شمال سوريا – متنقلا عبر دراجة نارية محلية الصنع، يواظب الممرّض السوري علي حومد على تقديم الخدمات الطبية للمرضى المحتاجين في ريف حلب، شمال غربي سوريا، رغم بتر ساقه اليمنى خلال الحرب في بلاده.

ومن الصباح الباكر، ينطلق حومد (52 عاما) من المخيم الذي يقطنه في بلدة نيارة في ريف حلب، مستندا على كرسي معدني مخصص للعجزة وحالات الإعاقة، حاملا حقيبته الطبية من أجل زيارة المرضى في المناطق القريبة من مكان سكنه.

يزور حومد عددا من المرضى والمصابين لتقديم العلاج الذي يحتاجون إليه، مثل تركيب أجهزة السيروم (المصل) وخياطة الجروح وتعقيمها وحقن الإبر، بالإضافة إلى قياس ضغط الدم ونسبة السكر والخدمات الإسعافية العاجلة.

حلم الطب

لم تُمكّن درجات حومد في دراسته الثانوية من دخول كلية الطب في جامعة حلب، كما كان يحلم عندما كان شابا، لكن تعلّقه وشغفه بهذه المهنة الإنسانية بالدرجة الأولى -كما يصفها- جعلاه يتجه إلى دراسة التمريض في أحد المعاهد الصحية المتوسطة في حلب، ليشعر وكأنما حقق جزءا من حلمه.

عمل حومد بعد تخرجه في مستشفيات ومراكز طبية بمدينة حلب، من بينها مستشفى الرازي الحكومي حيث كسب خلال سنوات خبرة طبية جيدة في مجال التمريض، ونال سمعة حسنة كأحد الممرضين المهرة في المدينة.

وإلى جانب عمله في المستشفيات، قدّم الممرض خبرته للمرضى والمصابين في حلب، من أجل تخفيف آلامهم وأوجاعهم، بما يمتلك من معرفة ودراية في الشأن الطبي.

سوريا - ريف حلب - اكتسب الممرض حومد خبرة واسعة في العمل الطبي جراء خدمته في مستشفيات مدينة حلب قبيل قيام الثورة السورية

الممرّض والثورة

مع بدء الاحتجاجات الشعبية في سوريا في مارس/آذار 2011، ناصر الممرّض المجتهد المتظاهرين الشباب في ساحات المدن السورية وأحيائها، لا سيما في حلب، عاصمة الشمال السوري، حيث شعر بأن التغيير السياسي يمكن أن يتحقق.

وجراء القمع والعنف الذي تعرّض له المتظاهرون من قوات الأمن السورية في ذلك الوقت، عمل على علاج المصابين من المحتجين، وقدم لهم خدماته، إيمانا منه بأنهم على حق.

يقول حومد للجزيرة نت إن ذكريات الثورة السورية ممزوجة بمشاعر مختلطة بين الحزن والفرح. الحزن على الضحايا الذي يسقطون من القمع والعنف، والفرح والغبطة من كسر حاجز الخوف الذي لم يتسن لجيله أن يكسره في السنوات الخالية.

ولم يستمر الوقت طويلا قبل أن يخسر حومد ساقه خلال العمليات العسكرية ضد “تنظيم الدولة الإسلامية” في ريف حلب؛ حيث تعرضت ساقه لطلقة نارية متفجرة في عام 2014 في خضم الاشتباكات، ولم يجد الأطباء بدا من بترها لإنقاذ حياته.

لكن معاناة الممرّض السوري لم تقف عند فقدان ساقه والآلام الجسدية والنفسية، إذ فقد الرجل ابنه الكبير في قصف على ريف حلب، بعد مدة زمنية قصيرة من بتر ساقه، ما ضاعف في مأساته وزاد الشدة النفسية.

عمل إنساني

ورغم حجم الألم الذي يمر به حومد، لم يتوان عن عمله في بلسمة جروح السوريين الذين أنهكهم المرض وباتوا ينتظرون مد يد العون، في بلد يعاني أصلا من ضعف الخدمات الطبية وتردّيها جراء الحرب والقصف.

وفي معظم الأوقات لا يتقاضى الممرض أجور خدماته الطبية، ويسامح الفقراء من أي تكلفة مالية، وكل ما يتقاضاه هي مبالغ مالية بسيطة لسد رمق أسرته وتأمين حاجته من طعام وشراب، فضلا عن المواد الطبية العلاجية.

وكثير من الأهالي ينظرون إلى حومد بعين الاستغراب، ويعتقدون أنه هو من يحتاج إلى الرعاية الإنسانية، ويُبدون دهشتهم عندما يشاهدون درّاجته ذات الثلاث عجلات وهي تطوف لعيادة المرضى السوريين في المخيمات والقرى.

لكن الممرض السوري الخمسيني يؤكد أنه يعشق العمل الإنساني وتقديم العون للمحتاجين، لما يملكه من خبرة ومعرفة في مجال الطب والتمريض، ويعتقد أنها يجب أن تُوظَّف في خدمة الآخرين.

شاركها.
Exit mobile version