دمشق- “للأسف، أصبح العيد أشبه بالعبء الثقيل علينا في ظل هذه الظروف، فويلي من تكاليف غداء ومشتريات العيد والضيافة، وويلي من ملابس الأطفال وألعابهم وعيديتَهم (مبلغ من المال يعطى للأطفال مع حلول أولى أيام العيد)، في وقت أعجز فيه أحيانا عن تأمين تكاليف معيشتنا اليومية”.

هكذا يلخّص سومر (39 عاما)، وهو مدرِّس لغة إنجليزية في معهد خاص في ريف دمشق، معاناته مع اقتراب موعد حلول عيد الفطر.

ويضيف في حديث للجزيرة نت: “إن أرخص كسوة (ملابس) لطفليّ لن يقل ثمنها اليوم عن مليون أو مليون ونصف ليرة (71-107 دولارات)، في حين أن دخلنا الشهري أنا وزوجتي مجتمعيْن لا يتجاوز المليون ليرة، فكيف لنا أن نغطي باقي التكاليف خلال العيد”.

وإلى جانب عائلة سومر، تواجه معظم العائلات السورية في مناطق سيطرة النظام تحديات وصعوبات بالغة لإحياء طقوس عيد الفطر على أصولها وسط أزمة معيشية متفاقمة، وغلاء طال معظم السلع الاستهلاكية بما فيها الملابس والحلويات التي شهدت أسعارها ارتفاعا كبيرا مقارنة بأسعارها العام الماضي.

واقع يدفع الأسر السورية لاجتراح الحلول الممكنة والبحث عن البدائل المتوفرة لإحياء طقوس العيد كما جرت العادة من كل سنة وإدخال البهجة إلى قلوب الأطفال.

حلويات منزلية لتخفيف التكلفة

وارتفعت أسعار أصناف ضيافة العيد من قطع الشوكولاتة والملبَّس والنوغا والمنّ والسلوى، و”الشطي مطي” المخصصة للأطفال بشكل كبير مقارنة بأسعارها خلال الأيام الأخيرة من الشهر المبارك العام الماضي.

ورصدت للجزيرة نت في جولة في أسواق دمشق ارتفاع أسعار أصناف الضيافة، حيث تراوح سعر كيلو قطع الشوكولاتة نخب أول في أسواق دمشق بين 150 و300 ألف ليرة (10-21 دولارا) مقاربة بـ 75 و150 ألفا العام الماضي (5-10 دولارات)، بينما سجل سعر كيلو النوغا والمنّ والسلوى نخب أول بين 100 و150 ألف (7-10 دولارات)، وكيلو الشطي مطي للأطفال بين 75 و100 ألف ليرة (5-7 دولارات).

محال بيع شطي مطي في دمشق_ الجزيرة نت(2)

وهو ما حرم عائلات سورية من شراء ضيافة العيد التي تعتبر طقسا أساسيا من طقوس عيد الفطر، فتقول خولة (32 عاما) -ربة منزل وأم لـ 3 أطفال في دمشق- للجزيرة نت: “ليس بوسعنا شراء ضيافة كاملة الأصناف ككل عيد، لذلك استعضنا عن الشوكولا والنوغا بقطع البيتيفور المنزلية التي سنقدمها للمعايدين بالإضافة للملّبس”.

وبلغ متوسط تكلفة ضيافة عيد تحتوي على كيلوغرام واحد من كل صنف من الأصناف الأساسية نحو 500 ألف ليرة (35 دولارا) في حين أن متوسّط الرواتب في القطاع العام لا يتجاوز 250 ألف ليرة (18 دولارا).

وتلجأ معظم العائلات للاستعاضة عن الحلويات العربية والضيافة التقليدية بالحلويات المنزلية كالبيتيفور والعوّامة والمعمول والهريسة والنمورة، التي وإن كانت موادها الأولية مرتفعة الثمن، فإنها تبقى أقل تكلفة من أصناف الضيافة والحلويات الجاهزة المعروضة في الأسواق.

وهو ما أشار إليه رئيس الجمعية الحرفية للحلويات في دمشق بسام قلعجي، في تصريح لصحيفة الوطن الشهر الماضي، بقوله إن السوريين يتوجهون إلى صنع الحلويات المنزلية بدلا من شراء الحلويات الجاهزة على خلفية ارتفاع أسعارها في الأسواق، مشيرا إلى وجود شريحة من السوريين امتنعت عن شراء وإعداد الحلويات لعدم قدرتها على احتمال التكاليف في الحالتين.

كما سجلت أسعار الحلويات العربية ارتفاعا كبيرا هي الأخرى مقارنة بالعام الماضي، فبلغ سعر كيلو المعمول بالفستق الحلبي 230 ألف ليرة (17 دولارا) وكيلو المعمول بالجوز 175 ألفا (12 دولارا)، بينما سجل سعر كيلو “الآسية” و”الكول وشكور” و”البلورية” 350 ألف ليرة (25 دولارا).

الألبسة الأوروبية بديلا

ويتحيّن معظم السوريين فرصة حلول عيد الفطر لشراء كسوة جديدة (ملابس) لفصل الصيف، وهو ما تعجز عنه شريحة واسعة منهم هذا العيد نظرا للارتفاع غير المسبوق في أسعار البدلات بأنواعها هذا العام.

حيث تراوحت أسعار البدلات النسائية والرجالية بين 400 ألف ومليون و200 ألف ليرة (14-28 دولارا) بحسب الجودة والتصنيع، في حين تبدأ أسعار بدلات الأطفال من 600 ألف ليرة (43 دولارا).

ويرد الحاج توفيق (57 عاما)، صاحب محل ألبسة في سوق الحميدية في دمشق، أسباب الارتفاع الكبير بأسعار الملابس هذا العام إلى ارتفاع تكاليف النقل، وارتفاع الضرائب، وغلاء أسعار الكهرباء التجارية، وارتفاع تكاليف التصنيع المحلي.

غلاء يدفع عائلات سورية للجوء إلى محال الألبسة الأوروبية المستعملة (البالة) في أسواق باب توما والإطفائية والشيخ سعد في دمشق، نظرا لانخفاض أسعار البدلات فيها قياسا بأسعارها في السوق.

وتقول سمر (41 عاما)، موظفة في القطاع العام في دمشق، عن ارتفاع أسعار الملابس: “هذا الغلاء غير منطقي في ظل الظروف التي نمر بها، فلا يعقل أن تتمكن عائلة سورية من توفير مبلغ 4 إلى 5 ملايين ليرة لشراء كسوة لها ولأبنائها.”

وتضيف في حديث للجزيرة نت: “امتنعت وزوجي عن شراء الملابس الجديدة هذا العيد رغم الحاجة الملحة لها، واكتفينا بشراء بدلات لأولادنا نصفها من السوق والآخر من البالة بتكلفة خرافية اضطر زوجي معها إلى بيع هاتفه المحمول الإضافي”.

ومن جهته، أكد نائب رئيس جمعية حماية المستهلك في حكومة النظام ماهر الأزعط، في تصريح لصحيفة الوطن الخميس الماضي، وجود “ركود مخيف” في الأسواق مع اقتراب موعد حلول عيد الفطر، نظرا للارتفاع الكبير بالأسعار.

ويعاني السوريون من واقع معيشي هو الأسوأ منذ اندلاع الحرب في البلاد قبل نحو 12 عاما، حيث يرزح 90% منهم تحت خط الفقر، ويعاني أكثر من نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي بحسب تقارير أممية.

شاركها.
Exit mobile version