بيزنس الأربعاء 10:37 م

فجّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب قنبلة مدوية بحديثه عن تراجع مكانة إسرائيل داخل الولايات المتحدة، وإقراره بأن انتقادها لم يعد من المحرمات. وهو ما يراه محللون انقلابا في السياسة الأميركية، وإن لم يؤثر في موقف واشنطن من الحرب على غزة.

فبعد أيام من الغياب الإعلامي، خرج ترامب بحديث مع موقع “ديلي كولر” قال فيه إن الحرب على غزة ألحقت أضرارا بصورة إسرائيل داخل بلاده، وإن نفوذها تضاءل داخل الكونغرس والدوائر السياسية.

ولم يقف الرئيس الأميركي عند هذا الحد، لكنه قال أيضا إن زمن عدم انتقاد إسرائيل في الولايات المتحدة حفاظا على المستقبل السياسي قد انتهى بسبب مواصلة الحرب في غزة.

وجاءت تصريحات ترامب بعد استطلاع أجرته جامعة هارفارد ومؤسسة هاريس، أظهر أن 60% من الشباب الأميركي بين 18 و24 عاما يدعمون حركة حماس ضد إسرائيل في هذه الحرب.

وتدعم هذه النتائج استطلاعا آخر تقول مراسلة الجزيرة في واشنطن وجد وقفي إن مؤسسة “بيو” أجرته في مارس/آذار الماضي، وكشف أن الشارع الأميركي لم يعد راضيا عن إسرائيل التي خسرت 11 نقطة من نفوذها داخل أميركا.

إعلان تاريخي

وبعيدا عن موقف ترامب من الحرب، فإن تصريح الأخير “يمثل إقرارا تاريخيا غير مسبوق بتراجع النفوذ الإسرائيلي داخل الكونغرس” فضلا عن أنه “فضح كافة الأعضاء السابقين وأقر بأنهم كانوا تحت سطوة إسرائيل” كما قالت مراسلة الجزيرة خلال برنامج “ما وراء الخبر”.

ولا يمكن التعامل مع كلام ترامب على أنه مجرد تصريحات شخصية -برأي مراسلة الجزيرة- لأنه يتلقى إحاطات استخبارية يومية مما يعني أن حديثه مبني على معلومات.

كما أن كلام ترامب يعتبر تأكيدا لما كان الأميركيون يتداولونه على مواقع التواصل بشأن تدني مكانة إسرائيل التي لم يكن يجرؤ عضو بالكونغرس على انتقادها كما يحدث الآن.

والأهم -بحسب وقفي- هو تغير الموقف الشبابي الأميركي من إسرائيل لأن هؤلاء سيصبحون الساسة الذين سيحددون في المستقبل توجهات الولايات المتحدة بل وسيقودونها.

بيد أن هذه التصريحات -التي تؤكد حقيقة أن إسرائيل لم تعد تلك البقرة المقدسة التي يحرم المساس بها داخل أميركا- لا تعني تغيرا في سياسة واشنطن تجاه إسرائيل، وربما تحمل دعوة لتسريع حسم الحرب على قطاع غزة عسكريا، برأي محللين.

فترامب، من وجهة نظر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت عبد الله الشايجي، يعيش وضعا صعبا داخل حزبه وداخل حركة “ماغا” التي أوصلته للبيت الأبيض مرتين “وهذا ما دفعه للقيام بهذ الانقلاب وربما إعادة الحسابات”.

ووصفت “ماغا” ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة بأنه “إبادة جماعية” وهو الوصف نفسه الذي أكدته النائبة الجمهورية مارغوري تيلر التي كان ترامب يفكر في ترشيحها نائبة له خلال الانتخابات.

ولم يكن حديث تيلر شخصيا، لأن العضو الجمهوري ستيفن بانون أكد أن ما قالته هذه النائبة “يلقى صدى داخل الحزب الجمهوري وحركة ماغا” وهو ما يعني -برأي الشايجي- أن إسرائيل لم تعد كما كانت داخل الولايات المتحدة.

رسالة إلى إسرائيل

لذلك، يعتقد الشايجي أن ترامب “يحاول إيصال رسالة إلى بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية– بأنه يواجه أزمة داخل حزبه، فضلا عن الهجوم المتزايد من التقدميين ومن نواب جمهوريين”.

ومع أن كبير الباحثين بالمجلس الأميركي للسياسة الخارجية جيمس روبنز يعترف بتراجع شعبية إسرائيل داخل الحزب الجمهوري، فإنه يشدد على أن ترامب “لا يزال الأكثر تشددا لصالح إسرائيل ودعما لها”.

ورغم أن ترامب كان يتكلم كرئيس ولا يمكن التعامل مع تصريحاته كرأي شخصي، لكن الأمر -برأي روبنز- لا يعدو كونه مصارحة سياسية “لا تغيرا في السياسة الخارجية للبلاد”.

وإلى جانب ذلك، فإن ترامب يريد من هذا الكلام إنهاء الحرب بغض النظر عن الطريقة التي ستنتهي بها، وهو على الأرجح لا يحاول دفع إسرائيل للقبول بصفقة وإنما يحاول دفعها لتحقيق نصر عسكري حاسم وسريع، كما يقول روبنز.

ففي الوقت الذي يتحدث فيه البعض عن صفقة جزئية أو عن الاعتراف بدولة فلسطينية غير موجودة “يبدو ترامب منشغلا بمستقبل غزة ما بعد الحرب وتطويرها وجعلها مكانا خلابا” وفق المتحدث.

وقلل الباحث بالمجلس الأميركي للسياسة الخارجية من أهمية حركة “إيباك” الداعمة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، وقال إن هناك مبالغة في نفوذها السياسي وقدرتها على التأثير لأنها جماعة من بين جماعات كثيرة.

ولكن حديث روبنز المنتمي للحزب الجمهوري -من وجهة نظر الشايجي- ليس إلا محاولة لتخفيف وطأة ما قاله الرئيس، وتجاهلا لموقف حركة “ماغا” من إسرائيل التي تفقد الرأي العام بسبب جرائمها في غزة.

وحتى حديث روبنز عن اهتمام ترامب بمستقبل غزة، رد عليه الشايجي بقوله إن الرئيس الأميركي “متقلب ولا يملك خطة واضحة، ويقول ما يلقنه له المحيطون به، ويخرج كل فترة بتصور جديد، وهو أمر ينطبق على موقفه من الحرب التي يطالب بوقفها ثم يواصل تزويد إسرائيل بالسلاح”.

وبناء على هذه التناقضات والمواقف الدولية المتغيرة تجاه إسرائيل التي تراجعت صورتها بشكل غير مسبوق، يعتقد الشايجي أن ترامب قد يعيد حساباته بطريقة تدفعه لإنهاء هذه المقتلة التي تحدث في غزة بدعم منه.

شاركها.
Exit mobile version