احتضنت مدينة الجم التونسية التاريخية على مدار يومين مهرجانا يحاكي الفعاليات والنشاطات الرومانية القديمة، في فعالية أعادت الجمهور التونسي إلى قرون مضت.

وظهر الجنود الرومان في شوارع مدينة الجم بولاية المهدية شرق تونس ضمن الدورة السابعة للأيام الرومانية يومي السبت والأحد الماضيين.

وجاب الجنود المشاركون في المهرجان بثيابهم الرومانية التاريخية شوارع المدينة التي كانت تعرف سابقا باسم “تيسدروس” كما كانوا يفعلون في القرن الثالث الميلادي وقبله حتى وصلوا إلى المسرح الروماني حيث عقدت المعارك على الطراز القديم.

وانطلق مهرجان الأيام الرومانية -الذي تنظمه جمعية “نحن نحب الجم” المستقلة- أول أمس السبت بحضور وزير السياحة التونسي محمد المعز بلحسين.

وعمت الجلبة المسرح الروماني في المدينة بهتافات الجماهير المشجعة قتال المصارعين المميت.

“المجالدون”.. قتال حتى الموت

وداخل حلبة المسرح الروماني في الجم شاهد الجمهور المعارك القديمة، حيث ارتدى المجالدون المتصارعون خوذاتهم التي تحجب وجوههم، وتسلحوا بسيوفهم ودروعهم الثقيلة من أجل معركة لا بد أن تنتهي بموت أحدهم.

ويعرف “المجالد” في التقاليد الرومانية القديمة بأنه المصارع الشرس الذي يخوض لعبة الموت مع أشرس الحيوانات المفترسة وأقوى المقاتلين لإمتاع الجمهور، وهو مقاتل محترف ليس لديه ما يخسره، فيقاتل داخل الحلبة حتى الموت.

وكان معظم المجالدين في ذلك الوقت من العبيد وأسرى الحرب الأشداء والأقوياء الذين يتم تدريبهم داخل مدارس أشبه بسجون على يد محترفين من الجيش الروماني.

وفي معرض حديثه عن هذه الفعالية، قال مدير المهرجان رضا حفيظ إن “الجم تعيش على وقع الحضارة الرومانية، واليوم تشهد المدينة عرضا رومانيا ومشاهد كانت تقع بالفعل على مسرحها التاريخي، مثل عرض المجالدين الرومان”.

وأضاف “كما عرضنا خلال فعاليات المهرجان تاريخ بعض الرياضات الأولمبية من خلال مشاهد تحاكي تلك الألعاب”.

فيلق روماني في المدينة

وفي السياق، لفت حفيظ إلى أن فعاليات أمس الأحد شهدت “تجول فيلق (وحدة عسكرية) روماني في المدينة متجها إلى المسرح، وسط الموسيقى العسكرية ومشيته المنسقة، وشهدنا خلال ذلك اليوم محاكاة لمسيرة دخول حاكم المدينة وفعاليات الرقص والموسيقى وتوزيع الخبز والنقود على الجمهور، فضلا عن عروض المصارعين الرومان”.

وتهدف هذه النشاطات إلى تقديم ما كان يعرض خلال القرن الثالث الميلادي في المدينة للجمهور الموجود في الجم حاليا، وبدا حاكم المدينة المشارك في الفعالية الرومانية القديمة رجلا أشقر بملابس رومانية بيضاء تصحبه زوجته ويمتطيان عربة رومانية يجرها حصان تنتهي بهما في المسرح التاريخي لتحية الجمهور.

وأشار حفيظ إلى أن القائمين على المهرجان “عملوا كثيرا على الديكور والملابس، واستخدموا في تنفيذها النحاس والجلود لتظهر مثل تلك المستخدمة في القرون الماضية”.

وتابع “صنعت الخوذات من النحاس الحقيقي، فيما كانت الملابس من الجلود، حيث إننا لم نعمد محاكاة الأزياء الرومانية باستخدام مواد بلاستيكية”.

حضور جماهيري متنوع

وتحدث حفيظ عن تأثير المهرجان في نفوس التونسيين ورغبة العديدين في اكتشاف الحياة الرومانية القديمة للمدينة بالقول “مع الدورات السابقة للمهرجان شهدنا تسويقا إعلاميا كبيرا، وأصبح محل اهتمام التونسيين والأجانب”.

وأشار إلى أنه تمت إقامة عرض المجالدين في اليوم الثاني من أيام المهرجان ليتمكن جميع الزوار من التمتع به، ولا سيما أن المسرح لا يتسع سوى لنحو 1500 متفرج.

ولم يكن المهرجان مقتصرا على إعادة محاكاة مشاهد من الحياة الرومانية القديمة للمدينة، بل كان فرصة لتنظيم ورشات ومعارض لصناعات تقليدية قديمة.

وأضاف حفيظ “تضمن المهرجان أيضا تنظيم ورشات لتعليم صنع الفسيفساء وتقنياتها، وصناعة مصابيح الطين، وصناعة أطواق الورود، إلى جانب الخوذة الرومانية وسك العملة والخزف”.

واعتبر أن الدورة الحالية من مهرجان الأيام الرومانية كانت “فرصة للحرفيين لعرض منتجاتهم التقليدية وترويجها لفائدة رواد المهرجان”.

واستدرك قائلا “تمكن رواد المهرجان من شراء ذكرى تعيدهم إلى أمجاد الماضي، كما تدرب الأطفال على الحرف القديمة يدويا”.

 “الجم” ومسرحها الروماني العريق

وتشتهر الجم بمسرحها الروماني، ويسمى قصر الجم، ويعود إنشاؤه إلى العهد الروماني، حيث بناه الأثرياء من سكان مدينة تيسدروس (الجم حاليا) عام 238 ميلادي في عهد الإمبراطور غورديان الأول (159-238 ميلادي).

ويعد قصر الجم الروماني ثالث أكبر مسرح روماني في العالم بعد مسرح كولوسيوم روما المصنف من عجائب الدنيا السبع، ومسرح “كولوسيوم كابو” الذي يقع أيضا في مدينة الجم التونسية الساحلية.

ويطلق لفظ “كولوسيوم” على المدرجات العملاقة في الحضارة الرومانية التي تقدم فيها عروض قتال المصارعين والمسابقات الجماهيرية وصيد الحيوانات والمعارك بين السجناء والحيوانات وإعدام السجناء والمعارك البحرية الصورية وإعادة تمثيل المعارك الشهيرة والأعمال الدرامية.

شاركها.
Exit mobile version