بينما تمرر المنشورات بلا اكتراث على “فيسبوك”، في محاولة لتجاوز ليلة أخرى مملة، يتوقف نظرك فجأة عند اسم يثير في ذهنك ذكريات قديمة. تتأمل الصورة بجانب الاسم، وتدرك أن السنوات قد مضت بالتأكيد، ولم يعد ذلك الطفل الصغير الذي كان يشاركك مقاعد الدراسة في الابتدائية، ومع ذلك لا تزال ملامحه مألوفة. تفكر في إرسال طلب صداقة ورسالة ودية لإحياء علاقة انقطعت منذ ما يقارب ربع قرن. لكن قبل أن تضغط على أيقونة الإرسال، تتوقف للحظة، ثم تمسح الرسالة وتقرر ترك تلك الصداقة في طي النسيان. لا تقلق، فأنت لست وحدك، فكثير من الناس يجدون صعوبة في إحياء الصداقات القديمة.

لماذا يصعب التواصل مع الأصدقاء القدامى؟

وفقا لدراسة أجريت في عام 2016، يتناقص عدد الأصدقاء الذين تحافظ على التواصل المستمر معهم بعد عمر 25، وذلك بسبب تراكم الأعباء والمسؤوليات وسرعة إيقاع الحياة مع اتساع الدوائر الاجتماعية بحكم العمل مثلا أو الزواج.

قد يكون من الصعب الحفاظ على تواصل دائم مع الأصدقاء القدامى، مما يؤدي إلى اختفاء العديد من العلاقات التي كانت في يوم ما محورية في حياتك. وعلى الرغم من رغبة كثيرين في إحياء تلك العلاقات، فإنهم قد يجدون صعوبة في اتخاذ خطوات فعلية لتحقيق ذلك.

كشفت دراسة حديثة صدرت في أبريل/نيسان 2024، أجراها باحثان من قسم علم النفس في جامعة سيمون فريزر وجامعة ساسكس، أن استعادة التواصل مع المعارف القدامى قد تكون صعبة.

شملت الدراسة نحو 2500 مشارك وتضمنت 7 استطلاعات، في الاستطلاع الأول: طُلب من المشاركين التفكير في صديق انقطعوا عن التواصل معه، ووجد أن ثلث المشاركين فقط اتخذوا خطوة فعلية لاستعادة الاتصال. وخلص الباحثان إلى أن محاولة إعادة التواصل مع أصدقاء قدامى تشبه بدء محادثة مع شخص غريب.

توصل الباحثان في النهاية إلى وسيلة لتخفيف التردد، فقسم المشاركون إلى قسمين: أحدهما أمضى 3 دقائق في كتابة الرسائل إلى الأصدقاء الحاليين في ما يشبه نوعا من الإحماء، بينما أمضت المجموعة الثانية 3 دقائق في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، ثم طُلب من الجميع صياغة رسالة وإرسالها إلى صديق قديم. وأثبتت المهمة نجاحها، إذ تمكن 53% من المجموعة الأولى من إرسال الرسالة، بينما لم ينجح من المجموعة الثانية سوى 31% فقط.

وطبقا للدراسة، فإن المسافة النفسية التي تتكون بمرور الوقت تعد العقبة الرئيسة أمام إعادة التواصل، وبمجرد تخطيها يصبح الأمر أسهل. ولكسر هذا الحاجز، يمكنك أن تبدأ باستغلال وسائل التواصل الاجتماعي، فهي تخلق نوعا من الألفة، يمكن اعتباره إحماء أو عتبة أولية قبل الانتقال إلى الخطوة التالية وهي إجراء مكالمة هاتفية أو اللقاء وجها لوجه.

لماذا نحتاج إلى إحياء الصداقات القديمة؟

طبقا للطبيبة النفسية سابرينا رومانوف، فهناك عدد من الفوائد النفسية التي يمكنك التمتع بها عند استعادة تواصلك مع صديق قديم، من بينها:

استعادة الذكريات السعيدة: يشبه قضاء الوقت مع صديق قديم إعادة فتح جرة سحرية تحمل ذكريات قديمة لأوقات كنتما فيها أهدأ بالا وأكثر خفة.

Mature men hugging, happy to see each other, old friends meeting, greeting; Shutterstock ID 1374524774; purchase_order: aljazeera ; job: ; client: ; other:

رؤية حياتك من منظور جديد: يمكن أن يقدم لك الصديق القديم نظرة مختلفة إلى حياتك، تساعدك على رؤية ما أنت عليه الآن مقارنة بما كنت عليه في الماضي، وذلك قد يساعدك على تقدير مسيرتك حق قدرها.

مخاوف من استعادة العلاقات القديمة

عندما تفكر في استعادة صداقة قديمة، قد تشعر بالقلق، وتعصف برأسك التساؤلات عن مدى إمكانية استئنافها خاصة مع وجود بعض العقبات والمخاوف، مثل:

الخوف من الرفض: هل يبحث صديقك عنك كما تبحث عنه؟ هل يرغب في استعادة علاقته بك بالحماسة نفسها؟ هذا سؤال لن تعرف إجابته إلا إذا خضت التجربة.

القلق من مواجهة الغضب والضغائن القديمة: في بعض الأحيان قد يحمل هذا الصديق غضبا تجاهك لشعوره بأنك تخليت عنه. لكن ذلك يتوقف على الطريقة التي انقطعت بها سبل التواصل بينكما، وكذلك على مدى قوى العلاقة السابقة.

الخوف من التغيير: بمرور الوقت يتغير الناس وتتخذ أفكارهم ونظرتهم إلى الحياة مسارات مختلفة عما كانوا عليه في صغرهم، حاول أن تبحث عن المشترك بينكما وتعززه.

المقارنات الاجتماعية: لا يقتصر الأمر على التغيرات الفكرية فقط، فقد ينتج عن تفرق مساراتكما العملية أن ينتمي كل منكما إلى طبقة اجتماعية ومادية مختلفة عن الآخر وذلك يخلق مقارنات مزعجة.

نصائح لاستعادة التواصل مع الأصدقاء القدامى

  • ابدأ باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كي تتخطى توترك، وذلك بإرسال رسائل قصيرة، ومتابعة منشوراتهم والتفاعل معها من أجل إعادة بناء العلاقة بصورة طبيعية.
  • عبر عن مشاعرك بصدق وعن أهمية استعادة هذه العلاقة وما تمثله لك، سيساعدك ذلك على إذابة الجليد، والتخلص من قلق الرفض.
  • ابدأ بالحديث عن الذكريات، خاصة السعيدة منها، سيساعدك ذلك على التخلص من الحرج المبدئي واستعادة الأيام الخالية.
  • عبر عن اهتمامك بمعرفة ما صاروا إليه، اطرح مزيدا من الأسئلة للتعرف على هويتهم الحالية وما وصلوا إليه.
  • تجاوز الصراعات والضغائن القديمة، وحاول أن تتخطى أسباب انقطاع العلاقة، وركز على الأمور الإيجابية.
  • ضع خططا مستقبلية للعلاقة، لا تدعها تقتصر على مقابلة أو اثنتين فقط، خاصة إذا اكتشفت وجود اهتمامات مشتركة بينكما.
  • ضع خططا لأنشطة ولقاءات مقبلة بناء على هذه المشتركات.

بعض العلاقات تستحق استعادتها من تحت الرماد وبث الروح فيها، فلا تتردد في بذل المحاولة.

شاركها.
Exit mobile version