“الجميع قادرون على التفكير الإبداعي”، هذا ما توصل إليه الدكتور أنتوني دي. فريدريكس، أستاذ التربية الفخري بجامعة بنسلفانيا، بعد 4 عقود من العمل الأكاديمي، ألّف خلالها 100 كتاب حول الإبداع والمبدعين. مُوضحا أن من الأخطاء الشائعة عدم إدراك أهمية العادات والأشياء المميزة التي اكتسبناها في الطفولة، واعتبارها غير ذات قيمة، وعدم الاستفادة منها عند الدخول إلى سوق العمل”.

أيضا، وبحسب سكوت باري كوفمان، المدير العلمي في مركز علم النفس الإيجابي بجامعة بنسلفانيا، فقد أثبت العلم “أننا جميعا مُؤهلون للإبداع بطرق مختلفة”، سواء من خلال التجربة الشخصية، أو اكتشاف فكرة جديدة، أو التعبير عن أنفسنا عبر الصور والأزياء وغيرها من الإبداعات اليومية.

ورغم أن معظم الناس يعتقدون أن “الإبداع لغز”، كما يقول المؤلف ومدرب أسلوب الحياة المعتمد، شون دويل، فإن الحقيقة هي أن “الإبداع عادة” تنشأ من مجموعة من العادات اليومية المنتظمة والمتسقة.

لذا، قد يتمتع الجميع بالقدرة على الإبداع، والدليل على ذلك هو “أنك كنت مبدعا للغاية عندما كنت طفلا”، فإذا كنت تريد أن تكون أكثر إبداعا، فابذل جهدا للتركيز على بعض العادات اليومية للأشخاص المبدعين.

الذكاء ليس شرطا للإبداع

تقول الدكتورة ثيديا سمارا، الباحثة في علم الأعصاب الجمالي، “إن الإبداع هو قوة يمكنها أن تغذي الابتكار، وتحدث تغييرا إيجابيا في حياتنا، وهو ليس موهبة فطرية محجوزة لقلة مختارة من الناس، بل قدرة عقلية على التفكير خارج الصندوق، ومجموعة من العادات، التي يمكن لأي شخص اكتسابها وتنميتها بالمثابرة والمواظبة”.

لذا لا يوجد أي دور للذكاء أو معدلاته عند الحديث عن الإبداع، “فمستوى الذكاء المرتفع ليس شرطا أساسيا للإبداع، ولا علاقة بين كونك ذكيا للغاية، ومبدعا للغاية”، وفقا للدكتور فريدريكس.

فالإبداع هو مزيج فريد من سمات الشخصية واهتماماتها وتأثيراتها وسلوكياتها المتنوعة، التي تُمارس بشكل نظامي ومنهجي يومي”. والسلوكيات الإبداعية ليست مقتصرة على فئة قليلة من الناس، بل هي متاحة لكل من يتوقون إلى تحسين أو زيادة “حاصل الإبداع لديهم”، من خلال السعي باستمرار إلى تحقيق وتجديد والاستفادة من السمات الإبداعية “يوميا”.

القواسم المشتركة لدى أكثر العقول إبداعا

قدم الدكتور فريدريكس 6 من أهم العادات المشتركة بين الأشخاص المبدعين للغاية، وهي:

  • لا يخافون الفشل

في وصفه للأشخاص المبدعين، يستشهد فريدريكس بقول الفيلسوف الأميركي رالف والدو إيمرسون، “ينجح الناس عندما يدركون أن إخفاقاتهم هي مقدمة لانتصاراتهم”.

موضحا أن أكثر الأشخاص إبداعا، لا يستسلمون للأوضاع النظامية، ولا يكفون عن مغادرة منطقة الراحة الخاصة بهم والانخراط في تجارب جديدة، “لاعتقادهم أن متعة الحياة تكمن في تنوع الخيارات والفرص والبدائل”.

لذلك، نادرا ما يقبلون بإنجاز المطلوب منهم في حدود المتاح، بل يبحثون دائما عن حلول مبتكرة، وأفكار ووجهات نظر متعددة. فهم مغامرون يخوضون المجازفات ويقتحمون المجهول ليس بالضرورة لأنه ناجح، ولكن “لمجرد أنه جديد”. ولا يتوقفون عن طرح الافتراضات وتوقع الاحتمالات، والأهم من ذلك، أنهم لا يخافون من الفشل، “لأنهم يرون فيه فرصة للتعلم”.

  • حالمون يفكرون في الأشياء من منظور خيالي

يقول فريدريكس “إن الوصول بخيالنا إلى السحاب عبر أحلام اليقظة والتفكير في الأشياء من منظور خيالي، هو فرصة لتوسيع آفاقنا والسماح لقوانا الإبداعية بالتطور والازدهار، كما أنه تمرين قوي لدعم التفكير الإبداعي والاحتفاء به”. لذلك يحتفي المبدعون بأحلام اليقظة ويعتبرونها أمرا جيدا، وليست شيئا يحاولون منعه أثناء الاستغراق في الحياة اليومية ونظامها العادي.

  • يقضون وقتا طويلا في الهواء الطلق

“يمكن للطبيعة أن تجعلك مفكرا أكثر فضولا ومرونة”، كما تقول عالمة النفس الأميركية روث آن أشلي، في معرض تأكيدها على أهمية الطبيعة كمصدر للإبداع البشري. موضحة أن “الطبيعة هي المكان الذي يمكن لعقولنا أن تستريح فيه وتسترخي، وتطلق العنان لحل المشكلات والبحث عن حلول، والتفكير بطريقة أكثر إنتاجية”، حيث يوفر الهواء الطلق الفرصة لكي نكون مبدعين وخياليين.

  • متحمسون لتعلم أشياء جديدة

يدرك الأشخاص المبدعون للغاية أن التعليم الرسمي كان مجرد نقطة بداية، لذا فهم “يعشقون مواصلة التعلم مدى الحياة في مجموعة واسعة من المجالات، وغالبا في مجالات لا علاقة لها بتخصصهم”، فعلى سبيل المثال، قد نجد مدرسا يأخذ دورة في الطبخ، وسباكا يذهب في جولة أثرية في اليونان، وطبيب أسنان يقرأ كتبا عن تاريخ الصين.

ولأن كل موقف جديد بالنسبة لهم “هو فرصة للتعلم” وليس بالضرورة وسيلة لتحقيق غاية، فإنهم يُقلّبون في مجموعة متنوعة من الاحتمالات، بدلا من مجرد البحث عن إجابة صحيحة واحدة، ونتيجة لذلك، “غالبا ما يكونون قادرين على رؤية الصورة بمنظور أكبر وإحساس أوضح”.

ورغم أنهم غالبا ما يبدون مستقلين يفضلون العمل الفردي، ويمكنهم التفكير والتصرف واتخاذ قراراتهم الخاصة ومتابعتها بأنفسهم، فإنهم في الوقت نفسه “منفتحون دائما لتبني أي أفكار أو طرق جديدة للقيام بالأشياء”، كما يقول فريدريكس.

  • يجيدون التأمل واليقظة

الأشخاص الأكثر إبداعا “يجعلون التأمل واليقظة جزءا أساسيا ومنتظما من نظامهم اليومي، من أجل تقليل التوتر والمشاعر سلبية”، وخصوصا في مواجهة ضغوط العمل التي يمكن أن تقوض تركيز الشخص وإبداعه. حيث تشير أبحاث من جامعة إيراسموس في روتردام بهولندا، إلى أن “10 دقائق فقط من التأمل يوميا، يمكن أن تزيد من قواك الإبداعية”، لا سيما إذا جعلت التأمل جزءا منتظما من أنشطتك اليومية، حيث تتحقق فوائد التأمل من انتظامك في اقتطاع بعض الوقت للعثور على مكان هادئ للسماح لأفكارك بالتدفق، بما يوفر العديد من الفرص للإبداع.

  • يصقلون حرفتهم كل يوم

يقول فريدريكس “بالنسبة للأشخاص المبدعين للغاية، فإن حرفتهم ليست نشاطا تقليديا هامشيا، بل التزاما مدى الحياة”. فعندما تجعل الإبداع عادة منتظمة، فإنك تدرب عقلك على التفكير الذي يساعد على تحويل التحديات الصغيرة إلى حلول، حتى عندما تبحث عن طريق بديل للوصول إلى مكتبك، بعيدا عن ازدحام حركة المرور في ساعة الذروة على سبيل المثال.

ويُشبّه فريدريكس هذا النهج بالاستعداد للركض في ماراثون عالمي، وما يتطلبه من المواظبة على التدريب لشهور وأحيانا لسنوات، من أجل التأكد من القدرة على المنافسة قبل حلول موعد الحدث الكبير، وكلما زاد التدريب اليومي تزداد احتمالية عبور خط النهاية، “وهو ما ينطبق أيضا على الإبداع”.

شاركها.
Exit mobile version