نحن نثق في الزبادي ولا نتوقف عن الإشادة به، باعتباره طعاما صحيا يتمتع بهالة خاصة اكتسبها من غناه بالبروتين، الذي جعله مؤخرا خيارا شائعا بشكل خاص بين الأشخاص الذين يتناولون عقاقير السمنة ويبحثون عن وجبة خفيفة مشبعة غنية بالبروتين وقليلة السعرات الحرارية.

بالإضافة إلى شهرته الواسعة بمحتواه من البكتيريا المفيدة لتحسين عملية الهضم، وهي ميزة صادفت هوسا عالميا واسع النطاق بصحة الأمعاء؛ حتى إنه على مدى السنوات الـ25 الماضية، نما استهلاك الزبادي في الولايات المتحدة وحدها بنسبة 142%، ومن المتوقع أن ترتفع مبيعاته أكثر، حيث أعطت إدارة الغذاء والدواء الأميركية دَفعة قوية للزبادي في مارس/آذار الفائت، من خلال السماح لشركات الأغذية الكبرى بالإعلان عن ادعاءات حول ارتباطه بانخفاض خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني”.

لكن ياسمين تاياغ، الكاتبة والمحررة العلمية لصحيفة “ذا أتلاتنتيك” الأميركية، تفجّر مفاجأة بقولها “إن الكثير من الزبادي الذي نتناوله ليس صحيا على الإطلاق، ومن بين الأصناف قليلة الدسم والعادية في ممر منتجات الألبان بأي متجر، سنجد خطا رفيعا بين الزبادي والآيس كريم، وأن العديد من عبوات الزبادي أصبحت عبارة عن حلويات”.

انتشار زبادي “الحلوى” على نطاق واسع

لاحظت تاياغ أن شركة دانون (حققت مبيعات عالمية من منتجات الألبان والمياه وأغذية الأطفال، بلغت حوالي 28 مليار يورو، في عام 2023)، تروج لأكواب زبادي بنكهات وكمية من السكر تعادل 5 قطع من بسكويت “أوريو”، مع إضافات من قطع حلوى “سنيكرز”، و”إم آند إم”.

وأن أحد أكثر أنواع الزبادي مبيعا على موقع “تارغت” يأتي مع قطع من عجينة البسكويت، بجانب إصدارات مع مزيج آخر من رقائق الشوكولاتة بالنعناع، ​​والبسكويت والكريمة؛ وكلها أصناف تبدو كأنها مثل الآيس كريم.

تقول تاياغ، رغم أن الزبادي هو مجرد حليب مخمر، يحتوي على العناصر الغذائية الموجودة في الحليب، مثل البروتين والكالسيوم، بالإضافة إلى الفيتامينات والأحماض العضوية التي تنتجها أنواع معينة من البكتيريا المفيدة؛ لكن مستويات السكر والدهون والبروتين والكالسيوم والسعرات الحرارية والنكهات والإضافات السكرية في الزبادي المتوفر في السوبر ماركت تزداد على نطاق واسع، وفقا لما رصدته دراسة نُشرت عام 2016.

لتبيع لنا شيئا يشبه الآيس كريم، “مثل أكياس الزبادي القابلة للضغط بنكهة حلوى القطن، وأكواب زبادي بنكهة القيقب والعسل وكمية هائلة من السكر، التي تقدمها عدة علامات التجارية”.

انحسار الخط الفاصل بين الزبادي والآيس كريم

في عام 2018، نُشرت نتائج بحث لطالب دكتوراه في جامعة هارفارد، حول العلاقة بين منتجات الألبان والأمراض المزمنة، شمل مشاركين من مرضى السكر؛ وتوصل إلى استنتاج مثير، ضَيّق الفجوة بين الآيس كريم والزبادي من الناحية الصحية، مفاده أن “تناول نصف كوب من الآيس كريم يوميا، ارتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب”.

لكن تاياغ تقول “إن الزبادي سيظل أفضل من الآيس كريم بشكل عام”، ولو لمجرد أن الأول مصنوع من الحليب المخمر؛ “ولكن حتى هذه الميزة أصبحت محل خلاف”.

فالزبادي قليل الدسم والخالي من السكر، ليس دائما كما يبدو؛ وأنوع الزبادي التي لا تبدو مثل الحلوى يمكن أن يكون مضاف إليها السكر، فعلى سبيل المثال، قد يكون كوب الزبادي بالتوت الأزرق خيارا جيدا للإفطار، لكنه في الحقيقة يحتوي على 14 غراما من السكر.

وإن كانت تاياغ توضح أنه “ليست كل الإضافات ضارة، حيث تحتوي بعض الأصناف على إضافة بروتين أكثر من محتوى 3 بيضات”.

لا تنخدع بكتابة كلمة زبادي على العبوة

تقول إيلينا كوميلي، أستاذة التغذية المساعدة بجامعة تورنتو، إن الفوائد الصحية المعتادة “لا تنطبق” على جميع المنتجات التي تحتوي على “كلمة زبادي”.

حيث لا تحتوي جميع أنواع الزبادي على البروبيوتيك (البكتيريا المرتبطة بصحة الأمعاء)، وخاصة إذا تم معالجته بالحرارة، فسوف يحتوي على القليل من البروبيوتيك، أو لا يحتوي على أي شيء منه أصلا.

انتبه.. بعض أنواع الزبادي تحتوي على سكر يعادل 5 قطع من بسكويت

لذا تنصح كوميلي بالبحث في الملصق عما يشير بصراحة إلى أن المنتج يحتوي على “بكتيريا حية ونشطة”، وتنبه إلى أن عدد البكتيريا الحية المفيدة في المنتج ينخفض ​​كلما طالت مدة تخزينه، وأن تأثيرات البروبيوتيك -إذا وجد في الزبادي- لن تكون ملموسة إلا إذا تم تناوله بانتظام.

أما مختصة التغذية المعتمدة، كاسي بيورك، فتضيف أنه على عكس “النسخة الحامضة البسيطة من الزبادي العادي”، المليئة بالبروتين والبروبيوتيك، والتي من المفترض أن نتناولها؛ فإن معظم الزبادي المتوفر في متاجر البقالة مُنكّه”، مما يعني أنه مليء بالسكر والمحليات الصناعية؛ “وهي إضافات تغذي البكتيريا الضارة في الأمعاء، مما ينفي في الأساس أية فوائد للبروبيوتيك”.

خطورة تأثير هالة الطعام الصحي على سلوكنا الغذائي

لا يزال صُنّاع الأغذية يلعبون دورا كبيرا في تحديد ما يجب أن نعتبره صحيا، من خلال جذب انتباهنا إلى جانب محدد من الطعام يجعله يبدو أفضل مما هو عليه في الواقع، باستخدام كلمات من قبيل: طبيعي، أو عضوي، أو خال من الغلوتين أو السكر أو الدهون؛ وهو تكتيك يُعرف باسم “الهالة الصحية”.

حتى يُقال أحيانا إن هناك “خدعة فرنسية” تجعل الزبادي -وليس الحليب أو الريكوتا أو القشدة- مثاليا لفقدان الوزن. وهو ما تؤكده بيني إيثرتون، أستاذة التغذية بجامعة ولاية بنسلفانيا، بقولها “إن تناول الزبادي بانتظام يرتبط بضبط ضغط الدم والسكري، وتقوية المناعة، وإدارة الوزن”. لذا، “لا غرابة أن مبيعات الزبادي -بصرف النظر عن مكوناته- مستمرة في النمو”، كما تقول تاياغ.

وتضيف ماريون نيستل، أستاذة التغذية بجامعة نيويورك، قائلة: “يبدو أن الزبادي قد نجح في تحقيق معجزة تسويقية، كحلوى سريعة البيع، تختبئ خلف هالة صحية”.

فإضفاء هالة صحية على الطعام، يُعد أمرا مريحا يساعد الأشخاص الذين يعانون من ضيق الوقت على الاعتقاد بأنهم يتخذون قرارات غذائية جيدة؛ حيث يجعلهم الزبادي يشعرون بالرضا عما يأكلونه، وخاصة عندما يكون لذيذا. ليس هذا فحسب، بل ويأكلون أية إضافات مرتبطة به.

لذا، يجسد الزبادي نهجا متناقضا في تناول الطعام، وهو الاعتقاد في إمكانية تحسين الصحة، بدون التخلي عن الوجبات السريعة.

لكن الخلاصة هي أن الزبادي المُرصّع بحلوى “إم آند إم” لن يجعلك أكثر صحة، فإذا قررت تناوله، فلتستمتع به باعتباره مجرد صنف من الحلوى.

شاركها.
Exit mobile version