بيزنس الثلاثاء 11:29 ص

سلا – يتحلق متدربو مدرسة “أبي رقراق” للبستنة بمدينة سلا المغربية حول مدربهم مصطفى بلحرشة بينما يشرح لهم تقنية السقي بالجرة الفخارية.

ويعد هذا النظام من أقدم طرق السقي التقليدية المتبعة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ويعتمد على طمر جرة فخارية مملوءة بالماء داخل حفرة في الأرض، وتعمل الجرة على ترشيح المياه بطريقة طبيعية؛ وهو ما يؤدي إلى سقي النباتات بالتنقيط.

يقول بلحرشة للمتدربين إن هذه من الطرق الاقتصادية التي لا تستهلك المياه وتتناسب مع المناطق التي تعاني من شبح الجفاف مثل المغرب.

يتوزع المتدربون بعد ذلك على أنحاء المدرسة لتطبيق ما تعلموه، بعضهم يجز العشب وآخرون يزيلون النباتات الضارة بينما تقلب مجموعة أخرى السماد.

مدرسة البستنة

بناء مدرسة البستنة

كان موقع المدرسة في الماضي عبارة عن مكب نفايات، قبل أن يعرف بين عامي 2005 و2007، برنامج تأهيل واسع النطاق من طرف وكالة تهيئة أبي رقراق، حيث تم بناء مدرسة البستنة في موقعه على مساحة تبلغ حوالي 8 هكتارات وفق مواصفات بيئية.

وتعتبر هذه أول مدرسة بستنة في المغرب وتقع في منطقة الولجة بمدينة سلا ضواحي العاصمة الرباط، يتلقى فيها أبناء القرى المجاورة دورات تدريبية في تخصصات مختلفة مثل صيانة وتهيئة الحدائق والإنتاج النباتي والبستنة الإيكولوجية، ويحصلون في نهاية الدورات التدريبية التي تستمر 3 سنوات على شهادة صادرة عن وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات تؤهلهم لدخول سوق العمل.

ضمان التنمية المستدامة

توضح إينيس إليكسبورو، مديرة التواصل في مؤسسة الثقافة الإسلامية الإسبانية، للجزيرة نت أن المدرسة تأسست سنة 2018، وهي إحدى المشاريع التي أطلقتها المؤسسة بتعاون مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية و”جهة الرباط سلا القنيطرة” ودعم من الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية.

وتشير إلى أن المدرسة هي الأولى من نوعها في المغرب وشمال أفريقيا، مضيفة: “لا يوجد تدريب مهني في مجال البستنة في المغرب، ولا يوجد مدربون متخصصون، لذلك تعمل المدرسة على نقل المعارف في هذا المجال، حيث يُكوّن مدربون إسبان نظراءهم المغاربة”.

وتتراوح أعمار المتدربين ما بين 15 و30 سنة، لكن الغالبية أعمارهم بين 17 و18 سنة بينهم حوالي 25% فتيات، يتلقون تدريبا مجانيا، 20% منه نظري بينما 80% تطبيقي يتم داخل المدرسة وخارجها.

وفق إينيس فإن هناك طلب كبير على خريجي المدرسة من طرف فنادق وحدائق ومنظمات دولية وأفراد.

وتقول إينيس إن المدرسة تنظم ورشات حول البستنة موجهة للعموم ودورات تدريبية لمهني القطاع، وتستقبل زيارات مدرسية وتقدم عروضا في الهواء الطلق، كما أن لديها مشتلا كبيرا لإنتاج النباتات الأصلية، ويشكل هذا الأخير عامل جذب للمهتمين بزراعة النباتات.

وحصلت مدرسة البستنة (أبي رقراق ميد أو ميد) على المرتبة الثانية ضمن “جائزة المهارات الخضراء” التي أطلقتها الأكاديمية الأوروبية للتكوين التابعة للاتحاد الأوربي، وتقول إينيس “إن المدرسة تنافست مع 600 مشروعا، تمثل 60 بلدا للحصول على الجائزة”.

آمال كبيرة

يهدف هذا المشروع إلى تزويد الشباب بالقدرات الضرورية وتأهيلهم لكي يصبحوا بستانيين مهرة قادرين على إبداع المساحات الخضراء وصيانتها وفق معايير فنية، ولسد النقص الحاصل في المهارات التشغيلية في حرفة البستنة.

من هؤلاء المتدربين ضحى الإدريسي التي تدرس في السنة الأولى بالمدرسة، تقول للجزيرة نت إنها حصلت على شهادة البكالوريا العام الماضي، والتحقت بالكلية لكنها لم تقتنع بالمسار الجامعي الذي اختارته، فقررت بعد تفكير التسجيل لتعلم البستنة بعد نصيحة قدمها لها أحد المعارف.

وتشير إلى أنها اندمجت بسهولة في هذا الوسط الجديد بفضل المدربين والطاقم الإداري ووجدت فيها ما كانت تبحث عنه وتضيف: “والدي فلاح، لدينا أرض يزرعها، فأنا بنت الأرض وأحب الأشجار والطبيعة، لذلك وجدت في هذا التدريب ما أحتاجه وما كنت أبحث عنه”.

أما عبد الصمد السفير (27 عاما) فهو في السنة الثالثة والأخيرة بالمدرسة، حصل هذا الشاب على شهادة البكالوريا ودرس القانون في كلية الحقوق بالرباط، لكنه توقف عن الدراسة، وزاول عددا من المهن المؤقتة إلى أن قرر استجابة لنصيحة صديق بالتسجيل في مدرسة البستنة.

يقول للجزيرة نت: “اخترت تعلم البستنة لأنني أعيش في الطبيعة، فأنا ابن إحدى قرى منطقة السهول بسلا، أردت تلقي تكوين في هذا المجال وتطوير معارفي لأفيد ذاتي وأفيد المنطقة التي أنتمي إليها”. ويضيف: “لقد تعلمت الكثير خلال السنوات الماضية، لدي مهارات ومعلومات ورثتها من أسرتي التي تمارس الفلاحة لكنني الآن أمتلك معارف مؤطرة علميا”.

فرصة ثانية

يقول مصطفى بلحرشة مدرب بمدرسة البستنة، “إن المدرسة بمثابة فرصة ثانية للشباب الذين تعثروا في مسارهم الدراسي أو يعيشون ظروفا اجتماعية صعبة، إذ يتلقون تدريبا يمكنهم من الاندماج في سوق العمل.

وأضاف: “المتدربون من مستويات دراسية متنوعة لذلك نحرص على تبسيط المعلومات العلمية وتبليغها بأسهل الطرق”.

ويعمل بلحرشة على ربط المتدربين والمستفيدين من الورشات المفتوحة بالمدرسة، بقضية التغيرات المناخية والتنمية المستدامة عبر التأكيد على أهمية تصميم الحدائق البيئية وصيانتها وتعليمهم كيفية إدارة واقتصاد الماء وتدوير النفايات وتحويلها إلى سماد للتربة.

جمع النباتات من المناطق البرية

وفيما يتعلق بالإنتاج النباتي، تعمل المدرسة على جمع النباتات المحلية التي لها قيمة عالية في الزينة من المناطق البرية وتكثيرها في مشتل المدرسة من أجل تعويد الناس على زراعتها في حدائقهم مثل نبتة الدوم، إلى جانب تكثير بعض النباتات العطرية مثل: الخزامى، والشجيرات المحلية كالبلوط والأركان وتعليم الناس زراعتها في حدائقهم كونها مقاومة للحرارة وتستهلك كميات أقل من الماء.

وتأمل ضحى الإدريسي أن تجد في هذا التدريب الذي اختارته معرفة نافعة تمكنها من تأسيس مشروع خاص بها بعد التخرج مثل إنشاء مشتل للنباتات أو تعاونية زراعية.

أما عبد الصمد السفير الذي لم يعد يفصله عن التخرج سوى أشهر فإنه بدأ رفقة عدد من زملائه في المدرسة العمل على تأسيس مشروع خاص في مجال البستنة في قريته، ويقول للجزيرة نت إنهم يريدون استثمار ما تعلموه في إطلاق هذا المشروع، وتوفير فرص عمل لشباب المنطقة التي ينتمون إليها.

شاركها.
Exit mobile version