في عالم يزداد تعقيدا، حيث تسود ضغوط الإنجاز والسعي إلى المثالية، تسلط الحلقة الجديدة من برنامج “رفقا” الضوء على قضية جوهرية: كيف يمكن للإنسان أن يرفق بذاته قبل أن يفقد كل شيء؟

ومن خلال تجارب شخصية وشهادات مؤثرة، تكشف الحلقة -التي يقدمها الشيخ فهد الكندري عبر منصة “الجزيرة 360”- عن الوجه الخفي للمثالية الزائدة، وكيف تتحول من دافع للتحسين إلى عبء نفسي يهدد الصحة العقلية والجسدية.

وعرضت الحلقة قصة شاب كاد أن يفقد حياته بسبب معايير الكمال الصارمة التي فرضها على نفسه، حيث يقول: “كنت أظن أن النجاح يتطلب تضحية مطلقة بكل شيء، فلم أعد أنام، ولم أعد أتناول الطعام بشكل منتظم، حتى انتهى بي المطاف في دوامة من الإرهاق والاكتئاب”.

وعبر استعراض دراسات نفسية، أوضح البرنامج أن جلد الذات المستمر يؤدي إلى تداعيات خطيرة، حيث كشفت إحدى الدراسات أن 94% ممن يعانون من جلد الذات يشعرون بعدم الأمان، و82% يعانون من قلق مزمن لا يمكن السيطرة عليه، وبيّنت الحلقة أن هذه الظاهرة تؤدي في بعض الحالات إلى الاكتئاب الحاد أو حتى التفكير في الانتحار.

وتحدث أحد ضيوف الحلقة عن تجربته مع المثالية القاسية، حيث كان يعيد العمل الذي كُلف به عشرات المرات، ليس خوفا من تقييم الآخرين، بل بسبب معاييره الذاتية الصارمة.

وقال في سياق حديثه: “كنت أعيش في سباق لا ينتهي مع نفسي، أبحث عن الكمال في كل شيء، حتى أدركت متأخرا أن ذلك استنزفني تماما”.

وطرح البرنامج تساؤلا جوهريا حول العلاقة بين الكمالية والوسواس القهري، حيث أكد أحد المختصين النفسيين أن المبالغة في البحث عن الكمال قد تؤدي إلى اضطرابات عقلية، مثل وسواس الترتيب والتنظيم أو وسواس التأكد المستمر، والذي يدفع صاحبه لإعادة التحقق من الأمور مرارا خوفا من وقوع كارثة محتملة.

قلق واكتئاب

وفي شهادة مؤثرة، كشف الشاب يوسف العمران عن معاناته مع القلق والاكتئاب، قائلا: “وصلت إلى مرحلة لم أعد أرى فيها أي معنى للحياة، حتى أنني فقدت بصري جزئيا بسبب الضغوط النفسية الهائلة”، واستعرضت الحلقة كيف أن رحلة تعافيه بدأت عندما قرر التخفيف من قسوته على ذاته واللجوء إلى الدعم النفسي.

وأكد الشيخ الكندري أن الشريعة الإسلامية جاءت لترسيخ مبدأ الرفق بالنفس، موضحا أن الإسلام يحث على التوازن وعدم تحميل النفس فوق طاقتها.

واستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”، ليؤكد أن الاعتدال هو السبيل الأمثل للحفاظ على الصحة النفسية.

وألقت الحلقة الضوء على الدور السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز الصورة المثالية غير الواقعية للحياة، حيث يتم عرض الجانب المشرق فقط من يوميات الأشخاص، مما يخلق ضغطا نفسيا على المشاهدين الذين يظنون أن حياتهم أقل شأنا.

ولم تقتصر الحلقة على تشخيص المشكلة، بل قدمت حلولا عملية لمواجهة جلد الذات والتخفيف من المثالية الزائدة، كان أبرزها العمل التطوعي، حيث أوضح البرنامج أن الانخراط في أنشطة اجتماعية يعود بالفائدة على الصحة النفسية، ويساعد الأفراد على الخروج من دائرة الأفكار السوداوية.

وتحدث يوسف العمران عن تجربته مع المبادرات المجتمعية، وكيف ساعدته على تجاوز الاكتئاب، قائلا: “حين بدأت أشارك في تنظيف الأماكن العامة وزراعة الأشجار، شعرت لأول مرة بالسعادة الحقيقية، وكأنني أتنفس من جديد”.

وقدمت الحلقة رسالة تحث على التوازن بين الطموح والرفق بالنفس، مؤكدة أن الإنجاز الحقيقي لا يأتي من استنزاف الذات، بل من إيجاد السلام الداخلي، وفي هذا يقول الشيخ الكندري: “رفقا بذاتك، فالرحلة ليست سباقا نحو الكمال، بل طريق نحو حياة أكثر طمأنينة وسكينة”.

شاركها.
Exit mobile version