ترتفع في محافظة الأقصر (جنوبي مصر) أبنية تاريخية شاهقة يعود تاريخ إنشائها إلى ما قبل 4 آلاف عام، دُوِّنت على جدرانها فصول من تاريخ وحضارة المصريين القدماء.
في أحد جوانب هذه الأبنية توجد بحيرة لا يُعرف سر بقاء مياهها لأكثر من ألفي عام، رغم عدم اتصالها بأي ممر بمائي، وتزور الشمس تلك الأبنية في ظاهرة سنوية تجلب زوارا من أنحاء العالم.
“معبد الكرنك” سر فرعوني
ويعد مجمع معابد الكرنك، المعروف إعلاميا في مصر بـ”معبد الكرنك”، أحد أهم معالم الأقصر. بدأ إنشاؤه أيام الدولة الفرعونية الوسطى عام 2000 قبل الميلاد، واستمر حتى انتهاء التاريخ المصري القديم (الأسرة الـ30، التي تعود إلى 332 قبل الميلاد).
وكان كل ملك يضيف جديدا إلى تلك المعابد “تقربا إلى الآلهة -حسب اعتقاد قدماء المصريين- ورغبة في الخلود والحصول على شهرة كبيرة بين أفراد الشعب”، وامتد تشييدها لنحو ألفي عام، وفق الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.
في تلك البقعة التاريخية، تجتمع معابد وآثار فرعونية عديدة ومتنوعة، منها معبد آمون (إله بالمعتقد الفرعوني)، وتماثيل ومسلات.
وفي ظاهرة هندسية فريدة، تتعامد الشمس على محراب “قدس الأقداس” في معبد الكرنك مرة واحدة سنويا يوم 21 ديسمبر/كانون الأول، وهو يوم الانقلاب الشتوي، أي مع بدء فصل الشتاء.
وتبلغ المساحة الكلية لمعابد الكرنك 247 فدانا، بينها 46 فدانا هي مساحة معبد آمون، وتقدم وزارة الآثار والسياحة بداخلها عروضا بالصوت والضوء تروي قصتها بلغات عديدة.
أكبر دار عبادة قديمة في العالم
“أكبر دار عبادة قديمة في العالم” هكذا بدأ كبير الأثريين في وزارة السياحة المصرية مجدي شاكر حديثه عن مجمع معابد الكرنك.
وأضاف شاكر، الذي عمل لنحو 23 عاما بالأقصر، “الصحيح أن نقول عليها معابد الكرنك وليس معبد الكرنك، لأنها تضم العديد من المعابد. وهذه المعابد كانت ذات نفوذ ديني كبير، وحرص الملوك على تسجيل (تدوين) مواقف (لهم) فيها”.
وتنقسم الحقبة الفرعونية إلى 30 أسرة حاكمة، ومر تشييد معابد الكرنك بفترات الدولة الوسطى، وتشمل الأسر من 11 إلى 14 (حوالي 2060 إلى 1710 قبل الميلاد)، وعصر الانتقال الثاني (من 1785 إلى 1580 قبل الميلاد)، والأسر من 13 إلى 17.
كما تشمل الدولة الحديثة أو عصر الإمبراطورية، وتضم الأسر من 18 إلى 20 (حوالي 1580 إلى 1085 قبل الميلاد)، ثم العصر المتأخر، أي الأسر من 21 إلى 30 (1085 إلى 332 قبل الميلاد).
ووفق شاكر، فإن أصل كلمتي الكرنك والأقصر (المحافظة التي تحتضن تلك المعابد) “لها تفسيرات عديدة، الأولى تعود إلى كلمات تعني القوة والحصن، والثانية تعود لكثرة القصور والمقصورات الفرعونية”.
والسياح سيكونون أمام “جولة غير مسبوقة”، كما أضاف شاكر، “عندما يصلون معابد الكرنك التي تشهد إقبالا في الشتاء أكثر من الصيف”.
وتابع: “سيكونون أمام أكبر دار عبادة قديمة في العالم، بالإضافة إلى أكبر صالة أعمدة في العالم تضم 136 عمودا، والعمود الواحد يتراوح ارتفاعه بين 19 و22 مترا”.
البحيرة المقدسة
كذلك في معابد الكرنك سيستمتع السياح، حسب شاكر، بـ”البحيرة المقدسة التي فيها مياه حتى الآن، من دون أن تكون متصلة بأي ممر مائي، وهذا سر فرعوني”.
وأضاف أن “المعابد تضم أيضا 10 صروح سُجل على جدرانها معارك الملوك الحربية وبعض من حياتهم، بخلاف طريق يمتلئ بتماثيل يتجاوز عددها 300 عبارة عن جسم أسد ورأس كبش، وهي رموز قوة بالتاريخ المصري القديم”.
وتضم معابد الكرنك أيضا مسلات فرعونية، وتشهد ظاهرة تعامد الشمس كل عام، وتلك المعابد محط زيارة المشاهير من أنحاء العالم، ومكان جاذب لتصوير أفلام سينمائية مثل الفيلم المصري “غرام في الكرنك” عام 1967، وفق شاكر.
وأردف، “ينضم لتلك المشاهد الجاذبة في معابد الكرنك عروض الصوت والضوء، التي تحتاج إلى إضافة الهولوغرام، وهي تقنية تسمح بإنشاء صور ثلاثية الأبعاد، ويمكن من خلالها تقديم الشخصيات الفرعونية بإبهار كبير”.
واقترح شاكر “استخدام ساحات المعابد في تقديم فعاليات غنائية وعروض أزياء عالمية. وفي النهاية، سيكون الزائر لمعابد الكرنك، أمام مشاهد خيالية لم تُر من قبل تستعرض تاريخ مصر القديم بعبقرية وإبداع”.