لماذا يشعر البعض بالرغبة الشديدة في الذهاب إلى الحمام أثناء الجري؟ سؤال أجابت عليه تريشا باسريشا، الحاصلة على دكتوراه في أمراض الجهاز الهضمي من جامعة هارفارد، في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” مؤخرا، بقولها “إن ممارسة التمارين الرياضية التي تتراوح بين المتوسطة والشديدة، لها تأثيرات عديدة على الأمعاء”، وهي تأثيرات تشمل تقلصات البطن المؤلمة، وحرقة المعدة والغثيان والقيء والإسهال، وحتى النزيف المعوي.

مستشهدة بما حدث للمتسابق الفرنسي ليوهان دينيز، المرشح الأوفر حظا للفوز بسباق المشي 50 كيلومترا للرجال في أولمبياد ريو 2016، عندما انهار في منتصف السباق “بسبب اضطرابات الجهاز الهضمي”.

بالإضافة إلى نتائج مراجعة نُشرت عام 2009، وأظهرت أن “70% من الرياضيين يعانون من الأعراض المعوية الناجمة عن الجفاف ونقص تروية الأمعاء، جرّاء التمارين المكثفة وما تتضمنه من حركة جسدية متدافعة، تحفز الإفرازات لديهم، وتمنعهم من المشاركة في التدريبات والمسابقات”.

كما أشار الباحثون إلى أن معدل تكرار الإصابة يزيد أثناء الجري بمقدار الضعف تقريبا، مقارنة بالرياضات الأخرى التي تتطلب التحمل مثل السباحة وركوب الدراجات.

تأثير الجري المكثف على حركة الأمعاء

لأن التمارين الرياضية “تعمل على تسريع معدل دفع القولون لمحتواه من الفضلات نحو الأسفل”، وفقا للأبحاث، فقد دأبت الدكتورة باسريشا على نصح مرضاها الذين يعانون من الإمساك “بالنهوض والجري كل صباح”. حيث وجدت بعض الدراسات أن بذل الجهد في التمرينات المكثفة، قد يخفض ​​تدفق الدم إلى الأمعاء بنسبة 20%، حيث يقوم الجسم أثناء الجري بتحويل الدم إلى العضلات، مما يؤدي إلى “عدم حصول القولون على ما يكفي من الأكسجين، ومن ثم الشعور ببدء الاضطرابات”.

وهو ما أكده باحثون بريطانيون في دراسة نُشرت عام 2021 وأظهرت أن مشاكل الأمعاء ربما كانت السبب في انهيار العدائين الذين سقطوا أثناء الماراثون.

وفي دراسة أجريت على عدائي الماراثون ونُشرت عام 2015، “عانى 96% منهم من أعراض الجهاز الهضمي أثناء الجري”. كذلك وجدت دراسات أخرى أن 12% من العدائين لمسافات طويلة “لم يستطيعوا التحكم في عملية الإخراج أثناء الجري”، وأرجع الباحثون ذلك إلى “ضغط القولون المُتشنج – بفعل حركة الجري- على العضلة العاصرة الشرجية، لدرجة قد تُضعف قدرتها على التحكم”. كما يمكن أن تتسبب التمارين الرياضية المكثفة في إرخاء العضلة العاصرة التي تربط المريء بالمعدة، مما يؤدي إلى “تفاقم الارتجاع الحامضي والغثيان”.

وتوضح الدكتورة لورين بوروفسكي، اختصاصية الطب الرياضي، أن “انخفاض تدفق الدم إلى الأمعاء يؤثر سلبا على عملية الهضم، التي تحتاج إلى الكثير من الدم”، يُضاف إلى ذلك “الجهد الحركي الجسدي” خلال الجري، وما يمكن أن يسببه من غثيان أو إسهال أو تشنج أو رغبة مفاجئة في الإخراج، “خاصة إذا كان الشخص يجري بمعدة ممتلئة”. كما يمكن أن تتفاقم هذه الأعراض “إذا كان الشخص مصابا بالجفاف، أو تناول أطعمة صعبة الهضم قبل التمرين، مثل الكربوهيدرات المعقدة أو الألياف أو البروتين”.

أعراض مُحرجة يمكن تلافيها

لكن الخبر السار أن هذه الأعراض قد تختفي من تلقاء نفسها غالبا “بمجرد التوقف عن ممارسة التمرينات المكثفة”، بحسب باسريشا، التي توضح أنه رغم أن “النشاط البدني يساعدنا على البقاء لائقين ويرتبط بانخفاض خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم بنسبة 7%”، فإنها لا تنصح بدفع الجسم إلى ما هو أبعد من حدوده للوصول إلى هدف “قد لا يكون صحيا في النهاية”.

وتؤكد أن “الشعور بالغثيان أو سلس الإخراج أو النزيف أثناء التمرين”، يعني أن جسمك يطلب منك التوقف، “ويرجو منك الاستجابة لهذا النداء”.

نصائح لتجنب الأعراض المفاجئة أثناء الجري

لأن قطع التمرين من أجل البحث عن مرحاض بشكل عاجل، يُعد أحد المشاكل المُزعجة، قدم الخبراء بعض النصائح للتقليل من فرص حدوثه لتجنب هذه الأعراض المفاجئة، من أهمها:

  • تجنب تناول الوجبات قبل التمرين بساعتين إلى 3 ساعات، وخصوصا الوجبات الغنية بالدهون أو الألياف، “حيث تستغرق وقتا أطول للهضم، مما قد يؤدي إلى تفاقم أعراض الغثيان والارتجاع الحمضي”، بحسب الدكتورة باسريشا. كما تنصح الدكتورة بوروفسكي بتناول الأطعمة التي تحتوي على كربوهيدرات بسيطة، مثل الموز، قبل ساعتين إلى 3 ساعات من الجري، بدلا من الأطعمة التي تحتوي على الكثير من الألياف أو الكربوهيدرات المعقدة، مثل التوت أو خبز القمح الكامل.
  • أيضا، يوصي الخبراء بالابتعاد عن “الأطعمة المسببة للغازات قبل الركض، مثل الذرة والبطاطس والبروكلي والملفوف والعدس والقرنبيط”.
  • تجنب مشروبات الطاقة والقهوة وعصير الفاكهة، فهي تسحب السوائل من مجرى الدم إلى الأمعاء، “مما يزيد من فرص الإصابة بالجفاف”، بالإضافة إلى أن “القهوة تُعد محفزا قويا لتقلصات القولون”، كما تقول الدكتورة باسريشا. والأفضل – بحسب قولها- هو تناول رشفات صغيرة ومتكررة من المشروبات الرياضية، “التي تساعد في تعويض السوائل المفقودة بسرعة بسبب العرق”.
  • احرص على الترطيب أثناء التمرين، حيث تُشدد الدكتورة بوروفسكي على أهمية البقاء رطبا، وتشير دراسة أجريت على 1281 من عدّائي المسافات الطويلة، إلى أن “مشاكل الجهاز الهضمي كانت أسوأ بين أولئك الذين لم يمارسوا الترطيب أثناء التدريب”. لذا، يوصي الخبراء “بالتأكد من شرب الكثير من السوائل قبل ساعتين من الجري، وتجنب المياه الغازية”.
  • تجنب بعض الأدوية، حيث يمكن لتناول الأدوية المضادة للالتهابات غير الستيرويدية – مثل الإيبوبروفين – لعلاج آلام المفاصل والعضلات قبل التمرين، أن يزيد من تلف بطانة الأمعاء وفقدان الدم، في وقت يكون فيه الجهاز الهضمي تحت الضغط بالفعل، وبدلا من ذلك، تنصح الدكتورة باسريشا باستعمال أكياس الثلج أو الكريمات الموضعية.
  • حاول الذهاب إلى الحمام قبل الجري، حيث يمكن أن يؤدي تناول أو شرب شيء صغير عند الاستيقاظ إلى تنشيط الأمعاء وتحفيز الإخراج، وعدم الحاجة إلى استخدام الحمام أثناء الجري.
  • ركز على التنفس أثناء الجري، بأخذ الشهيق من خلال الأنف، والزفير من خلال الفم، لابتلاع كمية أقل من الهواء، والتقليل من كمية الغازات.
  • لا تهمل البيانات، فإذا كان لديك ساعة ذكية أو جهاز لقياس معدل ضربات القلب، فتحقق مما إذا كنت تميل إلى الشعور بالغثيان أو التشنج أو أعراض الجهاز الهضمي الأخرى، “عندما يتجاوز معدل ضربات قلبك الحد الطبيعي”.
  • احصل على قسط جيد من النوم، فالقلق واضطرابات النوم، يرتبطان بزيادة مشاكل الجهاز الهضمي.
شاركها.
Exit mobile version