رغم أن سلطة القيصر أو “سلطة سيزار” (Ceaser Salad) أصبحت عنصرا شائعا في قوائم الطعام العالمية، فإن قصتها تعكس الابتكار في فنون الطهي والتكيف مع الثقافات المختلفة.

وعلى عكس الشائع، فإن أصولها لا تعود إلى روما القديمة ولا ترتبط بيوليوس قيصر، ورغم ارتباطها الوثيق بإيطاليا، فإنها نشأت في المكسيك خلال عشرينيات القرن الـ20، حيث يُقال إن المهاجر الإيطالي سيزر كارديني هو من أعد النسخة الأولى من هذا الطبق المميز، ولأن سلطة القيصر الكلاسيكية احتفلت هذا العام بمرور 100 عام على ابتكارها، وبهذه المناسبة نستعرض تاريخ هذا الطبق الشهير وتطوره.

الرحلة إلى المكسيك

خلال فترة حظر الكحول التي فرضت في عشرينيات القرن الـ20 بالولايات المتحدة الأميركية، كان الأميركيون في المناطق الحدودية يعبرون إلى الدول المجاورة؛ حيث لم يكن شرب الكحول محظورا. وفي الجنوب الأميركي، كانت مدينة تيخوانا المكسيكية الحدودية وجهة مفضلة لنخبة جنوب كاليفورنيا لتناول المشروبات، وازدهرت تيخوانا وأصبحت وجهة لنجوم المجتمع والأثرياء الذين يبحثون عن مكان لشرب الكحول والمقامرة.

قبل ذلك بعدة أعوام، هاجر سيزار كارديني من إيطاليا إلى الولايات المتحدة، حيث افتتح مطعما في مدينة ساكرامنتو بكاليفورنيا. ولاحقا، انتقل إلى سان دييغو لإدارة مطعم فرنسي هناك. ومع صدور قانون الحظر وازدهار الأعمال في تيخوانا المكسيكية، افتتح سيزار كارديني مطعمه الجديد الذي حمل اسمه في تيخوانا.

الطبق الأول

في يوم الاحتفال بعيد الاستقلال الأميركي الموافق للرابع من يوليو/تموز 1924، كان مطعم سيزر مزدحما بالزبائن، وكاد المطبخ أن ينفد من جميع المكونات. وتحت ضغط تلبية طلبات الزبائن وتجنبا لخيبة أملهم، ابتكر الطاهي سيزر كارديني طبقا جديدا باستخدام ما كان متاحا لديه، فخلط أوراق الخس الروماني الكاملة مع بعض المكونات البسيطة.

وكانت السلطة في الأصل مصممة لتُؤكل كمقبلات باليد، ولذلك استخدم كارديني أوراق الخس كاملة دون تقطيع. هذه الطريقة لا تزال تُتبع في تقديم الطبق في مطعم سيزر بتيخوانا حتى اليوم. ومع النجاح المبهر لابتكاره، تحول الطبق إلى سلطة رئيسية تحتل مكانا بارزا في قوائم الطعام في المطاعم حول العالم.

وتضمن الطبق الأصلي لسلطة سيزر الخس الروماني وهو المكون الرئيسي بأوراقه المقرمشة، مضاف إليه صلصة القيصر وهي صلصة كريمية تُحضّر من المايونيز، وجبن البارميزان المبشور، وعصير الليمون، وصلصة ورشيسترشاير والخردل والثوم والبيض والملح والفلفل الأسود. وغالبا ما يُضاف الأنشوغة أو معجونها لنكهة “الأومامي” ومكعبات الخبز الفرنسي المحمص.

وهناك إضافات اختيارية للوصفة السابقة مثل إضافة اللحم المقدد، البيض المسلوق، شرائح الدجاج، الطماطم الكرزية، الروبيان، أو الأفوكادو.

سلطة الطيار

هناك خلاف تاريخي حول أصل سلطة قيصر، حيث يقال إن سيزر لم يكن مبتكرها، إذ يزعم البعض أن شقيقه أليساندرو هو من ابتكرها أثناء مساعدته في المطعم بتيخوانا.

ووفقا للقصة، أعد أليساندرو وجبة خاصة لمجموعة من الطيارين الأميركيين، مستخدما مكونات مماثلة لسلطة قيصر ولكن مع إضافة الأنشوغة، وسماها “سلطة الطيار”. وبعد مغادرة أليساندرو لافتتاح مطاعم خاصة به، نسب قيصر السلطة لنفسه. وهناك أيضا رواية أخرى تفيد بأن ليفيو سانتيني، وهو موظف في مطعم سيزار، هو من أعد السلطة بناءً على وصفة والدته، لكن كارديني نسبها لنفسه، ولكن في النهاية نحن نعرف ذلك الطبق الذي يحتوي على الخس و الخبز والصلصات الغنية بسلطة قيصر.

Authentic Caesar Salad with Shrimp in Sunlit Still Life Setting.; Shutterstock ID 2484330281; purchase_order: AJA; job: ; client: ; other:

الانتقال إلى العالمية

بدأت سلطة قيصر كطبق محلي في مطعم كارديني في تيخوانا، لكنها سرعان ما انتشرت في الولايات المتحدة بفضل شعبيتها بين السياح الأميركيين. وبحلول الثلاثينيات، وصلت السلطة إلى كاليفورنيا، حيث بدأت المطاعم الأخرى في تقديمها، مما جعلها طبقا شهيرا في جميع أنحاء البلاد.

ومع إلغاء حظر الكحول وتجريم المقامرة في المكسيك، تراجع النشاط في تيخوانا، وانتقل سيزار كارديني وعائلته إلى لوس أنجلوس عام 1935. وهناك، شرعوا في تعبئة صلصة “سيزار” منزليا، وأسّسوا لاحقا شركة “سيزار كارديني للأغذية”.

ساهم هذا التحول في انتشار السلطة على نطاق واسع في أميركا وأوروبا. وفي عام 1948، سجل سيزار كارديني براءة اختراع لصلصته الشهيرة، وأطلقت جمعية الذواقة الدولية في باريس على سلطة قيصر لقب “أعظم وصفة نشأت في الأميركتين خلال نصف القرن الماضي”.

وقالت بيث فوريست، أستاذة الفنون الحرة ودراسات الأغذية التطبيقية في المعهد الأميركي للطهي، إن سلطة قيصر استغرقت بضع سنوات لتصبح من الأطباق الرئيسية. وتعتقد فوريست أن هذه السلطة مثالية للذوق الغربي لأنها تجمع بين قوامين مفضلين: المقرمش والكريمي. كما أن صفار البيض وجبن البارميزان فيها يحتويان على نسبة عالية من أحماض الغلوتامات، وهذا يمنحها المذاق الغني واللاذع المعروف باسم “أومامي”.

وأشارت فوريست أيضا إلى أن وصفة سلطة قيصر تعكس النكهات الإيطالية التقليدية، مثل طبق “بينزيمونيو” (صلصة زيت الزيتون وعصير الليمون تُستخدم كغموس للخضروات)، وطبق “باجنا كاودا” (غموس ساخن من الأنشوجة والثوم) الذي ينحدر من منطقة بيدمونت، مسقط رأس كارديني. وتعتقد فوريست أن هذه النكهات الإيطالية كانت جزءا من سبب إعجاب الأميركيين بهذا الطبق الغني.

وعلى عكس العديد من الأطباق التي ظهرت في النصف الأول من القرن الـ20 ثم تلاشت، استطاعت سلطة قيصر الصمود والبقاء في قوائم الطعام. ووفقا لشركة “تكنومايك” (Technomic)، وهي شركة استشارات للمطاعم، فإن حوالي 35% من المطاعم الأميركية تقدم سلطة قيصر في قوائمها.

ونجاح شركة كارديني في تعبئة صلصة قيصر، والتي لا تزال تُباع حتى اليوم، أسهم في تعزيز شعبية السلطة وجعلها جزءا أساسيا يُضاف إلى أطباق متعددة. ووفقا لشركة شركة “نيلسن آي كيو” (Nielsen IQ)، تم بيع ما يقرب من 43 مليون زجاجة من صلصة قيصر في الولايات المتحدة وحدها خلال العام الماضي، وهذا يؤكد استمرار قوتها وشعبيتها.

سلطة قيصر ليست مجرد طبق، بل قصة إبداع تحت الضغط وتحول إلى جزء من التراث الغذائي العالمي. اليوم، ترمز سلطة قيصر إلى التنوع والانفتاح على النكهات، حيث يمكن تعديلها وإضافة المكونات لتناسب الأذواق المحلية، مع الحفاظ على جذورها البسيطة.

شاركها.
Exit mobile version