كابوس سنوي متجدد يبدأ كل عام، وامتحانات نهاية العام تتزامن مع انقطاع الكهرباء لساعات يوميا لتخفيف الأحمال، ولكن لأول مرة وزارة التربية والتعليم المصرية تقرر إعادة الامتحان لبعض اللجان التي ثبت فيها الغش الجماعي بعد فحص النتائج من خلال لجنة خاصة للتصحيح، وبعد انتشار فيديو على منصات التواصل الاجتماعي لإحدى أولياء الأمور تجيب على أسئلة امتحان الكيمياء أسفل نوافذ لجنة امتحان بإحدى المدارس في محافظة الدقهلية.
لم تكن الحادثة هي الأولى من نوعها، فمنذ سنوات تزخر مواقع التواصل الاجتماعي بفيديوهات الغش الجماعي، أو تسريب الامتحانات قبل توزيعها على اللجان، لكنها المرة الأولى التي تتخذ فيها الوزارة قرارا بإعادة الامتحان.
ماذا حدث في مجمع شها؟
لم يتمكن 378 طالبا وطالبة مسجلين في لجنة مجمع قرية شها بمحافظة الدقهلية، من معرفة نتائجهم بعد ظهور النتيجة رسميا، وبعد مراجعاتهم لمديرية التعليم، تبين لهم حجب النتيجة حتى إعادة امتحان مادة الكيمياء.
أثار القرار الوزاري جدلا واسعا بين أولياء أمور طلاب لجنة الدقهلية، رافضين خضوع أبنائهم لامتحان الدور الثاني بعد نجاحهم بالدور الأول. وبرغم تأكيد الوزارة التزامها بأدق المعايير في تصحيح أوراق إجابات مجمع شها، من خلال 3 لجان منفصلة رفعوا تقاريرهم للكنترول المركزي، وأنه خلال مراجعة الإجابات تبين اختلاف بعض الأوراق وعدم تشابهها في الأسئلة المَقالية مع ما جاء بالفيديو، وهؤلاء قررت الوزارة عدم حجب نتيجتهم، وعدم خضوعهم لإعادة الامتحان في الدور الثاني.
برغم تأكيدات الوزارة أنها حرصت على التحقق من اختلاف الإجابات من خلال الأسئلة المقالية، فإن التشكيك في القرار كان هو الغالب على أولياء الأمور الذين قضوا ليلة النتيجة مرابطين أمام مديرية التعليم بالمنصورة بعد تأكدهم من قرار حجب نتائج أبنائهم.
يقول محمد محروس، ولي أمر الطالبة ملك، للجزيرة نت، إن قرار الوزارة قرار غير عادل، لأنه من العدل أن تساوي بين جميع من كانوا في اللجان وقت واقعة الغش، لكن أن ينجح البعض والبعض الآخر يتم إعادة الامتحان له، فهذا يفتح باب الشك والرغبة في مراجعة الأوراق، لأن من حق أبنائنا أن يتساووا مع زملائهم، وتكفي معاناتهم طيلة عام كامل، لا ترضى الوزارة أن نفارقه مرتاحين.
الوزارة عاقبت الجميع
“طلاب شها هم كبش فداء تقصير الوزارة وعدم قيامها بمهامها في تأمين للامتحانات” يقول المدرس فتحي صقر، مدرس الكيمياء، للجزيرة نت، إنه قرر تحديد مواعيد لمراجعة مادة الكيمياء مع الطلاب “المغدور بهم” حسب وصفه بلا أي مقابل، سواء للحصص أو لأوراق المراجعة.
المدرس الملقب بأسد الكيمياء في مدينة المنصورة أكد أن كثيرين من هؤلاء الطلاب كانوا من طلابه، ويؤكد أنه يثق تماما في قدراتهم وأن أي مواجهة حيادية مع لجان تصحيح الأوراق ستكون لصالح تلاميذه، لكنه في نفس الوقت يرى أنه لا داعي لإضاعة الوقت وتشتيت انتباه الطلاب في مهاترات لن تفيد؛ “الوزارة أخذت القرار وعلينا التعامل معه لأنها لن تتراجع”.
لم تقتصر حالة الجدل على نتائج مجمع “شها” في الدقهلية فقط بعد إعلان نتائج الثانوية العامة في مصر، بل امتدت أيضًا إلى كشوف درجات مدرستين في محافظتي سوهاج والشرقية. ففي مدرسة الصالحية بمحافظة الشرقية، حصل جميع طلاب قسمي علمي علوم وعلمي رياضة على مجموع يتجاوز 92%، بينما في مدرسة ديمشلت الثانوية، حصل 94 طالبًا على التوالي على مجموع أعلى من 92%.
انتشرت هذه النتائج على مواقع التواصل الاجتماعي، مما دفع البعض للتأكيد على أن هذه الممارسات ليست جديدة، حيث تُعرف هذه المدارس بسمعتها السيئة. يُشاع أن لجان الامتحانات تُشترى وتحوَّل إليها الطلاب من قرى ومحافظات أخرى في الصف الثالث الثانوي، نظرًا لما يحدث فيها من غش جماعي دون أي عقوبات تُذكر.
خبير تعليمي: اختبارات القبول بالجامعات هي الحل
وبرغم أن وزارة التربية والتعليم قد اتخذت قرارا بوقف التحويل إلى المدارس التي عرفت عنها حالات الغش الجماعي في محافظات سوهاج والشرقية، ورغم فرض كردونات أمنية في محيط تلك المدارس في أثناء فترة الامتحانات لمنع أي محاولات للغش الجماعي، بالإضافة لقوات تفتيش ذاتي للطلاب يوميا أثناء دخولهم للجان، إلا أن ذلك لم يمنع حصول ألفي طالب بأرقام جلوس متتالية، على مجموع درجات يتجاوز 92%، وهذا لا يعني سوى أننا امام وقائع غش جماعي مثبتة، فلماذا يعاقب طلاب مجمع شها بينما يمر الآخرون بما كسبوه؟، التساؤل يطرحه الدكتور تامر شوقي أحمد، الخبير التعليمي، مؤكدا أن اعتماد نتائج الثانوية وحدها كمقياس للقبول بالجامعات، بات أمرا غير مقبول، لأنه في ظل التطور التكنولوجي، واتساع رقعة المنظومة التعليمية في مصر وعدم القدرة على التأمين الكامل، يصبح اعتماد الدرجات كسبيل وحيد لتنسيق الجامعات أمرا يحمل الكثير من الريبة.
يضيف الخبير التعليمي للجزيرة نت، أن امتحانات القبول يجب أن تمتد لتشمل كافة الكليات وخاصة العلمية منها وليس فقط الكليات المرتبطة بالفنون، وتعقد تحت سيطرة الجامعة ووزارة التعليم العالي، وهو ما يوفر قدرة أكبر على التنظيم والتأمين. يعتبر شوقي أن محاولات السيطرة على الغش الجماعي لن تفلح وحدها أبدا، إلا أن يعرف الطلاب وأولياء أمورهم، أن درجة امتحان الثانوية ليست فقط هي ما ستحقق حلم الالتحاق بكليات القمة.