في مطلع عام 2013، نُشرت دراسة أثارت جدلا واسعا، بعد أن أشار فيها الباحثون إلى أن “الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن ويتمتعون بلياقة جيدة، أقل عرضة للوفاة بنسبة 6% ممن يتمتعون بوزن طبيعي”.

لكن ميشيل ماي، الطبيبة ومؤلفة كتاب “تناول ما تحب، أحب ما تأكله”، قالت لـ”سي إن إن” إننا بحاجة إلى التركيز على الخيارات المتعلقة بالأكل الصحي والنشاط البدني، “بدلا من القلق بشأن الأرقام على الميزان”. وأضافت أن المفهوم القائل إن النحافة صحية والسمنة غير صحية “ليس صحيحا بالمرة”، فيمكنك أن تكون سمينا ولياقتك البدنية جيدة.

وأكد غلين جايسر، مدير مركز أبحاث أنماط الحياة الصحية في جامعة ولاية أريزونا، في تصريح لشبكة “سي إن إن” أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة لكنهم يتمتعون بلياقة بدنية قد يكونون أكثر صحة من الأفراد النحيفين الذين يفتقرون إلى اللياقة، مما يعزز الفكرة القائلة إن اللياقة البدنية تلعب دورا أكثر أهمية في الصحة العامة مقارنة بالنحافة.

وبعد أن أظهرت العديد من الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن والسمنة ويتمتعون باللياقة البدنية، ليس لديهم خطر وفاة مبكرة أعلى من ذوي الوزن الطبيعي الذين يتمتعون باللياقة البدنية.

نُشرت أواخر العام الماضي، دراسة شاملة أكدت أن اللياقة البدنية أكثر أهمية لحياة طويلة وصحية من القلق بشأن الوزن، وأن انخفاض اللياقة البدنية يزيد من خطر الوفاة المبكرة، بغض النظر عن العمر أو الوزن.

التركيز على الرياضة بدلا من القلق بشأن الوزن

فقد وجدت الدراسة أن عدم اللياقة البدنية قد يضاعف خطر الوفاة المبكرة 3 أضعاف، بغض النظر عن العمر أو الوزن، وأظهر بحث تحليلي أن “اللياقة القلبية التنفسية تخفف من خطر الوفيات بأمراض القلب والأوعية الدموية المرتبطة بالسمنة وزيادة الوزن، وإن كانت لا تقضي عليها تماما”.

وقالت غريتشن رينولدز، الكاتبة المتخصصة في التمارين الرياضية واللياقة البدنية، إن “هذا هو استنتاج أكبر دراسة شاملة حتى الآن، حول العلاقة بين اللياقة البدنية ومؤشر كتلة الجسم وطول العمر، من خلال مراجعة وتحليل عدد كبير من الأبحاث السابقة”.

وأكد سيدهارثا أنغادي، عالم فسيولوجيا التمرينات في جامعة فرجينيا والمشرف الرئيسي على الدراسة، أن هذا البحث يخبرنا أنه “من المهم للغاية للصحة وطول العمر، التركيز على اللياقة البدنية بدلا من السمنة”. موضحا أن الشخص إذا كان يعاني من السمنة، ولكنه يتمتع بلياقة جيدة، فإن احتمال وفاته في سن مبكرة يكون أقل بنحو النصف، من شخص وزنه طبيعي، ولكن لياقته منخفضة.

وبذلك تُضاف هذه الدراسة إلى الأبحاث المتنامية التي تفيد بأن الأشخاص يمكن أن يتمتعوا بالصحة الجيدة وطول العمر بأي وزن، إذا كانوا نشطين ولائقين بدنيا وقلبيا، حيث تشير إلى أن القليل من التمارين قد يكفي لتحسين اللياقة وتقليل خطر الوفاة، “سواء اكتسبنا بعض الوزن الزائد أم لا”.

التمارين مفيدة حتى لو لم تفقد الوزن الزائد

رغم أن السؤال عن إمكانية أن يكون المرء سمينا وبصحة جيدة، طالما أثار اهتمام العلماء، وشغل معظم من لديهم وزن زائد، لكن الإجابة عنه ظلت غير حاسمة، بسبب تعرض الأشخاص الذين يعانون من السمنة للإصابة بأمراض خطيرة مثل مرض السكري والسرطان وأمراض القلب، بالإضافة إلى أنهم قد يكونون أكثر عرضة للوفاة في سن أصغر، ممن يتمتعون بوزن طبيعي.

لكن مراجعة أحدث للأبحاث السابقة، نُشرت عام 2021، أظهرت أن اللياقة البدنية والنشاط الدائم يُغيران هذه النتائج، بغض النظر عن مؤشر كتلة الجسم لدى الشخص، حيث قارن الباحثون -بما فيهم البروفيسور سيدهارثا أنغادي، قائد الدراسة الحالية- بين ما يحققه الأشخاص المصابون بالسمنة من مكاسب على مستوى طول العمر، بسبب ممارسة الرياضة، أو اتباع نظام غذائي. ووجدوا أن “ممارسة التمارين قللت من خطر الوفاة المبكرة لديهم بنحو 30%، حتى لو لم يفقدوا أي وزن”، وهو ما يعادل “ضِعف المكاسب” التي قد تتحقق من فقدان الوزن باتباع نظام غذائي.

توسيع نطاق البحث

لأن العديد من الأبحاث السابقة شملت مجموعات صغيرة من الناس، فقد قرر أنغادي وفريقه البحثي توسيع نطاق بحثهم في الدراسة الأخيرة، بحيث تضم مزيدا من النساء، وأشخاصا من دول أخرى. وقاموا بمراجعة 20 دراسة استمرت لنحو عقدين من الزمان، وشملت ما يقرب من 400 ألف شخص من عدة دول في منتصف العمر أو أكبر، حوالي 30% منهم من النساء.

ثم قارنوا بين مؤشر كتلة الجسم واللياقة البدنية والوفاة، ليتأكد لديهم الارتباط الوثيق بين السمنة والوفيات، بعد أن لاحظوا أن الرجال والنساء الذين يعانون من السمنة وغير لائقين بدنيا، يكونون أكثر عرضة للوفاة المبكرة بنحو 3 أضعاف، من الأشخاص الأصحاء من ذوي الوزن الطبيعي.

في حين كان الأشخاص من ذوي الوزن الطبيعي الذين لا يتمتعون بالحد الأدنى من اللياقة البدنية، “أكثر عرضة للوفاة في سن مبكرة بنحو الضِعف، ممن يعانون من السمنة لكنهم لائقون بدنيا”.

وأوضح أنغادي أن “اللياقة البدنية قضت على خطر الوفاة المبكرة المرتبطة بالسمنة إلى حد كبير”. وقال باري براون، مدير مختبر الأبحاث في جامعة ولاية كولورادو، إن “هذه الدراسة مهمة، لأنها تؤكد أن اللياقة القلبية التنفسية تحمي من الوفاة بقوة، بصرف النظر عن الوزن”.

المشي السريع كاف لرفع اللياقة البدنية

وجد الباحثون أن حوالي شخصين من كل 5 بالغين على مستوى العالم يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، وأنه “رغم التركيز على فقدان الوزن، لكن معدل العودة إلى الوزن الزائد يصل إلى 100%، بعد 10 سنوات من المتابعة”، كما أن “فقدان الوزن، لم يُظهِر تحسنا في انخفاض خطر الوفاة”.

لذا توصي الدراسة بقضاء المزيد من الوقت في ممارسة الرياضة، وتؤكد أن الأمر لا يتطلب أكثر من المواظبة على المشي السريع.

ويؤكد أنغادي أن التمارين المعتدلة، التي تتطلب مجهودا يسمح بالتحدث أثناء ممارستها، مثل المشي السريع مع تحريك الذراعين، تساهم بشكل فعّال في تحسين اللياقة البدنية.

من جانبه، يشير جون ثيفولت، أستاذ السمنة والتمارين الرياضية في جامعة كانساس، إلى أن الأبحاث العلمية أثبتت بوضوح أن اللياقة البدنية تلعب دورا أكثر أهمية في تقليل مخاطر الوفاة مقارنة بحالة وزن الجسم.

ويضيف “صحيح أن كثيرين يسعون إلى فقدان الوزن لأسباب متعددة، لكن من المهم إدراك أن تحسين الصحة لا يتطلب بالضرورة إنقاص الوزن، بل يكفي ببساطة زيادة مستوى النشاط البدني”.

شاركها.
Exit mobile version