بيزنس الثلاثاء 11:52 م

يبدو أن التاريخ يعيد نفسه.. الكارثة الجوية التي وقعت الخميس الماضي في مطار واشنطن رونالد ريغان، والتي اصطدمت فيها طائرة مدنية بمروحية عسكرية وأودت بحياة 67 شخصاً، أعادت إلى الواجهة أهمية دور المراقبين الجويين في سلامة السفر الجوي، حيث أفادت التقارير بأن مراقباً جوياً واحداً فقط كان يتتبع حركة الطائرتين بدلاً من اثنين، في حين ذكرت قناة CBS أن 90% من مراكز المراقبة الجوية في الولايات المتحدة تعاني من نقص حاد في الكوادر، وأن 10% فقط من أبراج المراقبة تلتزم بالمعايير المطلوبة، الأمر الذي يثير مخاوف كبيرة بشأن سلامة الطيران.

قبل عام وتحديداً في مايو 2023م، صرّح مدير إدارة الطيران الفيدرالي «مايك وايتاكر» من مطار ريغان نفسه قائلاً: «نعاني من نقص في الموظفين، ونعمل بجد لضمان الكفاءة، لكن أطمئن الجميع بأن السلامة أولاً».

الواقع أن جذور الأزمة تعود إلى مارس 1970م، عندما نفذّت رابطة مراقبي الحركة الجوية إضراباً احتجاجاً على ما اعتبروه إجراءات غير عادلة من إدارة الطيران الفيدرالية، وتغيّب 2,000 مراقب عن العمل بدعوى المرض، ما أدى لتأخيرات كبيرة في الحركة الجوية، بعد أسبوعين عاد معظمهم بأمر من المحكمة وسارع الكونغرس إلى تركيب أنظمة مراقبة آلية حديثة، وإعادة فتح أكاديمية تدريب المراقبين في أوكلاهوما، وزيادة الرواتب.

لاحقاً؛ أثناء الانتخابات الرئاسية رفضت الرابطة دعم الرئيس كارتر وفضّلت تأييد مرشح الحزب الجمهوري رونالد ريغان الذي وعد بتلبية مطالب المراقبين الجوّيين وتحسين ظروف عملهم، وقال ريغان في تصريح: «سأتخذ أي خطوات ضرورية لتحقيق توازن بين أيام العمل والراحة لضمان السلامة، وأتعهد بتعزيز التعاون بين إدارتي والمراقبين الجويين».

هذا الوعد أعطى المراقبين شعوراً مبالغاً بتقدير موقفهم التفاوضي، فدفعهم إلى التهديد بالإضراب في فبراير 1981م، والمطالبة بتحسين الأجور وتقليل ساعات العمل ومنح مزايا تقاعدية، ورغم تقديم عروض جيّدة من إدارة الطيران؛ لتحسين ظروفهم رفضت الرابطة الاقتراحات، وأعلنت الإضراب رسمياً في أغسطس 1981م.

ردّ الرئيس ريغان بإصدار أمر بعودتهم إلى العمل خلال 48 ساعة وإلا سيفقدون وظائفهم، لكن استجاب فقط 1,300 من أصل 13 ألف مراقب جوّي، وعندما استمر الإضراب قرر ريغان فصل 11,345 مراقباً ومنعهم من العمل في الخدمة الفيدرالية مدى الحياة.

واجهت إدارة الطيران مهمة صعبة لتعويض النقص الكبير، واستغرق تدريب مراقبين جدد ثلاث سنوات، بينما استغرقت عملية استعادة مستويات التوظيف الطبيعية عشر سنوات كاملة.

عام 1993م، ألغى الرئيس بيل كلينتون الحظر على عودة المضربين لكن 850 فقط عادوا للعمل، وفي عام 2023م تفيد الإحصاءات إلى أن عدد المراقبين الجويين في الولايات المتحدة هو 14,600 مراقب جوّي، وهو ما يعادل 72% فقط من العدد المطلوب.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقد (بعد الكارثة الأخيرة) سياسات التوظيف في إدارات أوباما وبايدن، مشيراً إلى أن معايير التنوع والشمول أثّرت سلباً على كفاءة القطاع، داعياً إلى مراجعة هذه المعايير، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تعتبر رائدة في مجال الطيران إلا أن مشكلات نقص المراقبين الجويين والضغوط الوظيفية ليست محصورة بها بل تعاني منها معظم دول العالم.

الضغوط الهائلة والرواتب غير المغرية وصعوبة تعويض النقص تجعل المهنة عرضةً للتسرب الوظيفي والتحديات المستمرة طوال الوقت.

شاركها.
Exit mobile version