يتعايش المصريون مع أزمات ارتفاع أسعار السلع الأساسية بين الحين والآخر، ولكن تزامنا مع ارتفاع سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء مقابل الجنيه (العملة المحلية) والذي انعكس بدوره على أسعار جميع السلع، ارتفعت الأصوات التي تشكو من الغلاء الشديد وصعوبة المعيشة، خاصة ما يتعلق بأسعار الأطعمة الأساسية، لا سيما بعد عزوف الكثيرين عن شراء السلع الترفيهية والمستوردة.

اعتاد المصريون مقارنة الأسعار خلال السنوات الماضية بسعر كيلو “البانيه” أو صدور الدجاج الأبيض المخلي (المنزوع) من العظام، وهي السلعة التي تستخدمها الأسر بصورة منتظمة في وجباتها الأسبوعية، لكن مع ارتفاع الأسعار بصورة مضاعفة خلال الشهرين الماضيين، باتت المقارنة بين جميع أسعار السلع الأساسية المحلية الآن وخلال الأسابيع الماضية.

معاناة أسبوعية

المعاناة من شراء الاحتياجات الأسبوعية والشهرية للأسر المتوسطة في مصر، باتت حالة متجددة كل مرة يقررون فيها الذهاب للسوبر ماركت، حتى أن فكرة الالتزام بورقة الاحتياجات الأساسية فقط أو وضع ميزانية محددة للمشتريات صار أمرا صعبا مع أسعار تزيد بصورة يومية وأحيانا كل ساعة.

تجدر الإشارة إلى أن السلة الأساسية لا تتضمن الملابس والأدوات المدرسية أو الأجهزة الكهربائية، التي تحولت إلى رفاهيات لا يفكر فيها الكثيرون.

تجولت الجزيرة نت بالأسواق التي يرتادها المصريون من الطبقة الشعبية، وأخرى تستهدف الطبقة المتوسطة، لمقارنة الأسعار المرتفعة يوما بعد يوم.

يقول أحمد سعيد (37 عاما)، “أذكر من سنتين كانت ميزانية الطعام والشراب الشهرية لأسرتي حوالي 2500 جنيها، وكنا مرفهين نأكل لحوما وفراخا وسمكا كل أسبوع ونطلب وجبات جاهزة من المطاعم (ديلفري) مرتين أو ثلاثا في الشهر، لكن هذا المبلغ الآن لم يعد يكفي لمشتريات أسبوع واحد”.

وأضاف المواطن للجزيرة نت أن زوجته تركت له شراء مستلزمات المنزل بعد أن اتهمها بالتبذير كلما كانت تخبره أن مصروف البيت لم يعد كافيا للوفاء باحتياجات أسرة مكونة من 4 أفراد.

واختار أحمد أن يتولى مسؤولية التسوق الأسبوعي للأسرة، وكل مرة كان يذهب فيها إلى السوق يجد كل شيء قد يتغير سعره، وأشار “طوال عمرنا نجد ارتفاعا في الأسعار بالمواسم والمناسبات، هذا الارتفاع كان في حدود جنيه أو اثنين أو حتى 10 جنيهات، لكن كيف ترتفع الأسعار في شهر واحد ليصل سعر كيلو اللبن الحليب إلى 40 جنيها بدلا من 20 جنيها، والجبن الرومي 60 جنيها للربع كيلو بدلا من 25، وكيلو الدجاج وصل إلى 90 جنيها للكيلو. أما اللحوم فلم نعد نفكر في شرائها، حتى الأسماك التي كنا نطلق عليها أكل الغلابة أصبحت تكلفة وجبة السمك البلطي النيلي بـ 300 جنيه”.

أسعار السلع الأساسية في الأسواق المصرية

رافقت الجزيرة نت عفاف صابر (47 عاما، ربة منزل) في رحلتها إلى السوق، لشراء الاحتياجات الأسبوعية لأسرتها المكونة من 4 أفراد، السوق الذي اختارته عفاف شعبي في حي السيدة زينب حيث تسكن، لم تغب السلع الأساسية من الأسواق، فما زالت اللحوم والزيوت والأرز والدقيق والخضراوات موجودة بالمحلات، وبرغم اختفاء السكر وقلة المعروض منه، إلا أنه يوجد في بعض الأحيان لكن بسعر يصل إلى 50 جنيها للكيلو.

وقد ارتفعت أسعار جميع السلع وقل الإقبال على الشراء، ورغم محاولات المصريين للتأقلم والبحث عن بدائل، والابتعاد عن شراء طلبات المنزل بالكيلو، والاكتفاء “بالواحدة” كوحدة شراء، لكن الأمر لم يعد مجديا، خاصة مع اقتراب شهر رمضان الذي تشتهر به هذه المنطقة من انتشار شوادر المنتجات الرمضانية، وبرغم انتصاف شهر رجب فإن علاماتها لم تظهر بعد.

ولم تحدد “عفاف” مبلغا محددا لتنفقه في السوق، قائلة “الآن لا توجد ميزانية ثابتة لأغلب البيوت، فنحن ننزل السوبر ماركت العادي لا الهايبر (المتاجر الكبرى) والأسواق الشعبية بحثا عن أسعار أقل، لكن بلا فائدة”.

وتحمل المواطنة معها مبلغ ألفي جنيه لشراء ما يكفي احتياجات منزلها لمدة أسبوعين، واختارت عفاف أن تشتري اللحم المستورد بـ 300 جنيه بسعر أقل من محلات الجزارة لتوفير 150 جنيها للكيلوغرام. أما الدجاج فقد سألت صاحب المحل عن سبب ارتفاع سعر “البانيه” من 160 جنيها الأسبوع الماضي إلى 220 اليوم، فأجابها قائلا “مش (ليس) بأيدينا والله” فصمتت وقررت عدم شراء البانيه والاكتفاء بدجاجة واحدة يصل سعرها إلى 200 جنيه، بدلا من اثنتين”.

وتمتلك عفاف بطاقة تموينية تحصل بموجبها على كيلوغرامين سكر، ومثلهما أرز، وزجاجتي زيت، لفردين. وترفض وزارة التموين إضافة ولدين لها، فقللت استهلاكها الشهري من السكر، وتغاضت عن استخدامه بالمشروبات، لكنها لا تجد له بديلا للحلوى التي يحتاجها أطفالها، فتضطر لتبحث عن السكر الحر لتصل إليه بعد عناء بـ50 جنيها للكيلو.

أما الأرز فقد وصل سعره 40 جنيها لدى العلاف البلدي الذي يخبرها بأنه من الممكن أن تشتري أرزا أقل جودة بـ 35 جنيها فقط، وتختار المواطنة دفع 5 جنيهات زائدة بديلا عن أرز يفسد الطبخة كما تقول، وشراء عبوة زيت لترين كان ضروريا من أجل صحة أسرتها التي تحتاج إلى زيت نقي يتكلف 250 جنيها للزجاجة كل أسبوع.

أما عن بقية أيام الأسبوع، فهناك أيام محددة للطعام الخفيف، وهنا يأتي دور العدس والكشري في ظل البرد القارس، لكن سعر العدس أيضا تجاوز 75 جنيها للكيلو، إذ لم يعد طعاما خفيفا، واللوبيا الجافة وصل سعرها 120 جنيها للكيلو، وتقول عفاف “حتى الأكل الذي كنا نطبخه كبديل للدجاج واللحوم.. أصبح بفلوس ولا نجده”.

آثار التعويم

وفق دراسة وثقتها المجلة العلمية للدراسات والبحوث المالية والإدارية تحت عنوان “أثر تغيرات سعر الصرف على مستوى معيشة الأسرة المصرية” فإن البدايات الفعلية لتعويم الجنيه تعود إلى حوالي 3 عقود مضت، تحدیداً عام 1985، حينما شرعت الحكومة في بدء خطة إصلاحية شاملة للاقتصاد أواسط الثمانينات، لكنها لم تستطع الوفاء بمتطلبات تنفيذ هذه الخطة.

كما شهدت أوائل تسعينيات القرن الماضي (عام 1991) تزایداً في الضغوط الاقتصادية وعدم قدرة الحكومة على الوفاء بمتطلبات الدين الخارجي مما اضطر للعودة مرة أخرى إلى الدول الخارجية للتفاوض حول جدولة الديون وإجراء إصلاحات جوهرية وهيكلية بالاقتصاد والالتزام بتعويم الجنيه كجزء من تلك الإصلاحات. وبعد ذلك شهدت قيمة الجنيه سلسلة من الانخفاضات المتلاحقة، كان أبرزها عام 2003 ووصولاً للتعويم الكامل لسعر الصرف عام 2017.

وقد حلل الباحثان جهاد أحمد نور الدين، وحسام الدين أحمد عبد المنعم، آثار تعويم الجنيه على الأسرة، ورصدا معدلات التضخم التي بدأت في الاتساع منذ التسعينيات لتصل ذروتها مع تعويم 2017، في دراسة أجريت عام 2018 -وهي فترة سبقت معدلات التضخم غير المسبوقة التي شهدتها مصر العام الأخير-، فيما تشهد الفترة الحالية زيادة أكبر في الأسعار بسبب الارتفاع التاريخي للدولار أمام الجنيه، حيث وصلت قيمته إلى 70 جنيها للدولار الواحد بالسوق السوداء.

وفي المقابل، يستقر سعر الصرف في البنك المركزي عند 30 جنيها للدولار، مما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في السلع الاستهلاكية بشكل عجزت أمامه ملايين الأسر عن مجاراة تلك الارتفاعات، وانخفضت القدرة الشرائية للمواطنين، وغابت الكثير من السلع الأساسية عن الميزانية الشهرية للأسر.

شاركها.
Exit mobile version