نابلس- “ضع إن كنت تستطيع، وخذ إن كنت محتاجا”، عبارة بسيطة خطها الشاب محمود أبو حلوان على ورقة وألصقها فوق عربة تسوق داخل محله التجاري، فكانت عبرة لافتة ولها وقعها، وتركت أثرا لدى كثيرين ممن رأوا إيجابياتها وتفاعلوا معها بشكل أو بآخر، ومنهم من طبقها كما هي، وآخرون أخذوا الفكرة وطوروها.

ثمة أشكال للخير برزت في رمضان هذا العام بشكل أكبر، منها ما هو تقليدي واعتاد الناس فعله مع كل رمضان، كحال التكايا التي تقدم الطعام المطبوخ والمواد العينية.

وأخرى أوجدتها الحاجة، خاصة في ظل حرب جوَّعت الفلسطينيين وكبَّلتهم اقتصاديا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وانطلقت المبادرات الفردية والجماعية لمساعدة الفقراء ومد يد العون لهم، لا سيما حملات جمع الطرود الغذائية والملابس والأموال، وثالثة لسد ديون الفقراء من التجارية، والتعاضد بين الأهل وسكان الحي والبناء الواحد، وغير ذلك كثير.

فكرة صغيرة تطورت

وكان لمبادرة محمود أبو حلوان في قريته بيت دجن قرب مدينة نابلس (شمالي الضفة الغربية) أثرها الكبير والفعلي، إذ نجح في ملء السلة عدة مرات منذ بداية شهر رمضان، ليقوم رفقة مجموعة من الأصدقاء بتحسس الفقراء والمحتاجين في قريته وتزويدهم بحاجتهم، والأهم أن الفكرة انتقلت إلى آخرين مثله، وعمدوا إلى تنفيذها بمتاجرهم.

ويقول أبو حلوان للجزيرة نت إن مبادرتهم وطريقة عرضها لم تكن محرجة للمواطنين فحسب، بل شجعتهم على التبرع بما يستطيعون، فليس مطلوبا من أي شخص التبرع بكامل السلة الغذائية وإنما بما يقدر بغرض أو اثنين، ويضيف “تفاجأنا بأن كثيرين تبرعوا بالأموال نقدا لشراء طرود كاملة وتوزيعها”.

كما يمكن للفقير نفسه أن يتبرع، وهو ما سيرفع الحرج عنه إذا شمله توزيع الطرود، لأن المبادرة تظهر وكأنها مساهمة عامة لمساعدة الناس، ويضيف أبو حلوان “بحكم خبرتي -بوصفي صاحب سوبر ماركت- بت أعرف الأسر المحتاجة والمتعففة، ولذا نتلمس حاجتهم ونقدم لهم ما يحتاجون، وقد تحصل العائلة على طرود لأكثر من مرة”.

وبحكم وجود سيولة نقدية قدمها بعض المتبرعين، يذهب أبو حلوان إلى تقديم المساعدات على شكل أموال بعد عشرات الطرود الغذائية التي قدموها، ويقول إنه سيواصل مبادرته -التي انتقلت إلى قرى ثانية- بعد رمضان إذا ما استمرت بالنجاح، لا سيما أنه يروج لها عبر صفحات القرية، وهو يوثق عملية التبرع أيضا ويحافظ على سرية وخصوصية التوزيع.

مبادرة محمود ابو حلوان في محله التجاري في بلدته بيت دجن شرق نابلس- الضفة الغربية - نابلس- بيت دجن- الصورة خاصة بالجزيرة نت- الجزيرة نت2

“شيكل” واحد يكفي!

وعلى غرار مبادرة أبو حلوان، بادر المواطن رائد القدومي (أبو أحمد) في قريته كفر قدوم شرق مدينة قلقيلية بالضفة الغربية وعبر “صندوق التكافل القدومي”، لعمل خيري كبير لاقى استحسان أهالي القرية جميعا.

وتقوم مبادرة القدومي على نشر صناديق أمام مساجد القرية وجمع التبرعات من المصلين يوم الجمعة، وذلك بدعوة الناس للتبرع بشيكل واحد (الدولار= 3.6 شيكلات) فقط، ومن زاد فله ذلك، حيث تجمع هذه الأموال، ومن ثم ينشر بياناتها عبر صفحته على فيسبوك، ليوزعها هو وآخرون على شكل طرود غذائية أو غير ذلك.

ويساهم في التبرع الجميع، الفقير والغني، لأن مبلغها يسير وبمتناول الكل، وهذه أهم ميزة للمبادرة، يقول القدومي للجزيرة نت، ويضيف أن ذلك سهَّل قبول العائلات المتعففة لها، كما مهَّدت الفكرة لجمع تبرعات بمبالغ مالية أكبر ولم تقتصر على ما تجمعه الصناديق، وأدى ذلك لتوسيع دائرة المستفيدين من تلك التبرعات داخل البلدة.

وتنوعت المبادرة بين الطرود الغذائية وشحن عدادات المياه لعشرات الأسر الفقيرة، وبنحو 15 دولارا لكل أسرة، وتكريم حفظة القرآن الكريم، ويقول القدومي إنهم يخططون لتقديم مبالغ مالية لطلبة الجامعات في البلدة ومساعدتهم بالأقساط الجامعية.

ولا تتبع مبادرة القدومي لجهة بعينها، حزبية كانت أم رسمية، وهدفها مساعدة المحتاجين، تحت شعار “كفر قدوم قامت بأهلها” أي دعمت أهلها.

وخارج قريته، ينشط القدومي بعمل الخير أيضا، ولديه نحو 200 أسرة فقيرة وحوالي 50 أسرة بها أيتام يستفيدون من نشاطه شهريا.

المؤسسات أيضا

وبشكل جماعي، برز دور “فريق صناع الحياة” -الذي يقود زمامه مجموعة من الطلبة الجامعيين الفلسطينيين- بإطلاق مبادرات لدعم ومساعدة الفقراء خلال رمضان، واستطاعوا توفير مئات وجبات الطعام ومبالغ مالية نقدية لكثيرين في الضفة الغربية وأخرى لقطاع غزة.

وفي الجانب المؤسساتي لم يقل فعل الخير وشكله، إذ نفَّذت جمعية التضامن الخيرية الأكبر بمدينة نابلس عددا من المشاريع التي استهدفت بها الفقراء والمعوزين، وتعكف على تنفيذ أخرى حتى نهاية الشهر.

ويقول رئيس الجمعية علاء مقبول إنهم حتى الآن جمعوا 5500 سلة غذائية بقيمة 60 دولارا لكل واحدة، ويتوقع أن تصل إلى 7 آلاف سلة، إضافة إلى معرض كسوة العيد من الملابس الذي استفاد منه أكثر من 5 آلاف أسرة.

إضافة إلى مشروع كفالة الأيتام الذي سينفذ خلال الأسبوع القادم ويمنح حوالي 225 ألف دولار لهم، وغير ذلك من عشرات موائد الإفطار الرمضانية للأيتام والمشاريع المعتادة، وغير ذلك من مشاريع الخير التي تنفذ بنابلس، لا سيما تكايا الخير الخمس التي تقدم 3 آلاف وجبة طعام وأكثر يوميا.

وهذه “مساعدات غير مسبوقة” -كما يصفها مقبول للجزيرة نت- تأتي في ظل وضع اقتصادي صعب جدا، وترتفع فيه نسب البطالة والفقر لأرقام عالية، وتوقف أكثر من ربع مليون عامل عن العمل داخل الخط الأخضر وبالضفة الغربية أيضا.

المبادرات الفردية.. جهود جبَّارة

وتميز شهر رمضان الحالي بمبادرات الخير الفردية، التي عملت ما لم تستطع أي مؤسسة أو هيئة خيرية فعله، وذكر مقبول أن أهمية هذه المبادرات في تحسس الفقراء والمحتاجين “المتعففين”، الذين لا يلجؤون للمؤسسات الخيرية ولا يطرقون باب أحد، ويصبح الوصول لهم صعبا.

ويضيف أن “الحمل كبير والمطلوب من الجميع رفعه، وعلى كل إنسان أن يتفقد من حوله في الحي والبناية والأقارب والجيران”.

وحسب معطيات وزارة العمل الفلسطينية، فإن أكثر من 450 ألف عامل فقدوا فرص عملهم داخل فلسطين (الضفة الغربية وغزة) خلال الحرب، مما رفع نسبة البطالة إلى 41% بالمجتمع الفلسطيني الذي يعاني فقرا مدقعا أصلا.

شاركها.
Exit mobile version