لم يكن عثمان عوض الله، الشاب السوداني، يتوقع قبل 17 شهرا أن حياته ستتغير بشكل جذري، وأن جميع خططه المستقبلية التي رسم لها العديد من الاحتمالات ستتبدد فجأة.

عثمان الذي يسبق اسمه في عروض العمل بـ”مهندس” يقول إنه درس الهندسة المعمارية، بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، كان يحلم بجمع المزيد من العاملين في مجال المعمار لأجل التوسع، وخوض المزيد من أعمال البناء والتشييد والتشطيب الخارجي والداخلي، لكن فجأة انتهى كل شيء، اندلعت الحرب وصارت الدانات تتطاير فوق الرؤوس، وتخترق المنازل، فقتلت أكثر من 20 ألف سوداني، وهي الأعداد المعلنة حتى الآن، بينما الأعداد الحقيقية بحسب أدهانوم غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية أكبر من ذلك بكثير.

وجد عثمان نفسه وسط معاناة وأزمة عاصفة، وحجم دمار لم يره في حياته، فقرر الشاب ذو الـ26 عاما تغيير الخطة، لينتقل من أعمال البناء إلى أعمال “الترميم” والتي قرر أن يكون بعضها مجانيا للأسر غير القادرة، فيما راح يدعو مزيدا من الشباب للانضمام إليه من أجل توفير الخدمة للأسر غير القادرة، وتوفير العمل لمزيد من الشباب حوله.

الدانات هي المشكلة الكبرى

لم تسلم مدينته أم درمان من الدمار، الذي لم يطل فقط المستشفيات الرسمية، ولكنه طال حتى الأحياء القديمة، ومنازل الجيران، ومع بدايات فصل الشتاء بدا أن الخرق يتسع على الراتق في كثير من المنازل التي لا يملك أصحابها كلفة ترميمها، وإن امتلكوا فهم لا يجدون أجرة من يرممها، هكذا حاول عثمان عوض الله الذي تعلم صنعة تركيبات السيراميك والجبس من والده، أن يهب جزءا من جهده للتبرع بإصلاح منازل المواطنين غير القادرين الذين تضررت منازلهم بسبب الحرب، هكذا أعلن عبر مجموعات السودانيين بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” عن خدماته للراغبين، وأيضا نشاطه لمن يريد الانضمام إليه.

يقول للجزيرة نت “الدنيا كانت صعبة جدا، تحول كل شيء في مدينتي، ورأيت معاناة أهل المنازل التي تهدمت، التضرر الأكبر في معظم البيوت هو من أثر الدانات التي كانت تسقط فوق المنازل بشكل عشوائي، فتصيب من تصيب وتقتل من تقتل لكنها في الوقت نفسه، إن تفعل هذا أو ذاك تترك أثرا ضخما في سقف البيت الذي لا يعود يستر أهله بعد ذلك، لذا أردت استغلال تخصصي ومجال عملي وعرضت مساعدتي للأسر المتضررة التي لا تملك ترميم منازلها”.

4 منازل والبقية قادمة

وسط أزمة اقتصادية خانقة، نجح عثمان في جمع 12 شابا للعمل معه، حيث قاموا بترميم 4 منازل حتى الآن، بجانب محاولاتهم المستمرة لتوفير قوتهم اليومي. يقول عثمان “المنازل الأربعة تقع في مدينة أم درمان، لكن في مناطق متفرقة؛ اثنان منها في حي الثورة، واحد في الجزيرة إسلانج، وآخر في كرري. هذه المناطق أصبحت آمنة الآن وتحت سيطرة الجيش بعد تحريرها”.

تعرضت المنازل الأربعة لأضرار جسيمة بسبب سقوط القذائف والشظايا، خاصة على الأسقف. يوضح عثمان: “القذائف كانت تسقط أحيانا على الأسقف، وأحيانا أخرى على الأسوار مما أدى إلى هدمها. لذلك كان عملنا يركز على إصلاح الأسقف، سواء من الأعلى أو من الأسفل، بالإضافة إلى ترميم الشقوق في الجدران الناتجة عن القصف. كما قمنا بإعادة بناء سور أحد المنازل لعائلة كبيرة كانت في وضع صعب للغاية، حيث اشترينا الطوب وأعدنا بناء السور حتى استعاد شكله الأصلي”.

لم تكن أوضاع أصحاب المنازل الأربعة متشابهة، فالبعض كان قادرا على توفير مواد البناء لكنه لم يكن يملك المال اللازم لأجر العمال، في حين لم يكن البعض الآخر يملك أيا منهما. ورغم ذلك، ساهم الجميع بما استطاعوا. يقول عثمان “أكملنا تأمين مواد البناء لبعض الأسر، ولم يبخلوا علينا بالطعام والشراب خلال فترة العمل. لقد أنهينا ترميم المنازل، لكن ما زالت هناك قائمة طويلة من الأسر التي تحتاج إلى ترميم عاجل”.

ارتفاع أسعار الخامات والحاجة إلى الشباب

يشير عثمان إلى أنه لن يتمكن من الاستمرار بمفرده، لذا يواصل دعوة الشباب السوداني للتبرع بالجهد والخبرة، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء. يقول “أسعار الخامات ارتفعت بشكل مخيف، فمثلا قفز سعر طن الأسمنت من 200 ألف جنيه سوداني قبل الحرب إلى 400 ألف جنيه الآن”.

وعلى الرغم من التقارير الرسمية التي توثق الخسائر البشرية والمادية، لم يصدر حتى الآن إحصاء دقيق لعدد المنازل المتضررة أو تكلفة إصلاحها وإعادة إعمارها. يحتفظ عثمان على هاتفه القديم بعدد كبير من الصور للمنازل المتضررة، سواء تلك التي انهارت بالكامل أو تعرضت لتلفيات كبيرة أو صغيرة. تختلف تكلفة الإصلاح من منزل لآخر بناء على حجم الأضرار، وكذلك تختلف قدرات الأسر في تغطية التكاليف. وبينما تمكن البعض من إصلاح منازلهم، ما زال آخرون يعانون من موجات البرد القاسية. يعرب عثمان عن أمله في أن تكون هناك جهود أكثر تنظيما لإعادة الإعمار، متمنيا أن يعود السودان أفضل مما كان عليه قبل الحرب

شاركها.
Exit mobile version