عاد رائدا الفضاء الأمريكيان سونيتا «سوني» ويليامز وباري «بوتش» ويلمور إلى الأرض الثلاثاء الماضي، بعد قضاء 288 يوما على متن محطة الفضاء الدولية (ISS) في مهمة كان من المفترض أن تستمر 8 أيام فقط، لكن عطلاً في كبسولة «ستارلاينر» من «بوينغ» حول الرحلة القصيرة إلى اختبار بدني وعقلي غير مسبوق، حتى تركت هذا الرحلة الطويلة في المدار، على ارتفاع 354 كيلومترا فوق سطح الأرض، آثارا صحية ملحوظة على الرائدين، تكشف عن التحديات التي يواجهها جسم الإنسان في بيئة الجاذبية الصغرى.

وفقاً لـ«ناسا» فإنه في بيئة الجاذبية الصغرى يفقد الجسم دوره الطبيعي في مقاومة الجاذبية الأرضية، ما يؤدي إلى تغيرات جذرية، أول هذه التأثيرات هو فقدان كثافة العظام، حيث تفقد العظام الحاملة للوزن، مثل الساقين والفخذين والعمود الفقري، نحو 1% من كثافتها شهريا، وهذا الضعف يزيد مخاطر الكسور وهشاشة العظام بعد العودة، كما يعاني الرواد من ضمور العضلات، لأن العضلات لا تحتاج إلى العمل بقوة لدعم الجسم، مما يجعل الوقوف والمشي تحدياً كبيراً في الأيام الأولى على الأرض.

التغيرات لا تقتصر على العظام والعضلات، ففي غياب الجاذبية تنتقل السوائل إلى الأعلى، ما يسبب انتفاخ الوجه وزيادة الضغط داخل الجمجمة، هذا التحول قد يؤدي إلى متلازمة «SANS» (متلازمة العصب البصري المرتبطة بالفضاء)، التي تسبب تورم العصب البصري وتغيرات في الرؤية، وقد تستمر بعض آثارها بشكل دائم، حتى أظهرت دراسات «ناسا» أن الدم والسائل الدماغي الشوكي يتراكمان في الرأس، ما يؤثر على استقرار النظر وحتى هيكلية الدماغ.

مخاطر بصرية وإشعاعية

ويعود العديد من رواد الفضاء إلى الأرض بمشكلات في الرؤية بسبب متلازمة العين العصبية المرتبطة برحلات الفضاء (SANS)، وبينما لا يزال العلماء يبحثون عن السبب الدقيق، فإن إحدى النظريات هي أن انعدام الجاذبية يغير توزيع السوائل في الجسم، ما يؤدي إلى زيادة الضغط على العصب البصري وتغيرات في شكل العين، يمكن أن تصبح مقلة العين مسطحة وقد يتورم العصب البصري، ما يؤدي إلى انخفاض الرؤية وضعف تدفق الدم في الشبكية.

أخبار ذات صلة

 

وعلى الرغم من أن محطة الفضاء الدولية محمية جزئياً بمجال الأرض المغناطيسي، فإن الرواد تعرضوا لجرعات إشعاع أعلى بـ10 أضعاف مما يواجه الإنسان على الأرض. خلال 9 أشهر، تلقى و«يليامز» و«ويلمور» ما يعادل 80 إلى 160 ميلي سيفرت من الإشعاع، أي ما يوازي مئات الأشعة السينية على الصدر، وهذا التعرض يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان على المدى الطويل، وقد يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، ما يثير مخاوف من تدهور الوظائف الإدراكية.

الصعوبات بعد الهبوط

عند الهبوط قبالة سواحل فلوريدا، استقبل الرائدان الفضائيان بمساعدة طبية فورية لأنهما لم يتمكنا من الوقوف بمفردهما، حيث إن التحول من الجاذبية الصغرى إلى جاذبية الأرض يسبب دوارا واضطرابات في التوازن، إذ يحتاج الجهاز «الدهليزي» في الأذن الداخلية إلى وقت للتكيف مجددا، حيث أفاد رائد الفضاء «فرانك روبيو»، الذي قضى 371 يوما في الفضاء عام 2023، بألم شديد في الظهر بعد العودة، نتيجة إعادة ضغط الأقراص الفقرية.

ووضعت «ناسا» برنامجا مكثفا لإعادة التأهيل يشمل تمارين يومية لمدة ساعتين في الفضاء باستخدام أجهزة مثل «ARED» للتمارين المقاومة، لكن التعافي الكامل قد يستغرق أشهرا، وتظل بعض التغيرات، مثل فقدان كثافة العظام (2.1% في عظم الساق بعد عام من العودة، حسب دراسة 2022)، تحدياً دائماً.

شاركها.
Exit mobile version