وضمن كل البؤر الملتهبة في أنحاء العالم، فإن منطقتنا تشهد تصعيداً خطيراً محوره الأساسي القضية الفلسطينية التي تفرعت منها وبسببها مشاكل جديدة، أصبحت تشكل خطراً متزايداً على الأمن الأقليمي، والذي بدوره سيؤثر على الأمن العالمي. وفي هذا الشأن قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان على هامش منتدى مبادرة الاستثمار الذي عقد مؤخراً في الرياض: «إن أمن المنطقة على المحك إذا لم نعالج حقوق الفلسطينيين، ونجد طريقة للمضي قدماً نحو إقامة دولة فلسطينية»، وأكد أن «الطريقة الوحيدة لنزع فتيل التصعيد في المنطقة هو أن يتخذ الجميع قراراً واعياً، لأن المزيد من التصعيد خطر ويغامر بجميع الأطراف، وكذلك إسرائيل تحتاج إلى وقف التصعيد». هذا هو الموقف السعودي الثابت للمملكة حيال ما يحدث في منطقتنا، والذي تمثل القضية الفلسطينية جوهره، وهذه هي السياسة السعودية المتعلقة به، والتي وصفها الوزير بتأكيده أنه: «لا يوجد أي غموض في السياسة الخارجية السعودية، وأن المملكة واضحة جداً تجاه جميع القضايا، ومنها قضية غزة»، وهذا رد على التخرصات التي يطلقها عمداً بعض المحللين السياسيين الأجانب للتشويش على العمل الدؤوب المخلص الذي تقوم به المملكة للوصول إلى حل جذري ونهائي للقضية الفلسطينية.
إن الرئيس الأمريكي القادم لن يستطيع تجاهل أو تهميش الحراك الدبلوماسي الكبير الذي تقوده المملكة بتكتل عربي وإسلامي ودولي واسع لوقف التصعيد الخطير في المنطقة بسبب التهور الكبير الذي تمارسه إسرائيل منذ عام، وعرقلتها لمبادرات وقف إطلاق النار، وعدم جدية أمريكا في ممارسة الضغط على إسرائيل لإيقاف الإبادة الجماعية الوحشية المستمرة التي تمارسها منذ عام في قطاع غزة، وعربدتها في لبنان، وتوسيع دائرة الحرب في المنطقة. أمريكا حتى لو كانت القطب الأقوى سياسياً واقتصادياً لن تستطيع أن تحقق مصالحها في أوضاع عالمية مضطربة، وخصوصاً في منطقة حيوية ومهمة جيوسياسياً واقتصادياً كمنطقتنا، قد يقال إن ما يحدث في جزء كبير منه هو نتيجة سياسة مرسومة لديها وترغب في إدارته تكتيكياً، لكن الأمور لن تسير دائماً وفق السيناريوهات النظرية التي ترسمها أمريكا، ولا أي دولة مهما كان حجم قوتها وتأثيرها.
مفهوم أن وجود وأمن إسرائيل أولوية خاصة لأمريكا، ولكن ليس بهذا الشكل من الانفلات والهيجان واللامبالاة التي تمارسها إسرائيل، بالإضافة إلى أنه ليس من المنطق أن تتجاهل أمريكا مصالحها مع كتلة عربية وإسلامية كبيرة ترفض هذا الانحياز التام، وتريد حلولاً سلمية تحقق السلام للجميع، ومنها حق إقامة الدولة الفلسطينية وفق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. فهل يتعامل القادم إلى البيت الأبيض مع هذا الواقع المتأزم بعقلانية ومنطق سياسي حصيف يجنب منطقتنا مزيداً من المخاطر التي ستؤثر على العالم كله.