القاهرة- بينما كان المحاسب المصري محمد عبد الراضي يستعد لصعود سيارته والذهاب إلى العمل، لاحظ شيئا غريبا يتحرك أسفل السيارة.

توقع الشاب الذي يعيش في منطقة شعبية بأحد أحياء محافظة الجيزة، أن يجد قطا أو كلبا ضالا تحت سيارته يتقي بها حرارة الشمس، لكن المفاجأة التي تصل إلى حد الصدمة أنه وجد تمساحا صغيرا.

كان وصول التمساح الصغير إلى تلك المنطقة الشعبية المكتظة بالسكان مثيرا للدهشة والتساؤل والرعب، وفق حديث عبد الراضي للجزيرة نت، قبل أن يتضح أن أحد سكان الحي “يربي التماسيح” في منزله، وأن التمساح الصغير غافله وقفز من الشرفة ليجد مخبأ أسفل السيارة.

أثارت الواقعة سكان المنطقة، وواجهوا جارهم الذي أقرَّ بتربية التماسيح، مبررا ذلك تارة بأنها هواية وتارة بأنها تجارة، لكنَّ قرار السكان كان حاسما: “لا بد من نقل هذه الكائنات الخطرة خارج المنطقة السكنية فورا”. استجاب الرجل، لكن لا أحد يعرف إلى أين نقلها، وفقا لعبد الراضي.

(وقعه وفضل يعض فيه).. المداخلة الكاملة لـ د. إيمان عبدالمحسن زوجة المواطن الذي تعرض لهجوم كلب بيتبول

على الرغم من لحظات الرعب، مرَّت الواقعة بسلام دون تعرّض أي شخص لأذى، لكن النهاية كانت مأساوية في وقائع أخرى جراء اقتناء حيوانات خطرة وكلاب شرسة في مناطق سكنية، إذ أدت إلى إصابات خطيرة وحالات وفاة، كان آخرها وفاة مدير شاب في أحد البنوك بعدما عضه كلب شرس تملكه مذيعة مشهورة في مارس/آذار الماضي.

أثار الحادث الأخير الذي وقع في منطقة الشيخ زايد ضجة واسعة في مصر، وانطلقت دعوات تطالب بالتصدي الحاسم لهذه الظاهرة، مما دفع مجلس النواب المصري إلى التسريع في وتيرة مناقشة مشروع القانون الخاص بحيازة الحيوانات الخطرة والكلاب، ليقرّه بشكل نهائي الأسبوع الماضي.

وقد استهدف القانون تجريم اقتناء الحيوانات الخطرة والكلاب الشرسة إلا لجهات معينة، وتنظيم ظاهرة اقتناء الكلاب المستأنسة وترخيصها، ووضع إجراءات لمعالجة مشكلة الكلاب الضالة التي تهدد حياة الناس.

وحوش في الشارع

وانتشرت في مصر في السنوات الأخيرة ظاهرة اقتناء الكلاب الشرسة بشكل كبير، سواء في المناطق الراقية أو الشعبية.

وأصبح تجول مجموعات من الشباب رفقة هذه الحيوانات وتحريضها على مهاجمة الآخرين -سواء للدعابة أو في المشاجرات- من المشاهد المألوفة في الشارع المصري، فضلا عن اقتناء بعضهم حيوانات خطرة وشرسة، كالأسود والنمور والثعابين السامة… وحتى الثعالب والذئاب. وتحظى قنوات “يوتيوب” متخصصة في التعريف بأماكن بيع الحيوانات الخطرة في مصر وأسعارها والتفاخر بشراستها بآلاف المشاهدات والإعجابات.

ويتم استيراد أنواع كثيرة من الحيوانات الخطرة والكلاب الشرسة من الخارج، كما تباع بواسطة مزارع متخصصة في مصر، إلى جانب انتشارها في الأسواق الشعبية، مثل سوق الجمعة في منطقة السيدة عائشة، حيث تباع الثعابين والعقارب والتماسيح وغيرها من الحيوانات الخطرة على الأرصفة، بالإضافة إلى الكلاب بأنواعها المختلفة.

ملايين الكلاب الضالة

وتعاني مصر من ظاهرة انتشار الكلاب الضالة في الشوارع، والتي قدرتها بيانات سابقة لوزارة الزراعة المصرية بنحو 15 مليون كلب ضال، بينما تشير تصريحات مسؤولين في الهيئة العامة للخدمات البيطرية إلى أن الرقم لا يتجاوز 6.5 ملايين كلب ضال.

وبحسب تقديرات وزارة الصحة المصرية، فقد تعرّض نحو مليوني مواطن لحوادث عَقر (عضّ) أو هجوم من كلاب ضالة أو مملوكة لأشخاص عام 2020. ويزداد هذا الرقم سنويا بنسبة 20%، بحسب تصريحات وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، توفيت طبيبة مصرية إثر إصابتها بسكتة قلبية بعد مطاردتها من كلاب ضالة في منطقة حدائق الأهرام.

وقبل سنوات، شهدت قرية كفر حميد بمركز العياط في محافظة الجيزة حادثا مأساويا، راحت ضحيته طفلة صغيرة افترسها نمر هارب من مزرعة للحيوانات مفترسة يمتلكها أحد رجال الأعمال.

ووفقا لإحصاءات طرحها النواب خلال مناقشة القانون، تتسبب الحيوانات الخطرة والكلاب الضالة بشكل خاص في حوالي 400 ألف حالة عَقر سنويا، وتكلف الدولة 15 مليار جنيه (الدولار يساوي 31 جنيها تقريبا بالسعر الرسمي) لاستيراد الأمصال اللازمة.

ردع القانون

وينظم القانون الجديد حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب وسائر العمليات المتعلقة بها، سواء بالبيع أو المبادلة أو الاستعارة أو نقل الحيازة أو الاستيراد أو التصدير أو النقل من مكان إلى آخر.

وحدد القانون قائمتين بالحيوانات الخطرة المحظور حيازتها أو تداولها أو إكثارها، تضم الأولى 16 نوعا من الكلاب الشرسة، مثل “بيت بول” و”روت وايلر” و”بول ماستيف” و”دوبر مان” و”كين كوروسو” و”جيرمن شيبرد”، والثانية تضم الحيوانات والزواحف والطيور الخطرة والشرسة، مثل الأسود والفهود والنمور والضباع والقطط البرية والثعابين السامة والحيّات والتماسيح والعقارب والدببة والذئاب والثعالب والقردة.

واستثنى القانون من الحظر الوزارات والهيئات العامة والأشخاص الاعتبارية العامة، والمؤسسات البحثية العلمية التي تقتضي طبيعة عملها التعامل مع الحيوانات الخطرة، وحدائق الحيوان والمتنزهات الحيوانية والسيرك والمراكز المتخصصة في رعاية الحيوانات وإيوائها، و”غير ذلك من الحالات التي تحددها اللائحة التنفيذية”.

كما ألزم القانون حائزي الحيوانات الخطرة -غير الجهات المستثناة- بتسليمها إلى الهيئة العامة للخدمات البيطرية خلال شهر من صدور اللائحة التنفيذية للقانون، كما اشترط على مالكي الكلاب المستأنسة التعهد بعدم تشريسها أو تغيير سلوكها الأليف.

وتضمن القانون فرض عقوبات تشمل الغرامة والسجن لمدد مختلفة بحسب نوعية المخالفة، تبدأ بعقوبات صغيرة على مخالفي القانون ومحرّضي الكلاب على الوثب على المارة. وتتصاعد في حالات تعريض الممتلكات والأرواح للخطر، والتعدي الذي يفضي إلى مرض أو عجز، وصولا إلى حالات التعدي المتعمّد التي تسبب القتل، وتصل عقوبتها إلى السجن المشدد 20 عاما.

لكن القانون فتح بابا للتصالح في الحالات التي لم ينتج عنها وفاة أو إصابة أو إضرار بالممتلكات، شرط إزالة أسباب المخالفة ودفع مبالغ مالية تختلف وفقا لحالة الدعوة، حتى في حالة صدور حكم نهائي فيها.

كما أجاز القانون الصلح في الأحوال التي ينتج عنها موت أو إصابة أو إضرار بالممتلكات، سواء كان الاعتداء من دون قصد أو متعمّد، وفقا لأحكام قانون الإجراءات الجنائية.

سدّ الثغرات

واعتبر قانونيون أن تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب كان أمرا ضروريا للقضاء على هذه الظاهرة التي تسببت في حوادث مميتة ومفجعة.

ويرى الخبير القانوني المحامي طه محمد أن القانون وضع ضوابط جيدة لإحكام السيطرة على هذه الظاهرة، مشيرا إلى حظره امتلاك الأفراد الحيوانات الخطرة ومنع وجودها في المجمّعات السكنية والأماكن العامة، ووازن بين اتخاذ الإجراءات الاحترازية لحماية المواطنين من خطرها وفي الوقت ذاته توفير الرعاية لهذه الحيوانات.

وحذّر محمد خلال حديثه للجزيرة نت”، من استغلال بعض الاستثناءات الموجودة في القانون، لتكون أبوابا خلفية لامتلاك الأفراد حيوانات خطرة بشكل قانوني عبر الجهات التي لا يشملها حظر الاقتناء، أو إساءة استغلال المادة الخاصة باستثناء وزارتي الدفاع والداخلية والجهات التابعة لها من أحكام هذا القانون.

ويتحفّظ الخبير القانوني على فتح باب التصالح في حالات الاعتداء المتعمّد، مشيرا إلى أن هناك حالات إجرامية وبلطجة تستخدم فيها الكلاب الشرسة، وقد يجبر الجناة ضحاياهم على التصالح بالترهيب.

كما يدعو المحامي المصري السلطات إلى العناية بصياغة اللائحة التنفيذية للقانون، لسد أي ثغرات قد تستغل في تفريغه من مضمونه أو تفتح الباب لاستمرار هذه الظاهرة القاتلة.

شاركها.
Exit mobile version