من منّا لم يفقد شعوره بالوقت بين الفينة والأخرى، لكن سوء التقدير للوقت قد يتحول أحيانا إلى إخفاق متكرر في الالتزام بالمواعيد وفشل في الانتهاء من المهام على موعدها دون تسويف أو تشتت.

ويعاني الأشخاص المصابون بتلك الحالة من متلازمة “عَمَى الوقت” أو (Time Blindness).

ما عمى الوقت؟

يشير المصطلح إلى عدم القدرة على التعرف على الوقت الذي انقضى، أو تقدير المدة التي سيستغرقها شيء ما، أو حتى الالتزام بالجداول الزمنية، أو تقدير على الوقت اللازم لبدء المهام أو إنهائها.

وعادة ما يحدث “عمى الوقت” كنتيجة طبيعية للتركيز المفرط، أو الانغماس في نشاط ما لدرجة أنك تقوم بحجب كل شيء آخر من حولك، وتفقد إحساسك بالزمن.

ارتباط بـ”تشتت الانتباه وضعف التركيز”

وعلى الرغم من أن الجميع يعاني من درجاتٍ ما من “عمى الوقت” في بعض الأحيان، فإن أولئك المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه يكونون أكثر عرضة، نتيجة لأنهم يواجهون صعوبة في تقدير المدة التي يستغرقها القيام بشيء، ويعانون من فقدان الإحساس بالزمن.

وبالعموم، يُعرف الأشخاص المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بعجزهم عن الانتباه، والتشتت، وتضييع الكثير من الوقت. من ناحية أخرى، قد يكون الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب أكثر عرضة للتركيز المفرط على أنشطة معينة وعدم ملاحظة الزمن.

ويميل هؤلاء إلى امتلاك انتباه تلقائي قوي للغاية، لذلك يمكنهم بسهولة الغرق في “التركيز المفرط” عندما يفعلون شيئا يحبونه، لكن تجد أدمغتهم صعوبة أكبر في استخدام الانتباه الموجه.

لذلك، يتجنب العديد المصابون بفرط الحركة ونقص الانتباه، المواقف التي تستدعي استخدام الانتباه الموجه.

لماذا نُصاب بـ”عمى الوقت”؟

يقوم الدماغ بالتبديل باستمرار بين نوعين من الانتباه اعتمادا على الموقف الذي نخوضه، ويُطلق عليهما اسم الانتباه التلقائي والانتباه الموجه.

يستجيب “الانتباه التلقائي” لشبكة في الدماغ تسمى “الوضع الافتراضى”، وهو النظام المريح للتركيز وما تستخدمه عندما تفعل شيئا تجده مثيرا للاهتمام، مثل الانغماس في نشاط محبب لك، إذ إنه “يسرق منك الوقت” لأنك تقضي لحظات ممتعة. وهو في الأساس نظام التحكم في السرعة المتوسطة لعقلك.

أما “الانتباه الموجه”، فهو ما نستخدمه عندما ننخرط في أشياء يجب علينا القيام بها، ولكننا لا نريد بالضرورة القيام بها. ويمكن أن يشمل ذلك أشياء مثل الاستماع إلى محاضرة مملة، خاصة في المدرسة أو الجامعة. أو القيام بتصفح رسائل البريد الإلكتروني في عملك.

وبالتالي فإنه ليس عملا مُحفزا بالنسبة لك، ويتطلب الأمر جهدا كبيرا في بعض الأحيان لمنع عقلك من الانجراف في أحلام اليقظة والتخيُّلات، لأن دماغك يريد العثور على شيء أكثر متعة حتى يتمكن من العودة إلى وضعية “الانتباه التلقائي” المريحة له.

وفي حال المعاناة من عَمَى الوقت، فإن الشخص حينها يكون على وضعية الانتباه التلقائي، لأنه منغمس في شيء ما ومتحمس له، وبالتالي لا يلاحظ الوقت.

أبرز أعراض عمى الوقت

تتباين أعراض عَمىَ الوقت من متوسطة إلى شديدة، استنادا إلى شدة اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، إضافة لنوع البيئة التي يعيش فيها.

ومن بين الأعراض الأكثر شيوعا:

  • التغيب المتكرر عن المواعيد، وصعوبة متابعة الجداول الزمنية ونسيان الالتزامات المهمة مثل زيارات الطبيب أو اجتماعات العمل.
  • صعوبة التخطيط وتقسيم المهام المستقبلية الكبيرة بسبب الافتقار إلى الإحساس الواضح بكيفية مرور الوقت.
  • التأخر المستمر، بسبب عدم تقدير الوقت الذي يستغرقه الاستعداد.
  • الشعور بأن الوقت يتحرك بسرعة كبيرة أو ببطء شديد، مما يجعل من الصعب التخطيط.
  • عدم الالتزام بالمواعيد النهائية، مثل تسليم المهام متأخرا أو نسيان دفع الفواتير.
  • التسويف، وغالبا ما يؤدي عدم إدراك الوقت إلى تأجيل المهام، والاعتقاد بأن هناك وقتا متاحا أكثر مما هو موجود بالفعل، مما قد يؤدي إلى الاستعجال في اللحظة الأخيرة.
  • الشعور بعدم الإنتاجية أثناء انتظار حدث معين، مما يؤدي إلى إهدار الوقت.
  • التركيز فقط على الحاضر أو على المكافآت الفورية، دون النظر في العواقب المستقبلية أو الأهداف طويلة المدى.
  • صعوبة تحديد الأولويات، وإيجاد صعوبة في ترتيب المهام بالترتيب الصحيح، مما يجعل من الصعب إكمال الأنشطة بكفاءة.
  • الإفراط في الالتزام، ويحدث ذلك نتيجة سوء تقدر الوقت والجهد اللازمين لإتمام المهام والمشاريع، وبالتالي تحميل الشخص نفسه فوق طاقتها.

العلاج والتعامل مع الاضطراب

يوضح خبراء الصحة النفسية والعقلية أن علاج عَمَى الوقت أو العمى الزمني قد يشمل مبدئيا العلاج السلوكي المعرفي (CBT). إذ يمكن أن يساعد في تطوير مهارات إدارة الوقت وتحسين الوعي بالتحديات المتعلقة بالزمن.

كذلك في بعض الحالات يمكن اللجوء لأدوية اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، إذ تشير الدراسات إلى أن الأدوية المنشطة تميل إلى تحسين إدراك الوقت. ويُعتقد أن هذا مرتبط بتنظيم مستويات الدوبامين في الدماغ، وهو الهرمون الذي يلعب دورا مهما في الانتباه وإدراك الوقت.

كما يمكن دوما الاستفادة من الدعم العلاجي مع معالج أو مدرب متخصص في إدارة الوقت للحصول على إرشادات وإستراتيجيات قيّمة لتنظيم الوقت والجهد والانتباه. ومن بين الإستراتيجيات الأهم:

  • استخدام المنبهات وجداول المهام المرئية بمواعيد زمنية واضحة لكل مهمة أو نشاط، ويمكن أن يساعد هذا في ترتيب اليوم وإدارة الوقت.
  • تقسيم المهام إلى خطوات أصغر أكثر قابلية للإدارة مع أطر زمنية محددة.
  • تحديد روتين يومي والالتزام به قدر الإمكان لتنظيم إحساسك الداخلي بالوقت.
  • اليقظة ومعالجة التوتر، إذ يمكنهما تعزيز قدرتك الشخصية على قياس الوقت وتقليل الشعور بالفوضى وفقدان السيطرة.

وبشكل عام، إذا شعرت أنك تعاني دون جدوى، من الضروري حينها الاستعانة بالخبراء المختصين في العلاج السلوكي وعلم النفس لمساعدتك على وضع خطة للعلاج.

شاركها.
Exit mobile version