وفقا لشهود عيان من غزة الفلسطينية، فإن دبابة إسرائيلية دهست امرأة حاملا، وجنودا إسرائيليين فخَّخوا رضيعا وألقوه فوق أهله، ومراهقا يافعا قُيّد ليقول له الجندي بلغة ساخرة “لا تقلق ستدفأ قريبا”، في إشارة إلى النار التي ستصل إليه بعدما أشعلوا المنزل. وفي مستشفى كمال عدوان شاهدنا على الشاشات دهس جرافات الاحتلال للجرحى والمصابين ودفنهم أحياء، إضافة إلى نبش القبور وخطف الجثث وسرقة الأعضاء، وتستمر قائمة القسوة والعنف غير المحدود، ليتساءل بعض المتابعين عن مدى العنف القادر عليه البشر.

هل الإنسان عنيف بالفطرة؟

تٌثير الحرب على غزة العديد من الأسئلة في أذهاننا التي تجعلنا نبحث عن إجابة لها، هل الإنسان عنيف بالفطرة؟

تقول الدكتورة وفاء أبو موسى، المستشارة النفسية من غزة، لموقع الجزيرة نت، إن البشر ليسوا سيئين بالفطرة ولا صالحين بالفطرة، فنحن نولد بفطرة نقية طبيعية هي صبغة فينا، وما أحسن من صبغة الله صبغة، قال تعالى: “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا”.

تفسّر الآية الكريمة إمكانية اختيار الإنسان للخير أو الشر، وهذا يشير إلى أن السلوكيات العنيفة التي تصدر من البشر تكون بفعل التربية على العداء والعنف، فالعنف سلوك مكتسب يشير إلى أحادية الرؤية لدى فئة تفرض هُويتها وقوانينها من خلال أساليب عنيفة، كالهيمنة والسيطرة والإيذاء والقمع. هذه الفئة لا تطلب بل تأمر، لا تدير بل تهيمن. فئة لا تعرف لغة العدالة ولكنها تعرف لغة التّشفّي، لا تعرف لغة السلام، بل تعرف لغة الصراعات.

تقول وفاء، “من السهل أن يتربى الإنسان على العنف فيصبح عنيفا، أو يتربى على الرحمة فيصبح رحيما. ومن السهل أن يتحول الناس إلى النقيض كذلك”.

وهذا ما يشير إليه براد إيفانز أستاذ العنف السياسي في جامعة باث بالمملكة المتحدة، في مقال منشور على موقع لايف ساينس العلمي، حيث يقول إنه حتى الأشخاص في المجتمعات الأكثر تقدمية وسلمية قادرون على ممارسة العنف. يمكن للأشخاص العاديين والشرعيين أن يتحولوا بسرعة إلى وحوش بمجرد تغير الظروف، وبالمثل، يمكن أن ينتهي الأمر ببعض الأشخاص المكروهين إلى إظهار أعمال طيبة ملحوظة. لا توجد صيغة واضحة توضح سبب تصرف الشخص بطريقة عنيفة.

ووفقا لموقع “سابينز”، فإن الأبحاث الأنثروبولوجية تظهر أننا مخلوقات معقدة جدا، قد يكون لدينا ميل فطري نحو العدوان والحرب ولكن لدينا -أيضا- ميل إلى التعاطف. صحيح أن الثقافة من الممكن أن تساعد في الحد من العنف، ولكنها ساعدت -كذلك- في تطور العنف الجماعي. القوى نفسها التي دفعت في اتجاه تطور التعاطف قد تكون مسؤولة عن العنف أيضا. وحتى أحدث الهياكل الثقافية التي تهدف إلى قمع العنف لا تعمل دائما على النحو المنشود، وما يحدث في غزة نموذجا.

تاريخ العنف

تؤكد الدراسات أن العنف كان سائدا طوال فترة وجود البشر، وقد مات ما يقرب من مليار شخص نتيجة مباشرة للحروب، وفقا لكتاب “ما يجب أن يعرفه كل شخص عن الحرب” الصادر في 2003. وبالطبع فقد بُنيت جميع الإمبراطوريات القديمة من خلال التخويف والعنف.

وتختلف معدلات العنف تاريخيا بشكل كبير عبر الثقافات والمجتمعات، فالعنف يمكن أن يرتفع أو ينخفض بشكل كبير في جنسنا البشري. فالشعوب البدوية، على سبيل المثال، تميل إلى أن تكون لديها مستويات أقل من العنف البشري المميت بين الأشخاص، في حين أن العصور المليئة بالمجتمعات العازمة على النهب والغزو، كانت لديها مستويات أعلى من العنف. كما أن الثقافة الأميركية المعاصرة أكثر عنفا من معظم تلك الموجودة في أوروبا، كما جاء في موقع لايف ساينس العلمي.

يوجد كذلك، تباينا واسعا في معدلات العنف من حيث الحجم، يموت ما يصل إلى نصف الرجال بعنف على أيدي رجال آخرين في بعض المجتمعات، بينما في مجتمعات أخرى يكون العنف الجسدي نادرا جدا، كما هو الحال في اليابان الحديثة.

لماذا يصبح الناس عنيفين؟

العنف يولّد العنف، مما يعني أن الثقافات التي يشيع فيها الصراع هي أكثر عرضة للتعرض للعنف جيلا بعد جيل. وبهذه الطريقة، ينتقل العنف كونه مرضا معديا.

تقول وفاء أبو موسى، إن العدو الإسرائيلي في حربه الغاشمة على غزة يزرع القسوة في قلب جيل كامل سيصبح ذات يوم الأعنف، ضد من مارس عليه هذه الانتهاكات فأزهق الأرواح وهدم البيوت وأرهب الناس في بيوتها الآمنة.

العنف عن بعد، إن تنفيذ أعمال العنف يكون أسهل بكثير إذا كان الفرد الذي يرتكب العنف بعيدا عن ضحاياه، فمن الأسهل الضغط على زر إطلاق صاروخ نووي بدلا من توجيه ضربة قاتلة جسديا بشكل مباشر.

وتؤكد دراسات ستانلي ميلغرام الكلاسيكية عن الطاعة ذلك، حينما طُلب من المشاركين تقديم صدمات كهربائية ذات شدة متزايدة لأشخاص آخرين، كان المشاركون أكثر ترددا في صدمة الضحايا إذا كانوا أقرب إليهم جسديا.

واصلت طائرات الجيش الإسرائيلي، فجر اليوم الأحد، قصف مخيمي "النصيرات" و"البريج" وسط قطاع غزة، ومدينة خان يونس جنوبي القطاع. مراسم صلاة الجنازة والتجهيز لدفن عدد من الشهداء في مستشفى شهداء الاقصى بدير البلح وسط قطاع غزة. ( Ashraf Amra - وكالة الأناضول )

تجريد الضحايا من إنسانيتهم، وُجد أن أعمال الإبادة الجماعية تحدث تاريخيا، بعد أن يجرّد مرتكبوها ضحاياهم من إنسانيتهم، أو خلق مسافة نفسية بينهم وبين أولئك الذين ينتمون إلى عِرق أو إثنية مختلفة.

في بداية الحرب الحالية على غزة، أطلق بعض المسؤولين الإسرائيليين وصف “حيوانات بشرية” على الفلسطينيين، وقد استند فريق جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية إلى هذه الأقوال لإدانة اسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في حق الفلسطينيين.

ارتباط العنف بالغزو، عندما تكون مجموعة ما مصممة على الاستيلاء على موارد أو أراضي مجموعة أخرى. يحدث نوع من العنف التفاعلي، وهو رد فعل مباشر على مثل هذا العدوان. وهنا ينص القانون الدولي على حق الشعوب المحتلة في الدفاع عن أنفسها بالطرق المسلحة.

شاركها.
Exit mobile version