لم تعد الابتكارات والإبداعات والاختراعات حكراً على فئات بذاتها أو مؤسسات ودول بعينها، وذلك بفضل تنامي الوعي للقيمة الحقيقية لهذه الابتكارات والاختراعات ومردودها المادي والمعنوي الكبيرين على أصحاب تلك العقول وعلى الدول، مما خلق جواً من السباق والتنافسية وبعض الحروب الخفية دائماً والمعلنة أحياناً بين الدول على تلك العقول لصالح الدول الصناعية دائماً.

كل ذلك كان يتم تقريباً بمعزل عن اهتمامات ومعرفة الدول النامية التي خسرت وتخسر مواردها الطبيعية بسبب نهب الدول الاستعمارية لثرواتها، ثم خسرت وتخسر مواردها البشرية بمن فيها العقول بعد ذلك، وذلك نتيجة لهدر الدول النامية لعقولها وعدم الاستثمار في تلك العقول كما يجب.

قلة قليلة من الدول النامية التي تنبهت للقيمة الحقيقية لتلك العقول ومواردها البشرية، ومن عمل على النهوض الصناعي من الدول النامية يتم استهدافه وتدميره كما حصل في العراق، التي تم تدميرها والقضاء على كل منجزاتها من قبل دول الإرث الاستعماري وذات الاقتصادات الاستعمارية التي ترى في النهضة الصناعية للدول النامية خطراً على نظام التبعية الذي أسّسته ورسّخته بعد زوال استعمارها لها.

العامل الآخر في هذه المعادلة، الذي عانت منه الدول العربية تحديداً، هو هجرات العقول العربية بشكل ممنهج ومستمر باتجاه الدول الصناعية نتيجة إما للعوامل الجاذبة في الدول الصناعية أو للعوامل الطاردة لهم في الدول العربية والدول النامية ككل.

مؤخراً تنبهت بعض الدول العربية، ومنها المملكة العربية السعودية، فأصبحت تولي اهتماماً كبيراً في استقطاب وتنمية العقول والكفاءات بفضل رؤية 2030 التي تقوم على التحول لاقتصاد المعرفة والابتكار، ويتمثل ذلك بعدد من البرامج والمبادرات منها إقامة المستثمر وإقامة الموهوبين، حيث يسهل دخول الخبراء والمبدعين، وهناك تعزيز التعليم والبحث العلمي على غرار برنامج جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية وتطوير التعليم ومبادرات الابتكار وريادة الأعمال وإنشاء مؤسسات بحجم وأهمية صندوق الاستثمارات والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي لدعم الابتكارات في التقنية وجذب العقول في التقنية والطاقة، بالإضافة إلى تمكين الشباب من خلال برامج مثل برامج موهبة وبرامج مسك وبرنامج تنمية القدرات البشرية لتطوير المهارات وصقل المواهب الشابة في مختلف المجالات، بجانب المبادرات الدولية التي تشارك بها المملكة.

اللغة العربية، رغم بعض المحاولات الخجولة وغير المتصلة، لاكتشاف إمكاناتها وآفاقها وقيمتها العالمية لغوياً واقتصادياً وحضارياً لا تزال «بحراً» عميقاً «في أحشائه الدر كامن»، ولا تزال كنزاً في أحد الكهوف النائية بحاجة لممكنات ومنطلقات وإعادة إنتاج مستهدفات، تتيح الفرصة لإعادة اكتشافها وتطويرها ليس على يد اللغويين وغير اللغويين العرب منهم وغير العرب. للأسف جميع الجهود الحالية الرامية إلى اكتشاف اللغة العربية وتطويرها تتم من خلال أدوات ومرجعيات تقليدية رغم الدخول الشكلي للتقنية في هذه المحاولات، والتي لا تزال تعمل على أن اللغة العربية مجرد لغة تواصل بين الناطقين بها، بعيداً وبمعزل عن إمكانات العربية العالمية في التجارة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتعليم والابتكار والطاقة والبيئة.

من هنا، أرى وأقترح أن يتم عقد قمة عالمية سنوية للغة العربية، تستهدف تحقيق «اللغة العربية العالمية» لغوياً، حضارياً، مهنياً، تمكيناً، ابتكاراً، تطويراً، أكاديمياً، صناعةً، استثمارياً، قمة يحضرها ويشارك بها قادة دول العالم المعنيون والمتخصصون والممارسون من مختلف المجالات، بالتوازي والتزامن مع معرض ابتكارات يؤسس لـ«اللغة العربية العالمية» وبالتزامن والتوازي مع حفل تكريم سنوي للمساهمين نوعياً وكمياً بخدمة «اللغة العربية العالمية»، وكذلك بالتزامن والتوازي مع صدور تقرير سنوي يشتمل على أفضل الممارسات العالمية للغة العربية.

شاركها.
Exit mobile version