يعدُّه كثيرون شعورا بغيضا، تتعرق راحة يدك، وتتسارع ضربات قلبك، وقد تشعر بتقلصات في البطن أو بعض الاضطرابات في المعدة، وقد تعاني الأرق وعدم القدرة على النوم، وقد يفقد عقلك القدرة على التفكير المنطقي السليم، يُرافقك الإحساس بأن هناك خطرا وشيكا، مما يخلق شعورا عاما بعدم الارتياح يجتاحك، هذا هو القلق.

ومن المنطقي أن تراه شعورا سلبيا، وتحاول الابتعاد عنه وتجنبه بكامل طاقتك، بل والبحث عن الطرق والخطوات التي تُمكنك من مواجهته والتخلص منه. لكن في الحقيقة، للقلق فوائد عدة قد تُغير وجهة نظرك فيه، وتجعلك تسمح لنفسك بالشعور ببعض من القلق.

البعض يُفضّل الشعور بالقلق

ترجع بعض الدراسات العلمية حرص بعض الناس على تنمية شعورهم بالقلق إلى قدرته على تعزيز الأداء المعرفي وقدرته على إشعار البعض بالارتياح.

من ناحية أخرى، ربما لا يكون القلق متعلقا بأي منفعة أو فائدة بالنسبة للبعض. لكن بعضهم يتعلق بالقلق لمجرد أنه أصبح شعورا “مألوفا”، وهو الأمر الذي رصدته باحثة علم النفس بريت فورد من جامعة دنفر في الولايات المتحدة الأميركية عبر استبيان شارك فيه 139 طالبا جامعيا، لقياس المشاعر التي يميل الناس إلى الشعور بها في معظم الأوقات.

بعد فترة، عادت فورد لتسأل الأشخاص الذي يميلون للشعور بالقلق الدائم عن الشعور الذي يرغبون في اختباره؟ فأجابوا بأنهم يرغبون في الشعور بـ”القلق”.

ويوضح عالم الأعصاب كينت بيريدج من جامعة ميشيغان -لمجلة “نيوزويك” الأميركية- أن الرغبة في الإحساس بشعور معين يختلف تماما عن الاستمتاع بهذا الشعور، إذ تتولد “الرغبة” عن مجموعة من الناقلات العصبية، تختلف تماما عن الناقلات العصبية التي تولد الشعور بـ”الاستمتاع”.

وقد تكون الحاجة إلى الشعور بالقلق ناتجة إلى حد كبير عن حالة “إدمان القلق”، وهو ما يولد بدوره الرغبة في الشعور بالقلق بغض النظر عمّا إذا كان هذا الشعور ممتعا أم لا.

مزايا “القلق”

تقول عالمة الأعصاب ومؤلفة كتاب “القلق الجيد” الدكتورة ويندي سوزوكي، لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، إن “مشاعر القلق والاستجابة للضغط النفسي الأساسي لحمايتنا”، مُشيرة إلى أن إدارة القلق والتوتر والتعامل مع هذا النوع من المشاعر بفاعلية قد تكون أكثر فائدة من التخلص منها أو تجنبها بشكل تام.

بالطبع، ليس المقصود هنا القلق المرضي، فاضطرابات القلق تُصنف على أنها أمراض عقلية خطيرة، ويتسم اضطراب القلق بأنه يحمل قلقا أو شعورا بخوف كبير لا يختفي.

لكن المقصود هنا هو القلق الطبيعي، الذي تعد أبرز مزاياه أنه يجعلك أكثر ذكاء، إذ يجعلك تلجأ إلى التفكير النقدي والتحليل، لمحاولة الوصول إلى بواطن الأمور وعدم الاكتفاء بالظاهر. كما يحول القلق دون الإفراط في التفاؤل الساذج لمجرّد رصد بعض المؤشرات المبدئية الإيجابية.

وقد يجعلك القلق تتوصل إلى حقيقة يصعب إدراكها عند التحلي بالمشاعر الإيجابية، فقد تلاحظ مثلا تكرار شعورك بالقلق من فكرة أو موقف ما، ليكون القلق هنا مثل جهاز إنذار، فمن المرجح أن عقلك وجسدك يحاولان إخبارك أن هناك ما يستدعي الانتباه والمعالجة.

من جهته، يوضح موقع “فيري ويل مايد” أن الشعور بالقلق قد يكون مجرد علامة تحذيرية تحتاجها لزيادة الوعي بوضعك الحالي وإجراء بعض التغييرات الضرورية في حياتك. على سبيل المثال، قد يكون أحد الأعراض التي تساعدك على التصرف بسرعة لتجنب وقوع حادث أثناء قيادة السيارة، أو منعك من دخول مكان أو ظرف غير آمن، وقد يشكّل علامة تحذيرية على أن علاقتك وصلت إلى طريق مسدود، أو أن ضغط وظيفتك يهدد صحتك العقلية.

التوتر المزمن

كيف تواجه الشعور بالقلق؟

في حين توضح إلين هندريكسن، عالمة النفس الإكلينيكي في بوسطن ومؤلفة كتاب “كيف تكون على طبيعتك: سيطر على نقدك الداخلي وتجاوز القلق الاجتماعي”، أن درجة معينة من القلق يمكن أن تساعد في الحذر والتنظيم وتوقع العقبات.

أما عندما يرفض الناس الشعور بالقلق ويعملون على مواجهته فور ظهوره أو يحاولون تجنب الشعور به من الأساس، فإنهم في هذه الحالة يتحولون إلى ما يشبه شخصا يعمل على إسكات صافرة إنذار الحريق، لأن صوتها مُزعج، من دون أن يدرك أن هذه الصافرة تُشير إلى وجود حريق يستدعي الإطفاء بدلا من التركيز على الإزعاج الذي تصدره.

المقصود هنا ضرورة التفكير في جذور الأمور، ومحاولة الوصول إلى الرسائل التي يبعثها القلق، وتحديد التعديلات التي قد تحتاج إلى إجرائها في حياتك.

يساعد القلق أيضا في التعرّف على الذات بطريقة أفضل وأكثر عمقا، إذ يُعدّ البوابة الأساسية للعثور على أعمق القيم وتحديدها.

على سبيل المثال، قد تشعر بالقلق لدى رؤية شخص يكذب أو يجرح شخصا آخر بكلمات سلبية أو يتنمر عليه، هذا الشعور بعدم الارتياح الناتج عن رؤية مثل هذه التصرفات، قد يكون بمثابة رادار حيوي يُبين لك الخطأ من الصواب، ويُبين لنا ما السلوكيات والأخلاقيات التي نقبلها وتلك التي نرفضها، وهذا يُزيد من قدرتنا على تمييز ذواتنا الداخلية وتنمية وعينا الذاتي.

قانون “يركيس-دودسون”

وفقا لقانون “يركيس-دودسون” -وهي نظرية نشأت أوائل القرن العشرين وتمت صياغتها من خلال إجراء بعض التجارب على الفئران- فإن زيادة كميات الاستثارة المعرفية، أو الشعور بالقلق والتوتر، يمكن أن يحسن الأداء، لكن إلى حد معين فقط.

وتُظهر النظرية، التي يتم تمثيلها من خلال منحنى على شكل جبل، أنه بعد وصول المنحنى إلى ذروته، تؤدي مستويات التوتر الأعلى إلى تراجع الأداء.

بينما يشير تقرير لموقع “سيكولوجي توداي” إلى أن القلق بإمكانه أن يجعلك أكثر قدرة على الشعور بالسعادة، ذلك لأن توقع أسوأ السيناريوهات يجعلنا نشعر بالسعادة عندما لا تحدث أي من هذه السيناريوهات السلبية التي توقعناها.

كما يُشير “سيكولوجي توداي” إلى أن الأشخاص القلقين ينزعون إلى الخروج باستنتاجات سلبية في المواقف الغامضة. مثلا، إذا كان الشخص القلق يحاول تشغيل جهاز الكمبيوتر، ووجد أنه لا يعمل، فإن أول ما سيقفز إلى ذهنه في هذه الحالة أن الجهاز تعرض للتلف، رُبما لن يفكر في أن البطارية من المحتمل أن تكون قد نفدت وتحتاج إلى إعادة الشحن فقط! وهو ما قد يجعله يشعر بالارتياح والسعادة عندما يكتشف أن “الكارثة” التي تخيل حدوثها لم تحدث.

ورُبما يضع الشخص خطة بديلة تمكنه من التعامل في حال التحقق من تلف جهاز الكمبيوتر بالفعل، وهو أمر ربما لا يطرق ذهن الشخص المتفائل.

من مزايا القلق أيضا أنه قد يُعزز علاقاتك الاجتماعية، وذلك لأن الأشخاص الذين جربوا الشعور بالقلق قد يصبحون أكثر تعاطفا وتفهما للمشكلات والمشاعر السلبية التي يواجهها المحيطون بهم.

شاركها.
Exit mobile version