من منا لا يستمتع بإلقاء نظرة ساخرة على الواقع في أوقات الأزمات؟ فالفكاهة قادرة على التخفيف من حدة المشاعر السلبية في المواقف العصيبة. لكن، هل يمكن اعتبار هذا الأسلوب النفسي التلقائي وسيلة دفاعية تحمينا نفسيا وعقليا، أم أنه قد يتحول إلى سلوك ينعكس علينا بشكل سلبي؟
الفكاهة والمزاح في أوقات الأزمات
للفكاهة آثار إيجابية عديدة على الصحة العامة، فهي تعتبر إحدى آليات التأقلم التي تساعد في تخفيف وطأة المشاعر المرهقة. صحيح أنها قد لا تكون مناسبة في كل المواقف، ولكن إذا استخدمت بالطريقة الصحيحة، يمكن أن تساعد على تغيير منظورك للأمور المُقلقة بشكل إيجابي.
وباعتبار المزاح آلية للتأقلم لدى الكثير من الناس، فهو يحدث عفويا استجابةً للتوتر ورغبة في التأقلم وتقليل الشعور بالمعاناة، خاصة في الوقت الذي تترجم المشاعر المجهدة فيه إلى خوف أو قلق.
وبحسب دراسة علمية أجريت عام 2020، والتي استندت إلى وجهات نظر عالم النفس سيغموند فرويد حول الفكاهة، يمكن لميل الشخص للمزاح أن يكون وسيلة لدرء هذه المشاعر الثقيلة والتهرُّب منها.
لكن وبالرغم من أن الضحك يُشعرك بالراحة، ويمكن أن يساعد أيضا في تحسين صحتك ورفاهيتك بطرق مختلفة، فإن الفكاهة قد تكون ضارة لك أو للآخرين في بعض الحالات، ويعتمد ذلك على أسلوب الفكاهة والمزاح المُستخدم في المواقف الصعبة واختيار الوقت والسياق المناسبين.
أنواع الفكاهة والمزاح
هناك نمطان مختلفان من الفكاهة والمزاح: الإيجابية والسلبية.
1- أنماط الفكاهة الإيجابية
الفكاهة التعاطفية: يمكن اعتبار هذا النمط فكاهة لطيفة وخفيفة الظل ومبهجة. ويشمل أشياء مثل القصص المضحكة والنكات الذكية أو البارعة التي يجدها معظم الناس مُضحكة ولا يغضبون منها.
إعادة صياغة الموقف بشكل إيجابي: إذا حاولت تحديد الجوانب المضحكة في موقف مرهق، يسمى ذلك إعادة الصياغة. يساعدك هذا على تحويل منظورك للموقف من كونه مصدرا للتهديد إلى تحدٍّ إيجابي.
التعزيز الذاتي: يشير هذا النمط، على غرار إعادة الصياغة، إلى الحفاظ على نظرة مضحكة للحياة، أو السخرية من نفسك على إخفاقاتك الصغيرة، أو إيجاد الفكاهة الضمنية في غرائب وتحديات الحياة اليومية.
2- أنماط الفكاهة السلبية
الفكاهة المُحبطة أو الهادمة للذات: وهي هذا النوع من المزاح الذي يحدث عندما تُلقي نكاتًا عن نفسك وتقلل من قيمتك في محاولة للتواصل مع الآخرين وإضحاكهم أو إثارة انتباههم.
الفكاهة العدوانية الحادة: تُعتبر الفكاهة عدوانية عندما تكون على حساب الآخرين. ومن أمثلة ذلك أفعال مثل المبالغة في مضايقة الآخرين أو جعلهم يشعرون بالسوء في محاولة لتحسين حالتك النفسية أو تشتيت الانتباه عما يشعرك أنت بالسوء.
تأثيرات إيجابية وسلبية للفكاهة
كشفت الدراسات المختلفة أنه من الممكن فعلا استخدام الفكاهة لتغيير منظورك للصدمات الحياتية المختلفة والمساعدة في تنظيم المشاعر المجهدة. كما قد يساعد الضحك والاستخفاف بالأمور التي تبدو خطيرة أو ثقيلة على تخفيف الآثار العاطفية لها. ومن آثارها الإيجابية المثبتة أنها تعزز التواصل مع الآخرين، وتساعد في تقليل التوتر والقلق، وتعزز التعافي النفسي.
ومع ذلك، هناك دائما احتمال أن تأتي محاولة الفكاهة بنتائج عكسية وتُسبب انزعاجا لدى الآخرين أو تُلحق الضرر بالعلاقات.
وبالطبع، تزداد احتمالية ظهور الفكاهة غير اللائقة مع أساليب الفكاهة السلبية. فالفكاهة العدوانية، على وجه الخصوص، أكثر ضررا اجتماعيا؛ وبالمثل، عند استخدام أسلوب الهدم الذاتي، قد يفقد الآخرون احترامهم لك أو يجدون صعوبة في أخذك على محمل الجد، علاوة على آثاره السلبية على النفس والصورة الذاتية.
وعندما تكون الفكاهة آلية تكيف غير فعالة، فإنها قد تبعدك عن دوائرك المقربة، بل وقد توقف عملية الشفاء تماما في الأوقات العصيبة. وفي هذه الحالة، تصبح الفكاهة حاجزا يمنعك من الشعور بما يجب أن تشعر به، وتحرمك من إيجاد العزاء والدعم.
في هذا السياق، يشير ريان شيريدان، الممرض الأميركي المتخصص في الطب النفسي، إلى أن الفكاهة، رغم قدرتها على فتح آفاق جديدة للحوار والمساعدة في عملية الشفاء، قد تعيق أحيانًا التعبير عن المشاعر العميقة والثقيلة أو تمنع مواجهتها بشكل صريح.

متى وكيف تعرف الفارق وتختاره لك ولمن حولك؟
من أجل تحديد نوع وتأثير الفكاهة الذي تستخدمه في حياتك، أولا عليك أن تنتبه لنكاتك، وكيفية استخدامك للفكاهة مع مشاعرك، لأن كثيرا ما تكون هناك عاصفة من المشاعر المكبوتة خلف المزحة أو الروح الفكاهية التي تبادلها الآخرين، ومن المهم أن نوفر لأنفسنا وللآخرين متنفسا آمنا للإحساس والتعبير الصحي عن مشاعرنا.
وإذا وجدت نفسك في نمط من التعامل مع الفكاهة لا تشعر فيه بالراحة والرضا، استكشف مما تخاف وما تحاول أن تتجنبه أو تهرب منه. واجه نفسك، وتحلَّ بالصبر، إذ قد يكون من المزعج للغاية الاعتراف بأنك لست بخير دون إلقاء نكتة جانبية تخفف من حدة ووقع الأمر عليك.
وختاما، من المهم ألا تغفل عن الألم الذي تهرب منه، سواء بالنكات أو الغضب أو أي وسيلة إلهاء أخرى، ولا تدع هذا الألم يسيطر عليك، فالفكاهة أداة اجتماعية تساعدنا على مواجهة الأمور الصعبة والشعور بالقلق.
ولكن إذا حاولت استخدامها كدرع في أماكن من المفترض أن تشعر فيها بالأمان، فلن تحميك الفكاهة من الألم – بل ستبقيه مخفيا عن الآخرين، وأحيانا عن أنفسنا، لفترة أطول، وتطيل فترة المعاناة.