شدد السفير الإيراني لدى المملكة علي رضا عنايتي، في حوار خاص لـ«عكاظ»، على أن تطور العلاقات وتعزيزها بين طهران والرياض، جاء استجابةً لتوجيهات وعزم القادة في البلدين لاستكمال هذه المسيرة الأخوية بين الشعبين والتقريب بينهما.

وأكد السفير عنايتي، أن المسار الجديد الذي تم اتباعه في العامين الأخيرين لتنمية وتوسيع التواصل والتفاعل بين البلدين مسار لا رجعة فيه، وأن فوائد تعميق وتوطيد العلاقات الثنائية لن تقتصر فقط على إيران والمملكة، وإنما تمتد لتشمل تنمية التعاون الإقليمي والتضامن بين الدول الإسلامية عموماً.

وقال: «على مدى عامين تقدمنا بخطوات ملموسة ومدروسة لتعزيز العلاقات وتوطيدها، وهناك تواصل وتنسيق مستمر بين القادة والمسؤولين، فالبلدان لديهما إمكانيات هائلة وموارد ضخمة، وقادران على التعاون في عدة مجالات تسهم في تحقيق النمو والازدهار للإقليم بأكمله».

وعبر السفير الإيراني، عن شكره للمسؤولين في المملكة، لتسهيل شؤون الحجاج والمعتمرين الإیرانیین وتقديم الخدمات لهم، وأشار إلى أن عدد الحجاج في الموسم الأخير وصل إلى 90 ألف حاج، بينما اعتمر حتى الآن نحو ١٠٠ ألف إيراني، «ونعمل على زيادة العدد، تلبية لرغبة مواطنينا لزيارة المشاعر المقدسة»، وفي ما يلي نص الحوار:

• بعد نحو عامين من توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في بكين، كيف تقيِّمون المستوى الذي وصلت إليه العلاقات؟

•• في البداية أشكر صحيفة «عكاظ»، على هذا الحوار، وتسليط الضوء على واقع العلاقات الأخوية بين المملكة العربية السعودية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، خصوصاً بعد مضي نحو عامين من عودتها، وقد أنجزنا – بحمد الله – كثيراً من الأمور خلال تلك الفترة، التي تهم البلدین والشعبين، وتصب في مصلحتهما، وتشمل عدة مجالات، سياسية وأمنية واقتصادية وتجارية، إضافة إلى الاجتماعية والرياضية.

وهذه العلاقات، تطورت ونمت في عدة اتجاهات، وتمضي قدماً يوماً بعد يوم، فهناك مجالات تقدمنا فيها كثيراً، في حين لا تزال بعض الملفات تحتاج إلى عمل وجهد أكبر، لكن يمكننا القول عموماً، إن العلاقات الإيرانية – السعودية، في ظل التطورات الإقليمية الأخيرة، شهدت تقدماً ملحوظاً نحو الأمام، ونحن سوف نتدارك ما مضى إن شاء الله.

ففي الإطار السياسي مثلاً، متقدمون بشكل كبير، من خلال الاتصالات المستمرة والمشاورات الدائمة بين مسؤولي البلدين، وقد تمكنا من توظيف تلك الجهود لدعم استقرار المنطقة، والحد من تفاقم الأزمات، وفي مقدمة ذلك التركيز والاعتناء بقضية فلسطين، وحقوق الشعب الفلسطيني.

وقد قام وزیرا الخارجية لكلا البلدين بزيارات متبادلة، واجتماعات واتصالات مستمرة، بهدف المضي قدماً لدراسة القضايا ذات الاهتمام المشترك وبحثها.

جادون في تنفيذ الاتفاقيات

• هل هناك فرص جديدة تتعلق بالجوانب الاقتصادية والتجارية بعد اجتماع اللجنة الثلاثية الذي تم في الرياض؟

•• تحظى إيران والمملكة بموقع جيوسياسي وجيواقتصادي مهم في منطقة الشرق الأوسط، ولكن العلاقات الاقتصادية والتجارية في تصوري تحتاج إلى جهد أكبر، ولذلك تمت عدة زيارات للمسؤولين المعنيين في البلدين، لبحث هذه الملفات، وللتعرف أكثر على الإمكانيات والقدرات ومكامن العمل الواعدة ودراستها، لإيجاد منصة للعمل التجاري المدروس بين الجانبين.

وزار وكيل وزارة الخارجية الإيراني للشؤون الاقتصادية الرياض، والتقى المسؤولين المعنيين هنا، كما أن وزير الاقتصاد الإيراني، التقى وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، وكذلك وزير الاستثمار، على هامش الاجتماع الإقليمي والدولي، الذي انعقد في المملكة، وقام وزير الزراعة الإيراني بزيارة للمشاركة في مؤتمر «كوب 16»، كذلك أقيمت معارض في طهران وفي المملكة، شارك فيها رجال أعمال من البلدين، ومع ذلك نعتقد أننا لا نزال في بداية الطريق، ومن حيث بناء هيكلة العمل لدينا اتفاقيات سابقة سارية المفعول، يمكن أن ننطلق منها، كاتفاقية التجارة والاقتصاد، التي تعتبر إطاراً عاماً للعمل الاقتصادي بين البلدين.

بإذن الله، نحن وإخواننا السعوديون جادون في تطبيق وتفعيل كل الاتفاقيات، ولنا اتصالات ومشاورات مستمرة في هذا المجال، وقد تم التأكيد على ذلك في عدة اجتماعات ثنائية، ومن خلال اللجنة الثلاثية المشتركة.

الترابط بين المملكة وإيران لا يخدم البلدين فقط، بل ينعكس على الإقليم عموماً، فالنقل وتبادل البضائع ومحطات العبور والانسيابية في الحركة وتنقل المواطنين تصب في صالح المنطقة ككل، وتساعد في نهوضها بمشاركة أبنائها، وتجلب لها الأمن والتنمية، ونحن جميعاً نتشارك الرؤى التي تنادي بذلك.

• هل سيكون هناك اجتماع آخر للجنة السعودية – الصينية – الإيرانية المشتركة، وهل لا تزال لدى اللجنة ملفات عالقة لم تحل؟

•• عمل اللجنة يعتبر مهماً وضرورياً، وهو مستمر ومتواصل، من خلال جلوس الأطراف الثلاثة لدراسة وبحث العمل المشترك، وهي فرصة للحوارات الثنائية ومراجعة العلاقات وتقييمها، وسبل تنميتها، فالعلاقات من خلال هذه اللجنة تتقدم بخطى ثابتة، يوماً بعد آخر، دون استعجال أو تراجع، ونحن مستعدون لاستضافة أعمال اللجنة في دورتها الثالثة في طهران.

190 ألف حاج ومعتمر

• منذ عودة العلاقات، كم بلغ عدد الحجاج والمعتمرين الإيرانيين الذين أدوا مناسكهم، وكيف يمكن لمثل هذه الشعائر أن تعزز التواصل والتقارب بين البلدين؟

•• في موسم الحج الماضي، وصل إلى المملكة نحو ٩٠ ألف حاج إيراني، ومنذ إعادة العلاقات تم تدشين رحلات العمرة بشكل مستمر، واعتمر حتى الآن نحو ١٠٠ ألف إيراني، ونحن نعمل على زيادة العدد، وتلبية رغبة مواطنينا لزيارة المشاعر المقدسة.

لقد ساهمت عودة العلاقات بحمد الله في تسهيل وصول الإيرانيين للمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، أسوة بإخوانهم من مختلف دول العالم الإسلامي.

• ماذا عن التبادل السياحي بين البلدين؟

•• المجال السياحي بين البلدين مجال خصب وواعد، وبإمكان السياح من البلدين الاستفادة من هذه الميزة في الاطلاع على المعالم السياحية والأثرية والتاريخية الموجودة في الدولتين، فإيران تستقطب سنوياً الكثير من السياح من مختلف البلدان في مناطق جميلة وجاذبة مثل شيراز ومشهد وطهران وأصفهان، والبعض يأتي للنقاهة والعلاج، وهذا أحد أوجه السياحة لدينا. إيران، بأرضها الخلابة وطبيعتها الخضراء، وغاباتها وبحارها وجبالها، وتنوع مناخها، ترحب بالسياح السعوديين في مختلف الفصول من العام.

ولعل القرب الجغرافي يساعد في هذا الأمر، فنحن لا نريد أن يقتصر التواصل بين شعبينا على الزيارات الدينية فقط، بل نقول لأهلنا في المملكة أهلاً وسهلاً بكم في إيران، وهذا هو أحد العناوين التي تم التأكيد عليها في البيان الصادر في ٦ أبريل ٢٠٢٣م، من وزيري الخارجية لكلا البلدين. ونحن كسفارة نقوم بدورنا في تسهیل الأمور، والخطوط المباشرة للطيران تسهل ذلك بإذن الله، وتعمل الآن 4 رحلات تجاریة مجدولة أسبوعیاً من الدمام إلی مشهد، وستتم زيادتها قريباً، إن شاء الله، بعد التنسيق والترتيب مع الجانب السعودي.

تذليل عقبات التبادل التجاري

• كم وصل معدل «التبادل التجاري» بین البلدین، وكيف يمكن زيادته ورفعه بين دولتين جارتين تملكان موارد ومقومات هائلة؟

•• الميزان التجاري بين طهران والرياض كان قد بلغ 800 مليون دولار عام 2016م، قبل أن يهبط بعدها، لكن هناك جهوداً حثيثة تبذل الآن لرفعه، ورغم إرادة الجانبين الصادقة إلا أن المبادلات التجارية بينهما لم ترتق حتى الآن للمستوى المنشود. ونعمل حالياً بكل جهد لتذليل العقبات، والتشاور وتبادل الرؤى والأفكار، وكيفية تطوير العمل الاقتصادي، وتنشيط التجارة بين البلدين. ومن جهة ثانية، العمل التجاري والاستثماري يحتاج إلى مذكرات تفاهم واتفاقيات تؤطر تلك العملية، وربما سبق وأشرت لكم في حديثي عن الاتفاقية العامة للتجارة والاقتصاد، التي تم التوقيع عليها في ١٩٩٨م، في طهران، من قبل وزيري الخارجية، وهذه اتفاقية شاملة لجميع مناحي العمل الاقتصادي، ولا يزال العمل قائماً بها، وأكدنا على تفعيل هذه الاتفاقية، وهناك اتفاقيات أخرى، مثل اتفاقية النقل الجوي، وتم بموجبها عودة الرحلات التجارية، ورحلات الحج والعمرة، وفي النقل البحري أيضاً. وقد قدمنا مشروع اتفاقية للنقل البري، والمداولات مستمرة بين طهران والرياض بشأنه، للوصول لنتائج تلبي طموحات الجانبين.

تعميق وتوطيد التواصل

• لا يخفى عليكم أهمية التبادل الثقافي ودوره في ترسيخ العلاقات بين البلدين وازدهارها.. كيف يمكن للزيارات المتبادلة أن تساهم في بناء الجسور الثقافية بين الرياض وطهران، وتعزيز الفرص الفنية والإعلامية لمواطنيهما؟

•• قبل الإجابة، لا يفوتني أن أشيد بالمشاورات والمداولات المهمة لقيادتي البلدين نحو تمتين العلاقات وتطويرها في ما يتعلق بالجوانب السیاسیة، والاقتصادیة، والثقافية، والإعلامية، والسياحية، والعلمية والبحثية، فهي كلها تقوي وترسخ العلاقات، التي تسير بنية صادقة من القادة، الذين اعتنوا بها ويحرصون على استمرارها، لتكون هذه العلاقات متنوعة ومترابطة ومتكاملة، ومنفتحة أكثر، ونحن نؤکد أن العلاقات الشعبية بين مواطني البلدين مهمة لتقویة العلاقات، وهنا يأتي دور المثقفین والمفكرین وأساتذة الجامعات.

وإيماناً بأهمية هذا الجانب، جاءت أخيراً زيارة رئيس مركز الدراسات والبحوث الدبلوماسية الإيرانية إلى المملكة، والتقى رئيس معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، كما شارك في ندوة فكرية متخصصة في هذا المجال.

أود التأكيد على أن المسار الجديد الذي تم اتباعه في العامين الأخيرين، لتنمية وتوسيع التواصل والتفاعل بين البلدين، هو مسار لا رجعة فيه، وأن فوائد تعميق وتوطيد العلاقات الثنائية هذه لن تقتصر فقط على إيران والمملكة، وإنما ستمتد لتشمل تنمية التعاون الإقليمي والتضامن بين الدول الإسلامية عموماً.

شاركها.
Exit mobile version