أكد الخبير الدستوري مدير الأبحاث في زينيت كاونسل في برلين الدكتور ناصيف نعيم أن حل مؤسسات «حزب البعث» ومصادرة ممتلكاته من حق الإدارة السورية الجديدة.
وقال في حوار لـ«عكاظ» إن الانتقال بات واضحاً الآن من حالة الثورة إلى حالة الدولة، وبسط سيطرتها على الأراضي السورية كافة، مضيفا أنه ليست هناك نظريات عامة لتركيبة الدول وأنظمة الحكم، وإنما لكل مجتمع الحق بالنظام السياسي والدستوري الذي يتوافق مع مفاهيمه وقواعد الحياة المشتركة فيه… وإلى تفاصيل الحوار:
اكتمال المشهد السوري
• كيف قرأت القرارات التي صدرت بداية هذا الشهر بدءاً من تعيين الرئيس أحمد الشرع، وبعض القرارات الأخرى؟
•• الشرعية الثورية اليوم أساس ما يحدث من قرارات في سورية بعد 8/12/2024 حتى الوصول إلى الصيغة الدستورية الدائمة. وقد تم التعبير عن ذلك في بيان إدارة العمليات العسكرية باعتبار الثورة هي الشرعية الناطقة باسم الشعب. هذا ما يعني التمييز الضمني بين شرعية القرار الشعبي في المرحلة الانتقالية والشرعية الشعبية القائمة على الدستور الدائم بغض النظر عن طريق الوصول إلى هذه الأخيرة.
وبعد النظر إلى الشكل الذي اتخذته القرارات الأخيرة لجهة مصدرها، فإنه يبدو بأن إدارة العمليات برؤساء الـ18 فصيلاً الذين يشكلون جسمها قد أعلنت نفسها كإدارة ثورية للبلاد، وبالتالي الرمز الأعلى للشرعية الثورية. والدليل البسيط على ذلك هو تسمية أحمد الشرع رئيساً لسورية من خلال قرار تلك الإدارة، مع أن الرئيس الشرع يمثل بشكل عملي قائد هذه الإدارة الثورية من الناحية التراتبية والعملية. بشكل عام فإن هذا يعني ببساطة أن المشهد الثوري الدستوري أصبح مكتملاً واضح المعالم.
تثبيت مفهوم الشرعية الثورية
• تم حل مجلس الشعب والجيش ومؤسسات أخرى من بقايا النظام السابق، كيف سيؤثر ذلك على المرحلة القادمة؟
•• تنقسم القرارات الصادرة بحق مؤسسات النظام السابق من الناحية الموضوعية إلى مجموعة من الفئات، منها: قرارات إلغاء المنظومة الدستورية، وجزء من المنظومة القانونية، أي دستور 2012 فقط دون القوانين والمراسيم الأخرى التي لا تزال نافذة. أما القوانين الاستثنائية فالمقصود بها على الأغلب القوانين المتعلقة مثلاً بالإرهاب وحالة الطوارئ، فقد تم تعليق العمل بها دون إلغائها. السبب يعود برأيي إلى أن الدولة في هذه المرحلة قد تحتاج إلى بعض من تلك القوانين حتى تعالج ظروفاً معينة قد تتطور نتيجة الأوضاع الراهنة. هنا يمكن إعادة القوانين الموقوف العمل بها إلى الساحة القانونية بسهولة.
وهناك أيضاً قرارات حل بعض المؤسسات والهيئات مثل حل السلطة التشريعية السابقة بكامل مؤسساتها التي تضم مجلس الشعب ولجانه. هذا الحل مسألة تحصيل حاصل، فمجلس الشعب فقد أساسه الدستوري بإلغاء دستور 2012. كما أن مسألة حل المؤسسة العسكرية والأمنية وجميع أنواع القوات الرديفة في زمن النظام البائد مسألة ترتبط بانتصار الثورة. كما أن المنظومة العسكرية والأمنية السابقة كانت المنظومة المعادية للثورة، وحلها بالتالي هو تثبيت لمفهوم الشرعية الثورية وانتصار الثورة.
وهناك قرارات الحل والمصادرة السياسية، وقد اقتصرت على حزب البعث وأحزاب الجبهة مع كل ما يتبع لها من هيئات ومنظمات دون الأحزاب الأخرى المرخصة وفقاً لقانون الأحزاب السوري لعام 2011. قرارات الحل هذه تطبيق لمسألة الشرعية الثورية دون أدنى شك لارتباط كل تلك التنظيمات السياسية بالنظام السابق. كما أنه تبعاً لتلك الشرعية فالدولة أحق ببسط سيطرتها على ما لدى تلك الأحزاب من أملاك وأرصدة. ولكن يبقى السؤال هنا: هل الأحزاب التي تشكلت على ضوء قانون الأحزاب هي أحزاب معارضة أو كانت أحزاب موالاة بهيئة معارضة؟ كلنا يعلم بأن الحياة الحزبية كانت مستحيلة تحت النظام السابق. والسؤال هنا: هل ستمارس تلك الأحزاب فعلاً العمل الحزبي في المرحلة الانتقالية؟ أو هل يمكن للثورة الإبقاء على هكذا أحزاب؟ يجب علينا الانتظار لمعرفة كيف سيتم التعامل في هذا المقام.
الانطلاق نحو بناء الدولة الجديدة
• كيف تقيمون القرارات المؤسسة للعهد الجديد في حياة الدولة السورية؟
•• هنا أيضاً تنقسم القرارات إلى الفئات التالية: 1. قرارات الحل: تسري قرارات الحل بداية على جميع الفصائل العسكرية، ما يعني أن الـ18 فصيلاً المشاركة في إدارة العمليات قد تم حلها، أي أن إدارة العمليات لم يعد لها وجود عملياً. كما أن الحل يسري على جميع الفصائل العسكرية الأخرى على الأراضي السورية، كفصائل قسد أو الفصائل في السويداء أو غيرهما. علاوة على ذلك فالحل لم يشمل فقط الفصائل وإنما جميع الأجسام الثورية الأخرى سواء كانت ذات طبيعة عسكرية أو سياسية أو مدنية.
هنا يمكن استشفاف الرغبة الثورية في إنهاء المرحلة السابقة من حياة الثورة والانطلاق إلى بناء الدولة الجديدة. والملاحظ هنا أن هذا القرار واسع جدا ويشمل الجانب السياسي والمدني، أي أن هيئة التنسيق وهيئة المفاوضات والائتلاف السوري المعارض وأية هيئات أخرى تأسست بدافع الثورة قد تم حلها عملياً، أو أنه سيتم منعها من مزاولة نشاطها إذا كانت في الخارج وقدمت إلى سورية. قد ينتقد البعض هذا القرار، بالنسبة لي أنا أرى هنا طابع التأقيت والانتقال، لأن كل هذه القرارات بالأساس مخصصة للمرحلة الانتقالية، والاتجاه واضح في المرحلة الانتقالية نحو توحيد وتعزيز مفهوم الاستقرار بالمعنى العسكري والسياسي.
2. قرارات الدمج والبناء: ما تبع قرارات حل الفصائل العسكرية والأجسام الثورية الأخرى بكل أنواعها هو القرار العام بدمجها جميعاً في مؤسسات الدولة. من الناحية العسكرية والأمنية يرتبط ذلك بالقرارين المتخذين لإعادة بناء الجيش على أسس وطنية وتشكيل المؤسسة الأمنية الجديدة. ما يعني بشكل أو بآخر دمج تلك الفصائل في الجيش والمؤسسة الأمنية. إذا كانت هذه المسألة منطقية من منطلق الشرعية الثورية، فإن دمج الأجسام السياسية مسألة تبدو أكثر تعقيداً. والسؤال الرئيسي هنا: كيف سيكون التعامل مع هيئات المعارضة السورية؟ هل سيدمجون في مجلس تشريعي أو حكومة مؤقتة؟ ما هي الأسس التي سيتم من خلالها التعامل معهم؟ ما نعتقده بأنه يجب الإجابة عن تلك التساؤلات من قبل القيادة السورية الجديدة.
3. قرارات بناء السلطة التشريعية والتنفيذية الانتقاليتين: إن تكليف أحمد الشرع برئاسة البلاد يرتبط بماهية إدارة العمليات العسكرية كجسم جامع للثورة من جهة، وبالشرع وقيادته لهذا الجسم من جهة أخرى. والملاحظ أن الشرع تم تكليفه برئاسة المرحلة الانتقالية فقط، أي أن يكون رئيس السلطة التنفيذية في سورية في تلك المرحلة.
هنا يجب التنويه إلى أن رئاسته للسلطة التنفيذية في المرحلة الانتقالية تعني أن لديه ازدواجية الصفة، فهو رئيس وقائد ثورة في الوقت نفسه؛ لأن الثورة هي التي تعطيه الشرعية الرئاسية، ومن ثم فإن تكليفه كرئيس للسلطة التنفيذية بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت، تجد مبرراتها في شرعيته الثورية من جهة ومفهوم «التأقيت» المرتبط بهذا المجلس الذي سيستمر عمله إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد من جهة أخرى.
نظام الحكم القادم
• لماذا خلت القرارات الجديدة من توضيح أو الإشارة إلى شكل نظام الحكم القادم؟
•• هذه القرارات لمرحلة انتقالية، وهو توجه منطقي في الوقت الحالي، إذ إنه من الممكن أن يقوم المجلس التشريعي الانتقالي بالتناغم مع رئيس الجمهورية بإعداد قواعد قانونية للمرحلة الانتقالية سواء من خلال قانون لإدارة الدولة في تلك المرحلة أو من خلال إعلان دستوري.
أما مسألة شكل الحكم القادم وما هو النظام السياسي المتبع في سورية فهي مسائل ستتم مناقشتها بكثافة في المرحلة القادمة ولا أعتقد بوجوب الإشارة إليها هنا.
ما يجب على السوريين إدراكه في هذه المرحلة هو أنه ليست هناك نظريات عامة لتركيبة الدول وأنظمة الحكم، وإنما لكل مجتمع الحق بالنظام السياسي والدستوري الذي يتوافق مع مفاهيمه وقواعد الحياة المشتركة فيه.