تنشط مؤخرا زيارة مهاجرين سوريين إلى عائلاتهم في مناطق سيطرة النظام بعد حصول معظمهم على جنسيات بلدان إقامتهم، أو لجوئهم في ألمانيا وهولندا، وغيرها من البلدان التي فتحت أبوابها للاجئين منذ العام 2011.

ورغم الأجواء الإيجابية التي تغلب على هذه الزيارات، فإنها تخفي خلفها مخاوف وتحديات واجهت الآلاف قبل بلوغهم لحظة احتضان أهاليهم.

ويضطر الزائرون لمناطق سيطرة النظام إلى دفع تكاليف مضافة لقاء وصولهم إلى وجهاتهم، وتجشم عناء السفر جوا وبرا لساعات طويلة نظرا للمخاطر المحدقة بالمطارات المدنية في تلك المناطق وقلة شركات الطيران التي تسيّر رحلات إليها.

هواجس أمنية

ويحرص أهالي الزائرين على إجراء “فيش أمني” (آلية لمراجعة أسماء المطلوبين بقضايا جنائية أو أمنية للجهات المختصة في حكومة النظام)، لأبنائهم القادمين إلى مناطق سيطرة النظام قبل موعد قدومهم بأشهر.

ويقوم الأهالي بإجراء الفيش الأمني عدة مرات، ومن مصادر مختلفة؛ للتأكد من عدم ورود أسماء أبنائهم أو أقربائهم القادمين إلى البلاد في قوائم المطلوبين للأفرع الأمنية، أو غيرها من جهات النظام.

وتتراوح تكلفة الفيش بين 30 و50 دولارا بحسب نوعه ومصدره، وغالبا ما يقوم الأهالي بإجراء الفيش الأمني الاعتيادي الذي يشمل الجنح والجنايات والجرائم الجنائية، وكل ما يتعلق بوزارة الداخلية والأمن الجنائي، إلى جانب الفيش الرباعي الذي يشمل القضايا الأمنية الخاصة بأجهزة استخبارات النظام السوري.

يقول أبو نجيب (53 عاما)، وهو والد أحد الشبان العائدين إلى سوريا مؤخرا، “بقيت على أعصابي مدة ساعة كاملة إلى أن اجتاز ابني الحدود واتصل بي سائق سيارة الأجرة وأخبرني بعبورهم المعبر الحدودي بين سوريا ولبنان”.

A wall surrounding Old Damascus is renovated as part of government efforts to improve the historic quarter of the capital November 24, 2010, which is attracting more tourists as the government opens the economy. The renovation is being carried by volunteers from a government-backed student union. REUTERS/Khaled al-Hariri (SYRIA - Tags: SOCIETY TRAVEL BUSINESS CONSTRUCTION) POLITICS)

ويضيف في حديثه للجزيرة نت: “ورغم أن نجيب لم يقترب من السياسية طيلة حياته، ورغم أني أجريت له الفيش الأمني أكثر من 5 مرات، غير أنني شعرت بتلك الساعة وكأنها دهر؛ فكما تعلم إن الداخل هنا مفقود والخارج مولود”.

في المقابل، تلاشت سعادة ميادة (32 عاما)، مهندسة سورية مقيمة في هولندا، بحصولها على الجنسية الهولندية مؤخرا بعد أن علمت أنه لا يمكنها زيارة سوريا نظرا لورود اسمها في قوائم المطلوبين للنظام.

تقول ميادة للجزيرة نت: “لم أعلم ما هي التهمة، ولكني علمت بأني مطلوبة بعد إجرائي “فيش رباعي”، وإن إزالة اسمي من القائمة قد يكلفني آلاف الدولارات، ذلك في حال لم أتعرض لعملية نصب أو احتيال من قبل السماسرة المسؤولين عن هذه المهمات”.

بينما يبقى لدى ميادة وغيرها من المطلوبين للجهات الأمنية التابعة للنظام أمل في زيارة بلدهم بعد إزالة أسمائهم من تلك القوائم عبر عملية تسوية مدفوعة يجريها سماسرة لديهم علاقات مع الأجهزة الأمنية.

تكاليف مضافة

وإلى جانب الهواجس الأمنية التي تطارد المهاجرين الزائرين إلى مناطق سيطرة النظام، يضطر معظمهم إلى تكبد تكاليف مضافة في رحلتهم من بلدان إقامتهم وصولا إلى سوريا.

ويعتمد معظم الزوار على مطار رفيق الحريري في العاصمة اللبنانية بيروت لقربه من الحدود السورية – اللبنانية، وتتراوح تكلفة الرحلة من المطار ولغاية الأراضي السورية ما بين 75 و150 دولارا؛ تتوزع بين سيارة الأجرة التي تقل المسافر من المطار ولغاية إحدى الضواحي في بيروت مقابل ما يعادل 10 دولارات، وبين سيارة الأجرة التي تقله من بيروت وصولا إلى وجهته في مناطق سيطرة النظام، ويتراوح أجرها بين 70 و140 دولارا بحسب وجهة المسافر وعدد الركاب.

كما تجبر السلطات السورية المسافرين على تصريف (تحويل) مبلغ 100 دولار أو يورو على الحدود بين البلدين إلى الليرة السورية بسعر صرفها الرسمي (13500 ليرة للدولار الواحد)، والذي يقل عن سعر صرف السوق السوداء بنحو 1500 ليرة.

ويشير عادل (26 عاما)، وهو طالب جامعي وأحد المهاجرين الزائرين إلى دمشق مؤخرا، في حديث للجزيرة نت إلى أن بعض السلع التي يشتريها من دمشق تعادل أسعارها الأسعار في الأسواق العالمية وتفوقها أحيانا.

ويضيف: “البضائع والخدمات في سوريا ليست رخيصة كما كنت أعتقد، فكلفتني عزومة (دعوة غداء أو عشاء) عائلتي (8 أشخاص) إلى مطعم في دمشق قرابة 2.5 مليون ليرة (168 دولارا)، وهو مبلغ كبير يعادل ما يمكن أن أدفعه في مطعم في أوروبا”.

وتعتبر موجة اللجوء السورية أكبر موجة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وقدرت الأمم المتحدة أعداد اللاجئين السوريين حول العالم بـ6.5 ملايين لاجئ منذ منتصف العام 2023 وتستضيف معظمهم دول مجاورة، بما في ذلك تركيا ولبنان والأردن.

شاركها.
Exit mobile version