تسود حالة من الترقب الشديد في قطاع غزة، كما تخيم حالة أخرى من الخوف والترقب البالغ لرد فعل المقاومة على اغتيال 3 من قادتها في قطاع غزة، ورغم الصمت الكبير فإن الأجواء أشبه ما تكون بأجواء حرب.
تعودت إسرائيل أن تسارع الفصائل الفلسطينية للرد على مجزرة غزة التي نفذتها إسرائيل فجر الثلاثاء وأدت إلى استشهاد 15 فلسطينيا بينهم 4 أطفال و4 نساء، و3 من قادة سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ولكن تأخر رد الفصائل لأكثر من 24 ساعة بات يحيّر إسرائيل على المستويين الرسمي والشعبي، ويسبب حالة من الاستنزاف لمؤسستها العسكرية والأمنية.
غزة تتهيأ
في قطاع غزة الذي عادة ما تباغته الضربات الإسرائيلية، أعلنت المؤسسات الفلسطينية الرسمية -حسب مدير مكتب الجزيرة وائل الدحدوح- مجموعة من الإجراءات الأمنية الاستثنائية لمواكبة أي تطورات جديدة، وذلك من قبيل:
– تعليق الدوام في مختلف المؤسسات الحكومية الرسمية والخاصة، إلا في الحدود الدنيا وفي الحالات الضرورية وعلى نطاق ضيق.
– إعادة وزارة الداخلية انتشار عناصرها على نطاق واسع.
– دخول طواقم الإسعاف في حالة استنفار كامل.
كما ألغت وزارة الصحة كل برامجها الروتينية الاعتيادية التي كانت مجدولة على مستوى مؤسساتها، وباتت على أهبة الاستعداد لأي طارئ. وقالت الوزارة إن إغلاق معابر القطاع تسبب في حرمان أكثر من 140 مريضا من العلاج، حيث كانوا ينوون السفر اليوم إلى مستشفيات القدس والضفة الغربية وقد ألغيت حجوزاتهم ومنعوا من السفر، هذا فضلا عن حرمان عدد من الجرحى الذين يحتاجون إلى إجلاء لتلقي العلاج في الخارج.
وانعكست هذه الإجراءات على مختلف الجهات والمؤسسات، فقد أغلقت المؤسسات التعليمية بالكامل، وكذلك المؤسسات التجارية، كما أغلقت الكثير من المحال التجارية أبوابها.
ومع حالة الضبابية والترقب، يسارع سكان القطاع لاقتناء حاجياتهم الأساسية قبل أن يفاجئهم عدوان إسرائيلي جديد.
وفي موازاة ذلك، يحاول الكثيرون التقاط ما يرشح من تصريحات أو إشارات من قادة ومسؤولي الفصائل حول طبيعة رد فعل الفصائل والمآلات المتوقعة للتصعيد الحالي.
وفي ظل الغموض الذي يكتنف المشهد، تتحدث بعض الأوساط أن حالة الانتظار هذه قد تستمر أياما وليس ساعات فقط، وهو ما يعني أن الفصائل تسعى لاستثمار هذه الحالة في استنزاف إسرائيل، وخلط الأوراق أمام مسؤوليها.
إسرائيل تنتظر الرد
على الجانب المقابل لقطاع غزة، يبدو أن حالة الانتظار تثير إرباكا كبيرا في إسرائيل، وتفعل فعلها المؤثر في غلاف قطاع غزة بشكل خاص.
ويشير مراسل الجزيرة إلياس كرام إلى أن “حالة الصمت الفلسطينية أقوى بكثير من أي هجوم صاروخي، لأنها تربك المؤسستين الأمنية والسياسية في إسرائيل، وتخلط أوراق اللعبة من جديد، كما تخلط أوراق ملايين الإسرائيليين في غلاف غزة، بل وأكثر من ذلك في دائرة قطرها 40 إلى 50 كيلومترا”.
ويخشى الكثيرون في إسرائيل -وفقا للمراسل- من أن تستمر تلك الحالة أياما أو أسابيع، وهو ما سيزيد من استنزاف الطرف الإسرائيلي، وهو أمر جديد بالنسبة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي لم تتوقع مثل هذا التصرف من طرف المقاومة الفلسطينية.
وبات من الواضح أن الكرة الآن في ملعب المقاومة، وهي من ستقرر أين سيكون الرد، في حين تتحسب إسرائيل لرد قد لا يكون مقتصرا على غلاف غزة، بل قد يمتد إلى جبهات ومواقع أخرى.
وبينما تقف إسرائيل على قدميها في انتظار معرفة طبيعة الرد المنتظر، تبدو انعكاسات هذا الانتظار “المؤلم” متعددة في غلاف القطاع بشكل أكبر، حيث نزح منه 7 آلاف، وتستعد بلدية سديروت لإجلاء 4500 من المدينة التي يعيش فيها 33 ألف إسرائيلي.
وبالتوازي مع ذلك، يسارع جيش الاحتلال لتحصين مواقعه الحساسة والمكشوفة على طول الحدود مع قطاع غزة.
حرب نفسية أم إعداد لعملية واسعة؟
وقد تفاوتت نظرة المحللين الإسرائيليين وتفسيراتهم لأسباب تأخر الرد الفلسطيني وما الذي تعد له المقاومة، فمنهم من اعتبر أن حركة الجهاد الإسلامي -التي تقول إسرائيل إن العملية تستهدفها- في حالة صدمة، أو أنها تمارس الحرب النفسية، أو تعد لعملية واسعة، أو أنها تريد أن يكون رد الفصائل الفلسطينية موحدا.
وفي هذا السياق، اعتبر عادي كرمي، المسؤول السابق في جهاز الأمن العام الشاباك في حديث لصحيفة معاريف الإسرائيلية، الأربعاء، أن الحركة كانت في حالة صدمة، وهي الآن بصدد صياغة ردها، وتهدف لإشراك حماس وغيرها من المنظمات في عملية الرد.
ورأى أن الرد سيأتي، ولكن السؤال هو ما إذا كان سيأتي بإطلاق صواريخ من قطاع غزة أم أنه سيتمكن من الحشد لهجوم كبير.
وبدورها ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية، أن التقييم الأولي كان أن الجهاد الإسلامي سيطلق الصواريخ فور الاغتيال، وهو تقييم ظهر أنه كان خاطئا، وفي الليلة الماضية استعدّت مؤسسة الدفاع لاحتمال إطلاق الصواريخ ليلا.
وتستعرض الصحيفة مشاهد من الاستعدادات الإسرائيلية لرد المقاومة، حيث يستعد جيش الاحتلال لاحتمال إطلاق الصواريخ، ودخلت الشرطة في حالة تأهب قصوى قرب غلاف غزة، وأغلقت الطرق في منطقة الغلاف وفقا لتعليمات الجيش الإسرائيلي، أما في المنطقة الوسطى -بحسب الصحيفة- فقد ساد روتين متوتر على خلفية عدم اليقين، وفقا لتعليمات قيادة الجبهة الداخلية.
هاغاري: آمل أن نصل إلى نهاية هذا الحدث
بدوره، حذّر الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، من أنه قد تكون هناك تطورات عملياتية، بما في ذلك إطلاق صواريخ من قطاع غزة باتجاه إسرائيل.
وقال في مقابلة مع هيئة البث الإسرائيلي، الأربعاء، إن أي شيء يمكن أن يحدث اليوم، لذلك يجب أن نكون يقظين ومسؤولين.
وتابع هاغاري بشكل مفاجئ وغير عادي، لم يتم إطلاق صواريخ على إسرائيل، حماس هي صاحبة السيادة في غزة وسلوكها يتحدث عن نفسه.
وأضاف: “آمل أن نصل إلى نهاية هذا الحدث، لكن من السابق لأوانه الحديث عن ذلك”.
وقالت صحيفة معاريف الإسرائيلية إن إسرائيل تستعد لعدة أيام من القتال، حيث تقدّر مصادر أمنية أنه إذا انضمت حماس إلى المواجهة فمن المتوقع أن تتوسع العملية وتستمر بضعة أيام على الأقل.
وكان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) قرّر، مساء الثلاثاء أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت مخولان باتخاذ قرارات في هذا الوقت دون عتبة الحرب.
واتفق المجلس على أنه سيجري مناقشات أخرى إذا تطور الوضع، بحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي.
المصدر : الجزيرة + الأناضول + الصحافة الإسرائيلية