يتسابق المسلمون خلال شهر رمضان في التقرب من الله بالطاعات في صور مختلفة، على رأسها تلاوة القرآن الكريم، ولا تقتصر بركة رمضان على ختم كتاب الله مرة أو أكثر، بل تتخطاها لتكون فرصة مثالية للتخطيط لحفظ القرآن الكريم، حيث يكون القلب والذهن أكثر صفاء وتركيزا. ومن ثم فإن استغلال هذا الشهر في المداومة على التلاوة والتدبر والحفظ، يعزز العلاقة بالقرآن، وبذلك يصبح رمضان نقطة انطلاق لعادة يومية تدوم حتى بعد انتهاء الشهر الكريم. ولكن كيف تضع خطتك لحفظ أجزاء من القرآن؟

يتطلب حفظ القرآن الكريم أن تكون علاقتك بالمصحف الشريف منتظمة ويومية، سواء بالقراءة والتدبر أو بالاستماع إلى سور من القرآن بصورة يومية، بعد الصلوات الخمس أو خلال القيام بالمهام اليومية مثل قيادة السيارة أو أثناء الطهي، وهي الفترات التي تقوم فيها حواسك بالمهمة بشكل آلي ومعتاد، بينما تستطيع التركيز فيما تسمعه، فتعتاد النطق الصحيح للآيات. وبالتكرار والاستمرارية سوف تتحسن قدرتك على الحفظ.

احرص على تكرار الاستماع إلى السور القصيرة عدة مرات يوميا لتعزيز الحفظ. أما في السور الطويلة، فركز على سماع عدد محدد من الآيات يوميا لضمان استيعابها بشكل أفضل.

الجزء الأول أم جزء “عمّ”.. من أين تبدأ الحفظ؟

الاختيار بين بدء الحفظ بسورة البقرة أو الجزء الثلاثين يعتمد على مجموعة من العوامل، منها القدرة على الحفظ، ومدى الاستعداد للاستمرارية، سواء كان مبتدئا أو له خبرة سابقة في حفظ سور القرآن الكريم.

مميزات البدء بسورة البقرة:

تتضمن سورة البقرة الكثير من الأحكام الشرعية والقصص القرآنية، ويعتقد البعض أنها الأكثر سهولة في الحفظ. وتتميز بكونها تجعل الحافظ يعتاد على السور والآيات الطويلة، لكنها قد تكون أكثر صعوبة على المبتدئين والأطفال أحيانا.

مميزات البدء بجزء عم:

يحتوي الجزء الثلاثون على سور قصيرة سهلة الحفظ والاستيعاب، كما أنها تشجع الحافظ على الاستمرار بعد الإحساس بالإنجاز في حفظ أكثر من سورة في وقت قصير. لكن في الوقت نفسه يجب مراجعة السور بصفة مستمرة بسبب تشابه الآيات.

في كلتا الحالتين، يتطلب حفظ القرآن أن يكون جزءا ثابتا من روتينك اليومي، مع الالتزام بوِرد محدد، بغض النظر عن عدد الآيات التي تتم مراجعتها.

طرق تساعدك على حفظ القرآن

1- الحفظ بالنظر

ركز على النظر إلى الكلمات لفترة كافية دون التعجل، وتجنب التنقل بين الآيات أثناء القراءة حتى لو بدت سهلة. ومن الأفضل أن تحفظ من مصحف بطبعة واحدة، حيث تختلف بعض الطبعات في التنسيق ونوع الخط، مما قد يؤثر على عملية الحفظ.

بإطالة النظر إلى موضع الكلمات يحفظ العقل شكل الكلمة ومكانها والحركات التشكيلية. وستلاحظ عند تذكر الآية موضع كل كلمة في ذهنك.

2- الحفظ بالتلقين

يُعد التلقين من الطرق الفعالة في حفظ القرآن الكريم، حيث يعتمد بعض الأشخاص، وخاصة الأطفال وكبار السن، على الاستماع إلى المعلم وتكرار الآيات خلفه حتى ترسخ في أذهانهم. تساعد هذه الطريقة على تحسين النطق وتصحيح التلاوة، مما يسهل عملية الحفظ بشكل أكثر دقة وإتقانا.

3- تكرار سماع الآيات

لتحسين الحفظ والإتقان، يجب اختيار قارئ متقن ومحفظ ماهر يساعد على ضبط التلاوة وتجويد النطق. كما أن الاستيعاب والتدبر أثناء الاستماع للآيات يلعبان دورا مهما في ترسيخها في الذاكرة، فكلما كان الفهم أعمق، كان الحفظ أكثر ثباتا.

ويعد تكرار السماع مع التركيز على الأخطاء وتصحيحها وسيلة مثالية لتعزيز إجادة التلاوة وتجنب الأخطاء مستقبلا.

4- الحفظ بالتكرار

تعتمد هذه الطريقة على تحديد مقدار الحفظ المطلوب، ثم البدء بتكرار الآية الأولى 10 مرات أو 20 مرة حتى تثبت في الذهن، ثم الانتقال إلى الآية الثانية وتكرارها بنفس العدد، والاستمرار بهذه الطريقة حتى الوصول إلى الآية الرابعة.

بعد ذلك، يتم ربط هذه الآيات الأربع معا وتكرارها 20 مرة لتعزيز ترابطها. ثم الانتقال إلى مجموعة جديدة من 4 آيات أخرى تُكرر بنفس الأسلوب، وبعد حفظها يتم دمجها مع الآيات السابقة، والاستمرار بهذه الطريقة حتى إتمام حفظ المقدار المطلوب.

يعمل هذا الأسلوب على تثبيت الآيات في الذهن، مما يسهل استرجاعها عند المراجعة ويعزز الحفظ المتقن للقرآن الكريم.

5- الحفظ بالكتابة

تُعد الكتابة من الوسائل الفعالة التي تسهم في تثبيت آيات القرآن الكريم في الذهن، سواءً من خلال كتابتها يدويا على الورق أو باستخدام الوسائل الإلكترونية.

كما تُعد طريقة تحفيظ القرآن عبر الألواح الخشبية من أبرز الأساليب التقليدية في بعض الدول، حيث يلقى هذا النهج رواجا خاصا خلال شهر رمضان، إذ تنشط حلقات التحفيظ في المساجد والمدارس القرآنية.

تبدأ هذه الطريقة بسماع الطالب للآيات من معلمه، المعروف بـ”الشيخ” أو “الفقيه”، ثم يقوم بكتابتها على اللوح وحفظها، ليعرضها بعد ذلك على معلمه للتصحيح قبل أن يمحوها ويكتب غيرها، وهكذا حتى يُتم حفظ المصحف كاملا.

الفهم والتدبر

ينبغي أن يحرص الحافظ على قراءة تفسير الآيات والسور التي يحفظها، مع التركيز والانتباه أثناء التلاوة. ومع ذلك، لا ينبغي الاعتماد على الفهم وحده في الحفظ، بل يجب دعمه بالتكرار المستمر والترديد المتواصل، حيث يُعد التكرار المفتاح الأساسي لترسيخ الآيات في الذاكرة وتحقيق الحفظ المتقن.

مراجعة السور في الصلاة

لضمان تثبيت ما تم حفظه، من المهم الاستمرار في مراجعته من خلال قراءته في الصلوات اليومية، سواء في الفروض أو النوافل، خاصة خلال شهر رمضان. فالمداومة على تلاوة السور المحفوظة أثناء الصلاة تعزز استرجاعها بسهولة، وتجعل الحفظ أكثر ثباتا مع مرور الوقت.

الوقت المناسب للحفظ

أفضل وقت لحفظ القرآن هو في الصباح الباكر، ويفضل أن يكون بعد صلاة الفجر، حيث يكون الذهن في أصفى حالاته، وتكون الذاكرة أكثر قدرة على الاستيعاب والتركيز. يمكنك تخصيص جزء من الوقت بعد الصلاة للحفظ، ثم أخذ قسط من الراحة قبل ممارسة بعض الأنشطة الترفيهية مثل مشاهدة البرامج المفيدة أو تصفح الإنترنت. بعد ذلك، يمكنك العودة إلى حفظ القرآن لإتمام باقي الوقت المخصص لذلك، مما يضمن لك حفظا متقنا ويزيد من استمراريتك في المراجعة.

نصائح هامة حتى لا تفقد حماسك

  1. أخلص النية: ولا تجعل الحفظ مجرد أمنية، بل خطة واضحة والتزم بها.
  2. تصحيح النطق والتجويد: استمع لقارئ متقن، ولا تعتمد على قراءتك فقط إذا لم تكن ملما بقواعد التجويد.
  3. تحديد مقدار الحفظ اليومي: التزم بعدد معين من الآيات يوميا وكرّرها لتثبيتها في الذهن.
  4. لا تتجاوز المقرر اليومي قبل إتقانه: اجعل الحفظ جزءًا من يومك، سواء في الصلاة أو أوقات الفراغ.
  5. افهم قبل أن تحفظ: قراءة تفسير مختصر للآيات تعزز ارتباطك بها.
  6. التمكن والاتقان: لا تنتقل إلى سورة جديدة حتى تتقن السابقة بالكامل.
  7. المراجعة المستمرة: التزم بتسميع ما حفظته يوميا.
  8. لا تتحمس أكثر من اللازم: ابدأ ببطء وثبات حتى لا تفقد حماسك لاحقا.
شاركها.
Exit mobile version