يرى الكاتب الأميركي جيم روتنبرغ المختص في شؤون الإعلام والسياسة أن ثمة معركة غريبة اشتعلت مؤخرا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصديقه قطب الإعلام روبرت مردوخ في أعقاب الشكوى التي رفعها ترامب على صحيفة وول ستريت جورنال مؤخرا.
وفي مقال بصفحة شؤون الإعلام في صحيفة نيويورك تايمز حاول روتنبرغ شرح العلاقة الغريبة بين الصديقين اللدودين.
يشير الكاتب في مقاله إلى الأنباء التي راجت بأن البيت الأبيض سيمنع صحيفة “وول ستريت جورنال” من المشاركة في تغطية رحلة ترامب إلى أسكتلندا هذا الشهر.
وهو ما أكدته المتحدثة باسم البيت الأبيض بأن هذه الخطوة جاءت ردا على مقال نشرته الصحيفة، التي تنتمي إلى إمبراطورية روبرت مردوخ الإعلامية الضخمة، حول علاقة ترامب السابقة مع جيفري إبستين، المدان بتهم الاعتداء الجنسي.
وفيما يشبه المفارقة يقول الكاتب إنه وبعد حوالي ساعة فقط من نشر ذلك الخبر، كان العمل يسير كالمعتاد في جزء آخر من إمبراطورية مردوخ. فقد أشاد مقدمو برنامج “ذي فايف”، الأكثر شعبية على قناة فوكس نيوز، بـ”العصر الذهبي” الذي تمثله ولاية ترامب الثانية. وقالت مقدمة البرنامج ساندرا سميث: “لدى الرئيس الأميركي رقم 47 الكثير من الانتصارات التي يمكنه التباهي بها”.
وبحسب الكاتب فقد وصفت الحرب التي يشنها ترامب ضد مردوخ بسبب تغطية صحيفة وول ستريت جورنال، بما في ذلك الدعوى القضائية التي رفعها يوم الجمعة الماضي مطالبا فيها بتعويض بمبلغ 10 مليارات دولار، بأنها معركة العمالقة.
ونظرا لمكانتيهما في قمة السياسة والإعلام المحافظين، فهي بالتأكيد كذلك، فبمقاضاة صحيفة مردوخ، يتحدى ترامب، الذي حصل على تسويات بملايين الدولارات في دعاوى قضائية ضد “إيه بي سي نيوز” و”سي بي سي نيوز”، أقوى قطب إعلامي وأكثرهم ثقة بنفسه وحنكة سياسية.
معركة ليست كالمعارك
لكن استمرار المودة التي يكنها مقدمو برامج قناة فوكس نيوز لترامب توضح أن هذه المعركة بين العمالقة لا تشبه أي معارك أخرى. ذلك لأن الرجلين مقيدان بالشيء الوحيد الذي أبقاهما مرتبطين على مدى 10 سنوات وهو حاجتهما المشتركة لإرضاء الأميركيين المحافظين.
فبالنسبة لمردوخ، هؤلاء المحافظون هم أهم قاعدة لإمبراطوريته، فهم يشكلون قاعدة جماهيرية مخلصة لفوكس نيوز -مصدر دخله الرئيسي- ويتوقعون من الشبكة أن تعكس ولاءهم لترامب في المقابل. وهذا يفسر بحسب الكاتب سبب تجنب فوكس نيوز إلى حد كبير إعادة نشر خبر صحيفة وول ستريت جورنال أو الحديث كثيرا عن الدعوى القضائية التي رفعها ترامب ضد الصحيفة.
ويضيف الكاتب “على الرغم من أن ولاء مشاهدي قناة فوكس لترامب يبدو حتى الآن راسخا، فإن ترامب يريد بوضوح الحفاظ على هذا الوضع. فهم ناخبوه الأساسيون، وكثير منهم مرتبطون بقناة فوكس نيوز أكثر من مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة التابعة لحركة ماغا والمؤثرين على البودكاست الذين يشكلون الجناح الأكثر تشددا وأيديولوجية في الحركة”.
وتقدير ترامب لجمهور قناة فوكس كان واضحا في قراره بتعيين مقدمي برامج ومساهمين سابقين في القناة في فريقه. كما ظهر في العديد من الرسائل التي نشرها على منصته “تروث سوشيال” (Truth Social) منذ أن رفع دعوى قضائية ضد مردوخ، حيث وجه متابعيه لمشاهدة برامج قناة فوكس نيوز.
ويرى الكاتب أن غضب ترامب موجه حصريا إلى مردوخ وصحيفة وول ستريت جورنال لمضيهما قدما في ما وصفه ترامب بـ”القصة المزيفة”، وفقا لشخص مطلع على آراء ترامب بشأن الخلاف. وركز التقرير، الذي نُشر يوم الخميس الماضي، على رسالة عيد ميلاد “فاحشة” قالت صحيفة وول ستريت جورنال إن ترامب أرسلها إلى إبستين في عام 2003.
ولطالما كانت العلاقة بين الرجلين معقدة، فعندما أخبر ترامب صديقه مردوخ لأول مرة أنه سيترشح للرئاسة، خلال غداء في أحد مكاتب مردوخ في نيويورك، لم يخف الأخير شكوكه لأنه لم يكن يرى أن ترامب يمكن أن يصبح رئيسا.

لكن جمهور قناة فوكس نيوز كان له رأي آخر، كما اكتشف مردوخ سريعا. وبصفته شخصا بنى إمبراطوريته من خلال إعطاء عملائه ما يريدون، انضم مردوخ إلى شبكة القناة عندما حشد مقدمو البرامج جهودهم لمساعدة ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض في عام 2016.
لكن انتخابات عام 2020 فرقتهما من جديد، وكان ترامب غاضبا من مردوخ لرفضه منع قناة فوكس نيوز من بث توقعاتها بأن ترامب خسر ولاية أريزونا الحاسمة.
وكان مردوخ غاضبا من مؤامرات ترامب حول سرقة الانتخابات، والتي حظيت بتغطية متعاطفة من بعض مقدمي برامج فوكس، وأسفرت عن دفع 787.5 مليون دولار لتسوية دعوى تشهير من شركة دومينيون فوتينغ سيستمز.
لم يتحدث الاثنان لفترة طويلة بعد الانتخابات، حيث اصطفّت وسائل الإعلام التابعة لمردوخ خلف منافس محتمل لترامب، وهو حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس. لكن الجمهور ما زال يريد ترامب، مما أجبر الاثنين على العودة إلى بعضهما العام الماضي.
كان مردوخ على المنصة في حفل تنصيب ترامب الثاني وظهر مع الرئيس أمام الكاميرات داخل المكتب البيضاوي في أوائل فبراير/شباط الماضي. لكن حتى ذلك الحين، كانت هناك بعض المؤشرات على التوتر الذي انفجر الأسبوع الماضي.
وفي حديثه مع الصحفيين وبينما كان مردوخ جالسا بالقرب منه، وصف ترامب قطب الإعلام بأنه أحد “أكثر الأشخاص موهبة في العالم”. ولكن بعد ذلك سأل أحد الصحفيين الرئيس عن مقال افتتاحي في صحيفة “وول ستريت جورنال” اتهمه ببدء “أغبى حرب تجارية في التاريخ”.
كان هذا المقال واحدا من العديد من المقالات الافتتاحية الانتقادية التي نشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال”، التي لطالما أيدت التجارة الحرة وعارضت الرسوم الجمركية، وكثيرا من السياسة الاقتصادية للإدارة الأميركية الجديدة.
استمر الرجلان في التحدث عبر الهاتف طوال الوقت، وتبادلا المعلومات والشائعات. لكن القشة التي قصمت ظهر البعير جاءت الأسبوع الماضي، مع تقرير صحيفة “وول ستريت جورنال” عن علاقة ترامب بإبستين المدان بتهم الاعتداء الجنسي. وقال ترامب إنه طلب مباشرة من مردوخ حذف المقال، بحجة أنه غير صحيح.
ووفقا لرواية ترامب، فإن مردوخ قال إنه “سيتولى الأمر”. (رفض ممثلو مردوخ التعليق على هذا الادعاء). ومع ذلك، فقد أظهر مردوخ مؤشرات على رفضه التدخل لمنع نشر تقارير صحفييه، وأعربت شركة داو جونز، المالكة لصحيفة وول ستريت جورنال، عن ثقتها الكاملة “في دقة وموثوقية تقاريرنا” وتعهدت “بالدفاع بقوة ضد أي دعوى قضائية”.