النوم هو أساس العافية، ويمكن أن يؤثر عدم الحصول على قسط جيد من الراحة أثناء الليل على جوانب الحياة بالكامل، سواء كانت صحية أو عملية أو نفسية، وربما لهذا تحرص بعض الشركات والمدارس على توفير مساحات للنوم لتعويض الموظفين والطلبة عن بعض ديون النوم لديهم، وهكذا يمكن أن تجد الموظف أو الطالب غير موجود في موقعه داخل المدرسة أو الشركة، لأنه ينال قسطا من الراحة في منطقة مخصصة لهذا الغرض.

فوائد النوم داخل الغرف الصفية

لا تزال القصة التي رواها المعلم براندون هولمان عبر موقع تيك توك تترك أثرا في عدد كبير من المعلمين حول العالم، مع أكثر من 7.4 ملايين مشاهدة، حيث روى قصة ذلك الطالب الذي جاء إلى الفصل وبدا أنه محبط بشدة، ولاحقا علم هولمان أن الطالب فقد جده في الليلة السابقة، وأنها كانت ليلة صعبة، فلم يكن من المعلم إلا أن قال للطالب “آسف لخسارتك، أصلي لأجلك، لقد حصلت بالفعل على 100 في الامتحان”، داعيا إياه للحصول على قسط من النوم.

وقال هولمان عبر المقطع “أحيانا، قد يكون ألطف شيء يمكن أن يفعله المعلم لطلابه أن يدعهم يضعون رؤوسهم على الطاولات والذهاب في النوم بدلا من وصفهم بالكسالى”.

خيط رفيع بين النوم الذي يضيع الدروس ويفسد كلا من اليوم الدراسي والساعة البيولوجية للطالب وبين النوم الذي يساعده على استعادة نشاطه والانتباه بشكل أفضل خلال اليوم الدراسي، كلمة السر في “القيلولة”.

وتشير دراسة علمية إلى أهمية منح الطلبة الذين يبدو عليهم النعاس وقتا للقيلولة داخل الغرفة الصفية، حيث يؤثر ذلك بشكل إيجابي على أدائهم الأكاديمي وصحتهم بشكل عام، خاصة أنه عادة ما تكون وراء نوم الطلاب في الغرفة الصفية أسباب، مثل:

  • الأرق.
  • الاكتئاب.
  • القلق.
  • صعوبة تنظيم الوقت.
  • الإسراف في قضاء الوقت أمام الشاشة.
  • صعوبة التأقلم في المدرسة بسبب الانتقال من مرحلة إلى أخرى.
  • طلاق الوالدين.
High angle view of group of tired kids in pajamas resting on beds at kindergarten.

وقد خلصت دراسة علمية حول دور القيلولة داخل المدرسة في التعلم إلى أن الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و15 عاما حين يحصلون على قيلولة خلال اليوم الدراسي تزيد درجاتهم بنسبة 10% تقريبا، وأشارت النتائج إلى إمكانية استخدام النوم لتعزيز الذاكرة بشأن المعلومات التي يحصل عليها الطالب في المدرسة.

أسرّة في مقر “تويتر”

في عام 2022 حين عاد الموظفون في شركة تويتر إلى مكاتبهم عقب انتهاء جائحة كورونا فوجئوا بتحويل عدد من الغرف في مقر الشركة بسان فرانسيسكو إلى مناطق للنوم، فالشركة -التي استغنت عن نصف الموظفين تقريبا- أرادت الاحتفاء بالموظفين المتبقين عبر إيجاد مناطق للراحة والحصول على “غفوات” أو “قيلولة” كجزء أساسي من بيئة عمل سليمة.

يشعر ما يقارب 48% من الموظفين في الولايات المتحدة الأميركية بالنعاس خلال يومين على الأقل في الأسبوع، فيما يشعر 28% منهم بالنعاس خلال 5 أيام على الأقل في الأسبوع، وقد صارت العديد من الشركات والمؤسسات الكبرى تعتمد ثقافة عمل تدعم تشجيع الموظفين على النوم والحصول على الراحة باعتباره استثمارا في صحتهم وفعاليتهم، وهو ما يتم عبر خطوات عدة، أهمها:

  • تعزيز بيئة العمل عبر تخصيص مناطق هادئة للموظفين من أجل التأمل، أو القيلولة أو الراحة وأعينهم مغلقة، ومن ناحية أخرى تعزيز مناطق العمل بمزيد من الضوء الطبيعي الذي يساعد في تنظيم إيقاع الساعة البيولوجية، مع إعادة تشكيل الأثاث والمعدات للسماح بدخول الضوء، واستخدام أضواء علوية تحاكي ضوء النهار، وإعداد مقاعد في الخارج بحيث يحصل الموظفون على الهواء النقي وفيتامين “دي” أثناء النهار.
  • تقليل التوتر داخل العمل عبر تعليم المديرين والمشرفين مهارات إدارة عبء العمل، والحد من العمل الإضافي، والاستعانة بمصادر خارجية للقيام بالمهام الإضافية، وتشجيع الموظفين على عدم تخطي ساعات العمل، وإلقاء الضوء على الموظفين الذين يحاولون المواءمة بين العمل والحياة، مع عدم التشجيع على إرسال رسائل بريد إلكتروني خاصة بالعمل أو تلقي مكالمات عقب ساعات العمل.
  • تقديم المزيد من المرونة للموظفين، حيث يساعدهم ذلك على النوم بشكل أفضل، فعندما تكون لدى الشخص مرونة حول كيفية عمله ووقته يمكنه اعتماد جداول تسمح بتحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة، وزيادة وقت التوقف عن العمل، ومن أمثلة ذلك إمكانية العمل من المنزل مرتين في الأسبوع مثلا، وتقديم ساعات عمل وأوقات وصول وانصراف مرنة.
  • تثقيف الموظفين بشأن أهمية النوم وكيفية تحسينه وتأثير ذلك على الأداء الوظيفي والصحة.
  • تشجيع الموظفين على أخذ إجازات مدفوعة الأجر، مع تطبيق سياسة صارمة بشأن عدم العمل أثناء المرض، وتشجيع المديرين وقادة الفرق على أخذ الإجازات والأيام المرضية، مع منح الموظفين أياما مرضية إضافية أو تخصيص أيام محددة للصحة العقلية.

قيلولة وليس نوما عميقا

اتفقت الدراسات على أن الحصول على قيلولة أمر مهم للموظفين والطلبة أثناء الداوم أو ساعات الدراسة، ولكن كم من الوقت؟ وكم مرة في الأسبوع؟

تشير الدراسات إلى أن الحصول على القيلولة مرة أو مرتين في الأسبوع كان مرتبطا بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، مثل الأزمة القلبية والسكتة الدماغية وأمراض القلب، فضلا عن دعمها جهاز المناعة، وتخفيف التوتر وقلة النوم عموما، ولكنها قد تتحول من نعمة إلى نقمة إذا زادت على 30 دقيقة، حيث ترتبط بمشكلات تتعلق بضغط الدم وأمراض الكبد والسكري.

وللحصول على أقصى فائدة من النوم خلال الدوام فإن أفضل مدة للقيلولة هي 20 دقيقة وألا تزيد على 30 دقيقة، ويسمى هذا النوم الخفيف الذي يعزز اليقظة دون الدخول في نوم عميق.

ويوصي الخبراء بأن تكون القيلولة في الفترة من بعد الظهر إلى الثانية والنصف تقريبا دون أن تتخطى الثالثة مساء، إذ إنها تؤدي بعد هذا الموعد إلى مشاكل في النوم أثناء الليل وتؤثر على الساعة البيولوجية بدلا من دعمها.

ويمكن أيضا إعداد جو ملائم للقيلولة عبر أخذها في مكان نظيف ومظلم ومريح، فإن لم يكن هذا ممكنا يمكن استخدام أدوات مثل قناع العين وسدادات الأذن، لتقليل الاضطرابات والصخب أثناء القيلولة.

شاركها.
Exit mobile version