الجري لبضع دقائق كل يوم، يمكن أن يُشكل أسلوب حياة يُفيد الصحة ويُطيل العمر، حيث أظهرت الدراسات أن الجري “بوتيرة أبطأ” لمدة 5 إلى 10 دقائق يوميا، “قد يُقلل من خطر الوفاة بسبب النوبات القلبية والسكتات الدماغية؛ وأمراض أخرى، كالسرطان وألزهايمر ومرض باركنسون”.

وفي الوقت الذي يمكن تحقيق هذه الفوائد من خلال هذا الحد الأدنى من الجري اليومي، أوصت مجموعة من الباحثين الهولنديين بالجري لمدة 30 دقيقة، خمسة أيام في الأسبوع؛ “للاستفادة بأقصى قدر ممكن من فوائد الصحة وطول العمر، بالإضافة إلى تحسين النوم والمزاج”.

في المقابل، لا توجد حاجة للجري السريع لساعات كل يوم، فالجري هو تمرين عالي التأثير، والإفراط فيه يمكن أن يؤدي إلى إصابات “مثل الكسور وآلام الساق الناتجة عن الإجهاد”.

كما وجدت دراسة أجريت عام 2015، أن العدائين البطيئين، لديهم خطر أقل للوفاة لأي سبب من الأسباب، “مقارنة بغير العدائين، أو العدائين الذين يمارسون الجري السريع”.

الجري البطيء اتجاه عالمي جديد

هناك اتجاه عالمي في الجري بدأ يكتسب موطئ قدم في السنوات الأخيرة وهو “الجري البطيء”، حيث يمكن لأي شخص أن يجري ببطء، بغض النظر عن سرعته أو قدراته. وهو اتجاه له عدة فوائد، ليس للصحة فقط، ولكن لفائدة الاستمتاع بالجري في حد ذاته.

وذكر ثلاثة من علماء التمارين بجامعة أنجليا روسكين البريطانية، أن الأدلة أظهرت أن “الجري البطيء (منخفض الكثافة)، قد يكون أفضل في بعض النواحي، من الجري السريع (عالي الكثافة)”. ومن المدهش أن العدائين النخبة الذين يسجلون أرقاما قياسية عالمية، يقضون حوالي 80% من وقتهم في التدريب على الركض بسرعة ترفع معدل ضربات القلب، ولكنها لا تزال بطيئة بما يكفي لإجراء محادثة بينهم، و20% فقط من تدريبهم تكون بسرعة أقرب إلى وتيرة سباقهم. ويرجع السبب في ذلك إلى مقدار الضغط الذي يشكله الجري السريع على الجسم، فكلما زادت سرعة الجري، زاد الضغط الذي يتعرض له الجسم؛ ومن ثم، زاد خطر تعرض الشخص للإصابة.

مقياس الجري البطيء

إذا أردت التأكد أنك تسير بالسرعة الصحيحة للجري البطيء، فانظر إلى مدى قدرتك  على الاستمرار في الدردشة مع صديق أثناء الجري، دون همهمة بين كل كلمتين أو ثلاث كلمات؛ والحفاظ على معدل ضربات قلبك عند 70% من الحد الأقصى  (يمكنك تحديد الحد الأقصى لضربات قلبك في الدقيقة، عن طريق طرح عمرك من الرقم 220)؛ وإذا وجدت صعوبة في مواصلة الحديث، فقم بإبطاء سرعتك.

وعند الجري بمفردك، جَرّب الغناء أو التحدث إلى نفسك بصوت عال – كلما أمكنك – وإذا لم تجد صعوبة في التقاط أنفاسك، فأنت على السرعة الصحيحة للجري البطيء؛ أما إذا كنت تكافح لتواصل الغناء أو الكلام، فأنت تجري بسرعة عالية جدا.

فوائد الجري البطيء

توصل باحثون في كلية الطب بجامعة جون هوبكنز، إلى أن هناك العديد من فوائد إبطاء وتيرة الجري، سواء للجسم  أو “للرشاقة العقلية”؛ من أهمها:

  • الشعور بالهدوء والحد من القلق والاكتئاب، فعندما تبدأ في الجري، يصبح تنفسك ثقيلا، ويتسارع نبضك مع تصاعد ضخ القلب بقوة أكبر، لنقل الدم الذي يحمل الأكسجين إلى عضلاتك ودماغك؛ “ومع تتابع خطواتك، يفرز جسمك هرمونات تسمى الإندورفين، للمساعدة في منع العضلات من الشعور بالألم”. وبعد الانتهاء من الجري، قد تنتج خلايا دماغية جديدة، “تؤدي إلى تحسن عام في أداء الدماغ والذاكرة العاملة والتركيز، ومنع التدهور المعرفي؛ بالإضافة إلى تقليل استجابة الدماغ للإجهاد البدني والنفسي، والحد من الاكتئاب بشكل كبير”. كما قد يزيد الجري من مستويات هذه المادة المُعدّلة للمزاج في مجرى الدم، “للمساعدة في تعزيز التأثيرات النفسية قصيرة المدى، مثل تقليل القلق والشعور بالهدوء”. كما يقول ديفيد ليندن ، أستاذ علم الأعصاب في كلية الطب بجامعة جون هوبكنز.
  • بناء القدرة على الصبر والتحمل، توضح الدكتورة تامانا سينغ، طبيبة القلب الحاصلة على دكتوراه في الطب؛ أن الجري البطيء سهل ومريح، وعندما تنتهي منه، قد تشعر أنه يمكنك الاستمرار؛ “بدلا من الشعور بالتعب وضيق التنفس، الذي قد يسببه الجري السريع”. وأن الفكرة من وراء الجري البطيء، هي بناء قدرتك على قطع المزيد من الأميال، “لتدريب جسمك على تحمل ضغوط الجري ومنع الإصابات، وتقوية عضلاتك وقلبك ورئتيك”. وتضيف سينغ، أن دمج الجري البطيء في روتينك، يمكن أن يعزز قدرتك على مقاومة التعب، بفضل تحسين وظيفة “الميتوكوندريا”، المسؤولة عن انتاج 90% من طاقة جسمك، عبر تحويل الطعام إلى طاقة.
  • دفع الجسم لحرق الدهون، فعلى الرغم من أن القلب لا يتعرض لضغط كبير أثناء الجري البطيء، لكن كمية الدم المُحمّل بالأكسجين الذي يضخه القلب في كل نبضة “تبلغ ذروتها”، مما يسمح بتوصيل مزيد من الأكسجين إلى العضلات مع كل نبضة قلب، و”يدفع الجسم لاستخدام الدهون المخزنة للحصول على الطاقة”، حيث يؤكد الخبراء أن “الجري البطيء يجند كل عضلة في الجسم تقريبا”، وخصوصا عضلات الساقين والجذع والذراعين، وأنه “يُكيّف الأوتار والأربطة والمفاصل والعظام مع ضغوط الجري”. وأن الاستمرار فيه لفترة أطول، قد يساعد الجسم على “استخدام الدهون كمصدر رئيسي للطاقة، بدلا من الكربوهيدرات”.
  • تحويل الجري إلى تجربة اجتماعية ممتعة، فالجري البطيء هو ما تشعر أنه سهل بالنسبة لك، إنه ببساطة “السرعة السعيدة” التي يمكنك الحفاظ عليها لأطول فترة ممكنة، “والوقت الذي يمكنك فيه الدردشة مع صديق ومواكبة الحياة والركض في ماراثون عبر المدينة”، كما تقول مدربة الجري، ألكسندرا وايسنر، لمجلة “هيلث”. موضحة أن إحدى فوائد الجري البطيء – والسبب المحتمل لشعبيته – هي أنه يجعل الجري يبدو أكثر شمولا، ويمنح الناس الفرصة لجعل التمرين تجربة اجتماعية أكثر متعة، “من خلال الجري مع الأصدقاء وتوطيد العلاقة معهم عبر المحادثات المعمقة حول حياتنا وأحلامنا وأهدافنا”.
  • تقوية عضلاتك وقلبك ورئتيك، فبالإضافة إلى الفوائد الاجتماعية، يمكن أن يكون الجري البطيء مفيدا لصحتك البدنية؛ “باعتباره طريقة لمنح جسمك الوقت الكافي للتعافي، والحماية من الإصابات”، كما قال تود باكنغهام، أستاذ علوم التمارين الرياضية لمجلة هيلث أيضا. وهو ما تؤكده ألكسندرا وايسنر بقولها، أن الركض البطيء مفيد للياقة البدنية، وأنه “بغض النظر عن المسافة التي ستقطعها في جولات بطيئة، فسوف تكون كافية للمساعدة في تعافي عضلاتك، وستقوي قلبك ورئتيك ولياقتك البدنية بشكل عام”.
شاركها.
Exit mobile version