يعد الاعتذار عن الخطأ من سمات الأدب وحسن التربية واحترام الآخر. ولكن الإفراط في الاعتذار قد يضر أكثر مما ينفع، رغم أنه دلالة على رغبة الشخص في تصحيح الأخطاء والعمل على التحسين من سلوكياته اتجاه الآخرين.

فما الذي يجعل البعض يبالغون في الاعتذار؟ وكيف يمكن التخلص من هذا السلوك غير الضروري؟

الاعتذار واجب إنساني واجتماعي

تقول الباحثة والمستشارة الاجتماعية الدكتورة فاديا إبراهيم للجزيرة نت إن “الاعتذار ضروري، وواجب إنساني واجتماعي، ويدل على الوعي واحترام الآخرين وتقدير مشاعرهم، لكنه في المقابل يجب أن يكون بقدر معين، وطريقة محددة تتناسب مع حجم الموقف، لا أقل ولا أكثر. المبالغة في الاعتذار غير ضرورية أبدا، وتنم عن قلة الثقة بالنفس وقلة احترام الذات”.

وتضيف، “يبالغ البعض بالاعتذار نتيجة لعدم التوازن وغياب الحكمة في ردود الفعل، وربما تكون نتيجة تعود سلوكي، أو أن الأطراف الأخرى هي من يدفعنا أحيانا للمبالغة في اعتذارنا، لأنها شخصيات نرجسية أو تفتقر للمستوى الكافي من المسامحة أو التسامح وقبول الأخطاء. كما يحدث ذلك أحيانا بسبب خوفنا من خسارة بعض الأشخاص، نتيجة المبالغة أيضا في حبنا لهم”.

دوامة نفسية

وتقول إبراهيم إن المبالغة بالاعتذار قد توصل صاحبها إلى دوامة نفسية وشعورية صعبة، فيعيش في دور “الضعيف”، وقد يتم ابتزازه عاطفيا من قبل الطرف الآخر، وغالبا ما يصل إلى مستويات مرتفعة من تأنيب الضمير، فيعيش في حالة قلق وإحباط دائمين، ويقسو على نفسه بشكل كبير.

وللتخلص من هذا السلوك السلبي تنصح إبراهيم بأن ندرب أنفسنا على إخضاع كل المشكلات التي نمر بها للتقييم العقلي قبل العاطفي، ومراجعة أنفسنا كيف أخطأنا ولماذا، وهل يستحق الخطأ اعتذارا؟

وإن كان كذلك، أي درجة أو مرحلة من الاعتذار يستحق الموقف، دون أن نضر صحتنا النفسية، ودون أن نمس كرامتنا وذواتنا.

وهذا يتحقق أكثر عند الأشخاص الذين يمتلكون مهارة حل المشكلات، ويمكن أن ندرب أنفسنا على هذه المهارة لنصل إلى مرحلة التوازن في حل مشكلاتنا واعتذاراتنا.

ويجب ألا تسيطر علينا المشاعر السلبية، ولا نلوم أنفسنا بشكل كبير، لأن الخطأ وارد في التفاعلات الاجتماعية والإنسانية، وفق إبراهيم.

تطوير الثقة بالنفس

وتقول إبراهيم إن تطوير الثقة بالنفس جزء أساسي للتخلص من سلوك المبالغة في الاعتذار خصوصا بين الأزواج. والحرص على عدم الوقوع كضحايا للطرف الآخر، وأن ندرس سلوكه ونفسيته بشكل جيد، وأن يكون لدينا درع واق من كلمات الآخر وتصرفاته، ولا نفكر في ردود فعله الدرامية.

وتضيف “علينا أن نقدر خطأنا من وجهة نظرنا نحن، وليس من وجهة نظر الطرف الآخر فقط، وأن نحكم العقل في كل خطوة”.

وفي بعض الحالات يمكننا طلب النصيحة من أشخاص من أصحاب الحكمة، أو حتى اللجوء إلى المختصين في السلوك لمساعدتنا على تجاوز هذه المشكلة أو هذه الصفة، وفق إبراهيم.

كما علينا أن ندرك أن الاعتذار قانون يطبق على الجميع، ولا نلتفت لبعض التقاليد المجتمعية التي تعطي بعض الفئات أهمية أكثر من غيرها، مثل وجوب اعتذار الزوجة بشكل دائم ومبالغ فيه للزوج، أو أن الزوج أيضا يجب أن يعتذر للزوجة إذا لزم الأمر، وليس بشكل دائم.

وتوضح “حتى الأبناء في بعض المواقف يجب أن نعتذر لهم إن أخطأنا في حقهم، فهذا يدل على احترامنا وتقديرنا لمشاعرهم وإنسانيتهم، حتى لو كانوا صغارا في السن”.

فن الاعتذار

تقول المستشارة وخبيرة الإتيكيت رامه العساف الاعتذار فضيلة سامية تعبر عن الأخلاق العالية للفرد وليس نقيصة، فهو يعبر عن شخصية قوية متزنة تدل على الرغبة الصادقة بدوام المحبة، وتوثيق روابط العلاقات وتوطيدها، لذلك فهو واجب عند الخطأ.

وليستطيع أي شخص تقديم الاعتذار بصورته الصحيحة دون مبالغة عليه أن يتقن فن الاعتذار، وفق العساف، ومن أهم قواعده:

  • الاعتذار المباشر الشفوي.
  • الاعتذار أمر واجب للقريب والبعيد.
  • الاعتذار بشكل غير مباشر.
  • السرعة في تقديم الاعتذار.
  • عدم الإلحاح والتكلف في تقديم مشاعر الاعتذار.
  • لا تبرر الخطأ عند الاعتذار.
  • اختيار الوقت المناسب للاعتذار.

كثرة الاعتذار والشعور بالندم!

تقول العساف، كثير من الأشخاص يبادرون بكثرة الاعتذار لشعورهم بالندم عن الأفعال أو الكلمات، كما أن الاعتذار له اعتبار ثقافي واجتماعي، ويعد مظهرا من مظاهر الأدب والاحترام. وكثرة الاعتذار دلالة على الرغبة الدائمة عند الأشخاص في تصحيح الأخطاء والعمل على التحسين من سلوكياتهم اتجاه الآخرين.

وتضيف “يعتبر الخوف من العواقب السلبية لعدم الاعتذار، كفقدان الثقة أو خسارة العلاقات أكثر ما يشغل بال الأشخاص، فلذلك نجدهم يكثرون من الاعتذار بسبب القلق المستمر حول تأثير أفعالهم على الآخرين، والرغبة الدائمة في تقديم الاعتذار حتى في حالة الشك بالذنب، لذا يجب الاستماع بصبر للتعبير عن المشاعر واحترامها، وتقبل الاعتذار مع تجنب تكرار الخطأ في المستقبل، لضمان صفاء النفوس”.

وتطبيق قواعد الاعتذار يجعله اعتذارا صادقا وفعالا، دون تكلف أو مبالغة، مما يظهر حرص الأشخاص على تجديد علاقاتهم، ويعكس شيمة التسامح واللين فالاعتذار من شيم النبلاء، فالشعور بعدم الارتياح والضيق عند عدم الاعتذار يجعل الأشخاص يبالغون فيه، حتى وإن كان لا يتطلب الموقف الاعتذار، وفق العساف.

نصائح مهمة

وبحسب ما نشر موقع “سيكولوجي توداي” فإن الإفراط في الاعتذار يزيد من قلقك بشأن الموقف. فأنت من غير قصد تجعل قلقك أقوى وأكثر ثباتا، كلما بالغت في الاعتذار.

لذلك، إليك خطوات بسيطة تساعدك في التخلص من مشاعر القلق والإفراط في الاعتذار:

  • قم بتسمية ما تشعر به “ألاحظ أنني أشعر بالنشاط”، أو “أدرك أنني أعاني من القلق”.
  • ذكر نفسك بألا تتصرف وكأنك في خطر. فأنت ببساطة تشعر بعدم الارتياح، وهذا ليس خطيرا، لا تتعامل مع الأمر كخطر حقيقي.
  • أظهر لعقلك أنك آمن (قم بتقوية عضلاتك، وأطل أنفاسك، أرخ فكك، أرح أكتافك، وما إلى ذلك).
  • ذكر نفسك أن المشاعر ليست خطيرة، إنها تجارب مؤقتة ستمر من تلقاء نفسها، ولا تحتاج إلى فعل أي شيء.
  • أعد توجيه انتباهك إلى شيء تفعله في ذات الوقت الذي تشعر فيه بالقلق.
شاركها.
Exit mobile version