سلطت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الضوء على الفشل الإسرائيلي في حسم الحرب على قطاع غزة، مؤكدة أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ستظل فاعلة ومتجددة حتى في حال التوصل إلى الاتفاق الوشيك لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.

وتناول المحلل العسكري يوآف زيتون في مقاله معالم الفشل الإسرائيلي في حرب الإبادة على غزة، والتي تتمثل بعدم تحديد أهداف إستراتيجية واضحة للحرب، مما يزيد حجم الخسائر العسكرية ويؤدي إلى استمرار الحرب بلا أفق.

كما أوضح أن افتقار الحكومة الإسرائيلية إلى الشجاعة السياسية لاتخاذ قرارات حاسمة بشأن غزة وغياب بديل حقيقي لحماس يتركان إسرائيل أمام تهديد مستمر قد يتفاقم في المستقبل.

وبدأ زيتون مقاله بتقدير الجيش الإسرائيلي أن القتال ضد حماس سيستأنف في المستقبل المنظور بمجرد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق تبادل الأسرى، لأن إسرائيل لن تتمكن من نزع سلاح الحركة التي ستظل تهديدا “يجب محاربته”.

ونقل عن مصادره في الجيش القول “حتى لو لم يكن القتال على الأرض في البداية فبعد المرحلة الثانية من الصفقة سيبقى الشريط العازل السميك موطئ قدم للجيش الإسرائيلي، والذي سيكون نقطة انطلاق لغارات في عمق أراضي غزة إذا لزم الأمر”.

كذلك، يرى المراسل العسكري أن حماس ستظل تشكل تهديدا عسكريا على المدى الطويل من خلال أنفاقها التي باتت جزءا من بنيتها العسكرية الممتدة لعشرات الكيلومترات تحت الأرض، حيث تعمل على تجميع الأسلحة وتدريب نشطائها.

وبحسب زيتون، فإن الأنفاق والتسليح سيجعلان من المستحيل القضاء على حماس بشكل نهائي في المستقبل القريب، وبالتالي سيتعين على الجيش الإسرائيلي الاستمرار في محاربتها، سواء عبر عمليات عسكرية مباشرة أو من خلال تنفيذ غارات في عمق غزة حتى بعد توقيع أي اتفاق.

الجيش الإسرائيلي يكثف من غاراته على قطاع غزة قبيل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار

كارثة “السماح بالنشر”

بالمقابل، نقل زيتون عن مصادر عسكرية أن الجيش الإسرائيلي يقاتل حاليا في غزة دون هدف حقيقي وإستراتيجي، لكنه في الوقت نفسه يدفع ثمنا عاليا من خلال زيادة عدد المقابر العسكرية كل يوم تقريبا.

وعلق على ذلك بالقول “لا يوجد تردد في إرسال المزيد من الجنود إلى موتهم في معارك بلا هدف، كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي أضعف من أن يصرخوا، وأصبح “السماح بالنشر” نوعا من الروتين، وبهذه الطريقة فإن بيت حانون وجباليا مجرد عرض ترويجي لما سيحدث للجنود في غزة وخان يونس”.

ويضيف “لأكثر من 6 أشهر لم يعمل الجيش الإسرائيلي على نطاق واسع في مدينة خان يونس أكبر مدن قطاع غزة، لدى حماس قادة متمرسون هناك، مثل قائد لواء رفح محمد شبانة، وتسيطر حماس على مدينة ضخمة ومكتظة بالنازحين هناك، من النصيرات إلى دير البلح إلى ضواحي رفح”.

ومضى محلل “يديعوت أحرونوت” في تفصيل الإخفاق الإسرائيلي في غزة على الرغم من قرب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، وقال “لم يدخل الجيش الإسرائيلي بعد إلى مدينة غزة نفسها بأحيائها الكبيرة مثل الشجاعية والدرج والتفاح ومعسكر الشاطئ وحيي الصبرا والرمال وغيرها”.

وأضاف “استمرت العملية المتكررة في جباليا وجوارها نحو 4 أشهر وأودت بحياة نحو 60 شخصا في بلدات كان الجيش الإسرائيلي قد دخلها من قبل في نهاية عام 2023، وهناك عدد أكبر من السكان المتبقين في مدينة غزة مما كان عليه في جباليا عشية العملية الحالية، وستكون العملية العسكرية هناك أطول وأكثر صعوبة”.

لا قرار سياسيا حاسما

ومع كل هذه الخسائر العسكرية التي يتكبدها جيش الاحتلال فإن المحلل العسكري يرى أن الجيش الإسرائيلي يستمر في خوض معركة طويلة ومكلفة في قطاع غزة، في حين تواصل الحكومة الإسرائيلية المماطلة في اتخاذ القرارات السياسية الحاسمة التي قد تضع نهاية لهذه الحرب.

ونقل عن محللين عسكريين إسرائيليين قولهم إن “الحكومة الحالية بقيادة وزراء يتسمون بالتردد لا تملك الشجاعة اللازمة لمواجهة التحديات الكبيرة التي تفرضها حرب غزة، وبينما يستمر الجنود الإسرائيليون في دفع الثمن بمعارك بلا أهداف واضحة تبقى الخسائر في الأرواح تتراكم دون أن تكون هناك رؤية إستراتيجية تحقق الأمن للمستقبل القريب”.

كما لفت زيتون إلى أنه “بدلا من أن يعملوا على معالجة القضايا الأمنية الكبرى يظل الوزراء مشغولين بأمور فورية، مثل توجيه الجيش لضرب غزة في حال استأنفت حماس إطلاق الصواريخ، أو التعامل مع أحداث محددة في مناطق أخرى مثل السامرة”.

ويعتبر المحلل أن وزراء الحكومة -وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو– عاجزون عن الخروج بتصور شامل بشأن كيفية إنهاء الحرب في غزة بشكل فعال ومستدام، وهذا يؤدي إلى إرسال الجنود إلى معارك مكلفة لم تحقق نتائج ملموسة، دون أن تكون لديهم رؤية واضحة أو هدف محدد.

كذلك، سلط زيتون الضوء على الضغوط التي يتعرض لها الجيش بسبب العمليات العسكرية المتعددة التي تنفذ على جبهات عدة، حيث يجد الجنود الذين يقاتلون في غزة أنفسهم في وضع صعب للغاية، فيُجبرون على مواجهة تحديات متعددة في الوقت ذاته، بما في ذلك نقلهم لعمليات أمنية في الضفة الغربية وسوريا، مما يعرضهم للإرهاق ويؤثر بالتالي على قدرة الجيش على تحقيق أي انتصار حاسم في غزة، ويزيد حجم الضغوط النفسية التي يعاني منها الجنود.

لا بديل لحماس

وبشأن افتقار الحكومة الإسرائيلية إلى تصور عن شكل الحكم في غزة، يقول المحلل العسكري إن “كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي يطلبون من المستوى السياسي خلف الأبواب المغلقة إعطاءهم مهمة محددة لتحقيق هدف سياسي محدد لغزة حتى لو كان إعادة الاستيطان وإلغاء فك الارتباط معه أو أي هدف مؤقت، مثل تشكيل حكومة عسكرية إسرائيلية كما كانت موجودة بالفعل في الماضي، أو إيجاد حكم محلي بديل لحماس بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، لكن الحكومة الحالية تخشى أن تقرر أو تناقش، ويتم تأجيل كل نقاش من هذا القبيل”.

وفي هذا السياق، نقل المراسل العسكري عن كبار الجنرالات في الاحتياط تشككهم في أن الهدف الحقيقي للحكومة الإسرائيلية هو إعادة الاستيطان في غزة.

وأشار الجنرالات إلى أن الحكومة “ماكرة بما يكفي لعدم الكشف عن هذا الهدف لأهالي المقاتلين وجنود الاحتياط”، إذ ن أي قرار سياسي بخصوص غزة سيتطلب حملات إقناع داخل إسرائيل وخارجها، إلى جانب تخطيط مطول وميزانيات كبيرة وثمن سياسي واقتصادي باهظ.

لذلك، فهم يرون أن “النتيجة هي التضحية بأرواح الجنود، لأنه لا توجد مشكلة في التضحية بها دون مبرر بالنسبة للوزراء”.

وفي محاولة منها لتخفيف الضغوط الداخلية والخارجية أطلقت الحكومة الإسرائيلية بعض المبادرات السياسية، مثل الإعلان عن خطط لتوزيع المساعدات الإنسانية على سكان غزة عبر متعاقدين أميركيين.

ورغم ذلك فإن هذه المبادرات فشلت بشكل واضح على الأرض، إذ تبين أنها كانت مجرد محاولات لكسب الوقت وإعطاء انطباع بوجود خطة بديلة، حسب زيتون.

وخلص المحلل العسكري إلى أن “ترويج الحكومة لهدف انهيار الحكم المدني والعسكري لحماس هي كذبة تم تسويقها للجمهور منذ الأسبوع الأول من الحرب، وهي لا تملأ الفجوة التي تشتد الحاجة إليها: من سيحكم مليوني غزي بدلا من حماس؟”.

ولخص زيتون الأزمة التي يواجهها الاحتلال قائلا “لقد تطورت حماس إلى قوة عسكرية ومنظمة مدعومة بشبكة من الأنفاق والأسلحة، وهي لا تزال تحتفظ بوجود قوي في غزة رغم سنوات من الحروب، ولذلك فإن العمليات العسكرية التي تنفذ ضد الحركة قد تظل مستمرة لسنوات طويلة”.

شاركها.
Exit mobile version