في عالم اليوم السريع، حيث أصبح العمل عن بُعد والتواصل المستمر عبر الهواتف الذكية والبريد الإلكتروني جزءًا من الروتين اليومي، بات من الصعب إنهاء العمل بمجرد انتهاء الدوام الرسمي. تلاشت الحدود بين الحياة المهنية والشخصية، مما زاد من أهمية البحث عن أساليب فعالة تساعدنا على ترك ضغوط العمل خلفنا وتحقيق توازن صحي بين العمل والحياة.
يؤكد الخبراء أن المفتاح لتحقيق هذا التوازن يكمن في الاستفادة من وقت الفراغ بعد العمل لإعادة شحن الطاقة وتعزيز الإنتاجية في اليوم التالي. كما أوضحت أخصائية علم النفس صوفي مورت في حديثها لصحيفة هاف بوست: “إدارة وقت الفراغ بذكاء تتيح للعقل الاسترخاء، مما ينعكس إيجابيًا على الأداء الوظيفي”.
ومن جهة أخرى، يشير لاكلان براون، الخبير في اليقظة الذهنية والتطوير الشخصي، إلى أن الأشخاص الناجحين يدركون قيمة أوقاتهم خارج العمل، فلا يهدرونها في أنشطة غير مجدية. لذلك، ينصح المختصون بتجنب هذه الأخطاء الخمسة لضمان استغلال وقت ما بعد العمل بأفضل طريقة ممكنة:
-
القيام بمزيد من العمل
تقول هيذر لامب، المؤلفة وخبيرة الرفاهية في مكان العمل، “إن أسوأ شيء يمكن القيام به بعد يوم عمل حافل، هو المزيد من العمل”؛ فقد أظهرت الأبحاث أن “أولئك الذين يستمرون في العمل لإتمام المهام بعد ساعات العمل؛ يشعرون بالضغط على مدار الساعة، ويكونون أكثر عرضة للإرهاق وقلة الرضا الوظيفي”.
وهو ما يؤكده بيلي روبرتس، أخصائي علاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، بقوله “من الضروري منح عقلك بعض الوقت للراحة”، فالاستمرار في العمل بعد العمل، لن يترك لأدمغتنا وقتا للتعافي وإعادة التنظيم، مما قد يجعلنا في النهاية “نشعر بانخفاض الدافع والإبداع والتركيز”.
لذا، بدلا من العمل حتى وقت النوم، تقترح لامب أن تشغل نفسك بأنشطة منخفضة التوتر، مثل المشي أو قراءة كتاب، “للمساعدة في تصفية الذهن والاسترخاء، والتمكن من إعادة شحن الطاقة اللازمة للعودة إلى العمل في اليوم التالي بشكل أفضل”.
-
متابعة إشعارات العمل في المنزل
تنصح مؤسسة النوم الوطنية الأميركية، بتجنب تحديث إشعارات العمل باستمرار بعد العودة إلى المنزل وحتى ساعات الليل؛ فمجرد رؤية إشعارات البريد الإلكتروني الواردة من زملائك، “يمكن أن يُبقي عقلك في حالة تأهب، حتى ولم تقرأها”.
وتقول صوفي مورت “إن متابعة إشعارات العمل بعد العودة إلى المنزل يُبقينا في حالة ذهنية دائمة تُجهد أدمغتنا في البحث عن حلول للمشكلات”؛ موضحة أن هذا قد يؤدي بمرور الوقت إلى “استنزاف إنتاجيتك ومستويات الطاقة لديك، وفي بعض الحالات، يؤدي إلى الإرهاق والاحتراق”.
وتنصح بوقف تشغيل أية إشعارات عند مغادرة مكان العمل، وترك هاتف العمل والكمبيوتر المحمول في غرفة أخرى؛ مؤكدة أن هذه الخطوات تساعد عقولنا على الانفصال تماما عن العمل، مما يُقلل الإرهاق ويحافظ على طاقتنا، ويسمح لنا بأن نكون أكثر نشاطا وإنتاجية”.
الحقيقة إذن هي أن “الكثير من مكالمات العمل ورسائل البريد الإلكتروني ليست ملحة بالفعل”، لذا، عندما يحين وقت الراحة، أطفئ هاتفك، لترسم خطا فاصلا بين حياتك المهنية والشخصية، “واسترح بشكل صحيح بدون تشتيت”؛ كما تقول خبيرة العلاقات، تينا فاي.
أما ويليام ميلر، الخبير السويدي في تكنولوجيا المعلومات؛ فيوصي بتحديد ساعات عملك بوضوح، وإبلاغ زملائك ورؤسائك وعملائك بها، لأن هذا سيساعدك في “الحفاظ على مقاومة إغراء التحقق من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل، أو تلقي مكالمات متعلقة بالعمل أثناء وقت فراغك”.
-
غياب الأنشطة الفاصلة بين العمل والوقت الشخصي
تشير الأبحاث إلى أن العمل والحياة الشخصية أصبحتا متشابكتين، “لدرجة الشعور بفقدان التركيز، وقلة الحافز”. فالخطوط الفاصلة بين العمل والوقت الشخصي أصبحت غير واضحة بالنسبة للعديد من الأشخاص، وخصوصا لدى من يخوضون تجربة العمل من المنزل.
وبحسب ميلر فإن “إنشاء طقوس انتقالية”، مثل الذهاب في نزهة قصيرة أو التأمل أو الاستماع إلى الموسيقى المفضلة لديك؛ تُعد إحدى الطرق لفصل العمل عقليا عن حياتك الشخصية، “حيث تعطي إشارة إلى دماغك بأنك تنتقل من وضع العمل إلى الوقت الشخصي”.
وهو ما تؤكده صوفي مورت، بقولها: إن عدم وجود “علامة انتقال” تخبر دماغك بأنك انتهيت من العمل لهذا اليوم، “يمكن أن يُبقي دماغك عالقا في وضع العمل بعد ساعات العمل”.
لهذا توصي بممارسة نشاط ما -مهما كان بسيطا- بعد الانتهاء من العمل مباشرة، للإشارة إلى أنك قد انتقلت لوقتك الشخصي، مثل تغيير ملابسك، أو حتى غسل وجهك بالماء؛ والاستمرار في القيام بذلك كل يوم، “حتى يربط دماغك هذا النشاط بنهاية يوم العمل”.
-
تخصيص المساء لمهام شاقة أخرى
فبدلا من تكديس عدد كبير من المهام للقيام بها بعد العمل، مثل غسل الملابس المتراكمة، والتسوق لشراء البقالة، يوصي بيلي روبرتس بتوزيع المهام المنزلية على عدة أيام؛ موضحا أن “تراكم كل الأشياء في وقت واحد، يتسبب في أكوام هائلة من المهام التي تنتهي بتثبيط عزيمتنا طوال اليوم”؛ فمجرد التفكير في أن هناك مهام شخصية مرهقة تنتظرك للقيام بها بعد العمل، “يثقل كاهلك طوال اليوم ويستنزف طاقتك”.
![](https://jeddahdays.com/wp-content/uploads/2025/02/GettyImages-722208753.jpg)
لذا ينصح روبرتس بالتأكد من أن المهام المطلوب إنجازها بعد العمل قابلة للتنفيذ دون مزيد من الإرهاق، وإذا كانت مهام لا مفر منها، فيمكن تخصيص بعض الوقت للراحة أو القيام بأنشطة ممتعة أثناء تنفيذها؛ مؤكدا أنه من الممكن التعامل مع المهام المرهقة “عندما ندمجها في أنشطة أكثر إمتاعا”.
-
إهمال روتين النوم
تقول صوفي مورت، إذا كان هناك شيء واحد يمكنك تعلمه من هذا كله، فهو أن “الحصول على نوم جيد ليلا، أمر ضروري للغاية لإنتاجيتك وأدائك وذاكرتك وإبداعك ومستويات طاقتك”؛ وفي المقابل فإن إهمال روتين النوم، “قد ينتهي بك إلى الشعور بالتعب والانفعال في اليوم التالي”.
وتنصح مورت بإعداد نفسك لقيلولة لطيفة بعد الخروج من العمل، وتجنب شرب المشروبات التي تحتوي على الكافيين قبل 6 إلى 8 ساعات من موعد النوم.
كما يوصي ميلر بالانخراط في أنشطة تساعدك على الاسترخاء وإعادة شحن طاقتك، بقضاء وقت ممتع مع العائلة والأصدقاء، أو الاستمتاع بممارسة هواية قبل الذهاب إلى الفراش في وقت معقول “يضمن النوم نحو 7 ساعات كل ليلة”، والاستيقاظ وأنت تشعر بالشحن والاستعداد للانطلاق. وفقا لتوصيات مراكز السيطرة الأميركية على الأمراض والوقاية منها “سي دي سي”.