجراءات الصحة العامة التي تسعى إلى استهداف وتقليل استهلاك الأغذية الفائقة المعالجة لتحسين صحة السكان”.

وبدأت لجنة المبادئ التوجيهية الغذائية الأميركية بفحص المخاطر الصحية المحتملة للأطعمة الفائقة المعالجة، وخصوصا الأمراض المرتبطة بالسمنة.

كما تبنت حكومات العالم فكرة أن الأطعمة الفائقة المعالجة تسهم بشكل كبير في تدهور الصحة، وبدأت بإصدار مبادئ توجيهية غذائية تشجع الناس على إدراج المزيد من الأطعمة غير المصنعة في نظامهم الغذائي، وتحثهم صراحة على عدم تناول الأطعمة الفائقة المعالجة.

شاركها.
Exit mobile version