بعد مرور قرابة الثلاثة أسابيع الأولى من بداية العام الحالي، انطفأت جذوة الحماس التي كانت قد اشتعلت قبل أيام من نهاية العام المنصرم، فقائمة القرارات التي كتبها البعض قبل ساعات من انتصاف الليلة الأخيرة لا تزال تحمل رائحة الحبر، بلا تنفيذ لأي منها، ربما يكون السبب فقدان الشغف أو الشعور بعدم الجدوى، أو استكمال مراحل التكاسل التي قد بدأت منذ أعوام ولم تنته بعد.
إذا كنت من هؤلاء الذين لم يبدؤوا في تنفيذ أي من قرارات العام الجديد، فعليك أن تعرف أن الأزمة ليست أبدا في وضع الأهداف، لكن الأزمة الحقيقية تكمن في وضع خطة جادة لتحقيقها.
عام جديد وحياة جديدة
عبر مجموعة للمهتمين بالصحة وإنقاص الوزن على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، شاركت ندى هشام تجربتها في إنقاص وزنها الزائد، والتي بدأتها منذ اليوم الأول في 2023، لتصل إلى النتيجة المرجوة مع بداية 2024، حيث نجحت في إنقاص وزنها 40 كيلوغراما خلال عام، ولا تزال مستمرة للوصول إلى جسم أحلامها.
ويقول عرفة محمود (30 عاما) للجزيرة نت: “في قائمة الأمنيات منذ عام، وضعت بندا أن أعود للقراءة بشكل منتظم بعد انقطاع طويل بسبب مهام العمل والاعتماد على مواقع التواصل للحصول على المعرفة”، و”رغم ضيق الوقت في بعض الأحيان، فإنني التزمت طيلة عام بتحقيق هذا البند، حتى ولو من خلال نصف ساعة يوميا”.
وتابع، هناك أهداف أخرى لم أستطع إنجازها، لكن ربما لأسباب كانت خارجة عن إرادتي، وشعرت أن عودتي للقراءة هي الهدف الذي لا يتوجب علي الفرار منه، وبالفعل نجحت في إنهاء أكثر من 20 كتابا خلال العام وهو معدل جيد بالنسبة لي”.
التغيير يبدأ من الداخل
في مقال كتبه كارلوس فيرير، رئيس تحرير مجلة علم النفس الاقتصادي، عبر موقع “سيكولوجي توداي”، أشار إلى أن قرارات الأعوام الجديدة من الضروري أن يصاحبها خطة فعلية وإلا لن تبرح حدود الأوراق التي كتبت عليها، لا يتعلق الأمر فقط بتحقيق الأهداف، لكن عليك أيضا أن تبدأ في قول “لا” لأي من الأمور المحبطة، أو التي تزيد من أعبائك فلا تجعلك قادرا على تنفيذ قراراتك الجديدة، فالمشكلة لا تكمن إلا في سلوكك الخاص تجاه ذاتك.
يضع فيرير مجموعة من الخطوات التي ربما تساهم في وضع خطة ناجحة لقرارات فاعلة:
- لا تكتب القرارات منفردة بل ضع بجانبها العوامل المحفزة التي تدعمك نفسيا في كل مرة ستنتكس فيها وتتقاعس عن تحقيق أهدافك.
- لا تتوقع أن تنجح في عشرات التغييرات التي تتمنى حدوثها، بل ينبغي التركيز على سلوك بعينه تتمنى تغييره، أو عادة جديدة تود اتباعها، ومع التوقف عن السلوك السيئ، ضع بجانبه السلوك الذي تود اتباعه، والإجراءات المطلوبة لدعم تلك الخطوات.
شعار العام
في كتابها “تغيير العادة” لفتت الكاتبة ميغ سيليغ، إلى أن هناك طرقا أخرى بعيدة عن القرارات التقليدية من الممكن أن تجعل الأشخاص أكثر سعادة في عامهم الجديد، ووضع عنوان للعام كان بمثابة أول علامة تنبيهية عن حدوث تغيير محتمل في حياتك، وليكن الشعار “عام الاستكشاف، أو عام النمو، أو عام التواصل”.
فقد تمنح إشارة التنبيه التي يطلقها الشخص على العام إلهاما مستمرا يذكره بحماس الانطلاق في كل مرة يرى فيها تلك الكلمة.
ولا تضع أمامك في كل مرة ما يجب عليك فعله، من الممكن أن تضع فقط ما يجب عليك ألا تفعله، وحينها ستنجز تلقائيا ما تريده بالفعل.
وبدلا من أن اتخاذ قرار واحد للعام، يمكن البدء في سلسلة من القرارات لكل شهر؛ “هذا الشهر سأهتم بمنزلي، الشهر القادم سأدفع التزاماتي المتأخرة، الشهر الذي يليه سأشترك في النادي الرياضي”. وإن ميزة هذا التفكير أنه يبعد الشخص عن القلق بشأن الإنجاز، بل يشعر معه بالنجاح في تحقيق بعض الأهداف وفق سيليغ.
لا يزال هناك المزيد من الفرص
احصل على متع صغيرة، تقول سيليغ “ليس بالضرورة أن تكون القرارات جافة وصعبة ومرهقة، لماذا لا نأخذ قرارات مريحة، كأن نحصل على بعض القيلولة يوميا، أو نذهب للسينما مرة في الشهر أو نحصل على جلسة للاعتناء بالأظافر والشعر بشكل دوري، تلك القرارات البسيطة من المؤكد أنها تمنحك الكثير من الطاقة لتنفيذ ما هو أصعب”.
وإذا لم تستطع البدء في التغيير مع العام الجديد، لديك مزيد من الفرص، لا تجعل همك التوقيت بل اصنع توقيتك الخاص مثل عيد ميلادك أو بعد رمضان أو ربما بعد الأعياد.
هل ننجح في التغيير إذا وضعنا كل تلك الخطط؟
توضح بسمة علوان، مدربة الحياة، مفهوم النجاح المنتظر بعد وضع كل تلك الخطط واتخاذ القرارات لبدء عام جديد بروح مختلفة، فتقول “إن الأمر لا يتوقف فقط على القرار، لكن بفكرة تحرير النفس من القيود حتى وإن كانت عادات سيئة، وإن إجراء تغييرات إيجابية بسيطة على مدى قصير سوف يؤمن إستراتيجية ناجحة على المدى البعيد”.
وتضيف علوان للجزيرة نت أن التقدم الذي نحرزه في حياتنا هو نتاج محاولات مستمرة من التغيير، لا أحد يتقدم وهو ثابت في كل شيء منذ ولادته وحتى الموت، وأي تغيير يصيب الإنسان هو نتاج قرار بالتحرك وعدم الثبات، فثبات الحياة يعني موتها، وموت الإنسان، لذا فربط التغيير بالأعوام الجديدة هو ربط لا يسري على الجميع، فالبداية الجديدة تأتي في أي وقت وحينها يجد الإنسان حافزه الحقيقي لصنع الطفرة التي يريدها لحياته.