بمناسبة يوم جمهورية الهند الخامس والسبعين، أتقدم بأحرِّ التحيات والتهاني لجميع المواطنين الهنود والأشخاص من أصل هندي وأصدقاء الهند في المملكة العربية السعودية. أتمنى أن يلهم هذا المعلم البارز النمو المستمر والازدهار والوئام للوطن.
نحن كوطن فخورون بجذورنا الحضارية وروحنا الثقافية. وعلى مر القرون، لم تكن الحضارة الهندية موطناً لجميع الفلسفات المتقاربة في العالم فحسب، بل ساعدت أيضاً في تطور مفاهيم وأفكار جديدة؛ فقد استمرت الثقافة والحضارة الهندية في إلهام العالم عبر التاريخ. لقد آمنت الهند دائماً بالتعايش في ظل فلسفة «Vasudhaive Kutumbkam»، مما يعني أن العالم كله عائلة واحدة.
الهند هي أكبر ديموقراطية ولديها أطول دستور في العالم؛ يوفر دستور الهند للبلاد المبادئ الديموقراطية الأساسية المتمثلة في العدالة والحرية والمساواة والأخوة، ودعم مجتمع تعددي، واحتضان التنوع، والالتزام بتوفير فرص متساوية لجميع مواطنيها.
وفي العصر الحديث، فإن الهند، باعتبارها دولة شابة نسبياً، قد برزت كواحدة من الدول الرائدة على المسرح العالمي من حيث التقدم التعليمي والعلمي والتكنولوجي والاقتصادي، مما يجعلها واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. وقد أدت بيئة السياسات المحلية المواتية، والإصلاحات الضريبية، وسهولة ممارسة الأعمال التجارية، وتركيز الحكومة على الإصلاحات الهيكلية والتحديث الهائل للبنية التحتية، إلى ضخ زخم جديد في الاقتصاد الهندي.
تعدُّ الهند، اليوم، إحدى الوجهات المفضلة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما أصبحت الهند مركزاً للابتكار والتقنيات المستقبلية المتطورة في مختلف المجالات، وتوفر نظاماً بيئياً ممتازاً لرعاية الشركات الناشئة، وقد أصبح الكثير منها شركات وحيدة القرن أخيراً.
وتتمتع الهند والمملكة العربية السعودية بعلاقات وثيقة ودافئة منذ قرون، وترتكز العلاقات الثنائية على الاحترام المتبادل والثقة والتعاون والروابط الشعبية. إن وجود أكثر من 2.4 مليون جالية هندية قوية في المملكة يعد بمثابة جسر حي بين بلدينا العظيمين. لقد كانت الجالية الهندية في المملكة جزءاً لا يتجزأ من القصة التنموية للمملكة العربية السعودية. وأشكر قيادة المملكة العربية السعودية على اهتمامها بالجالية الهندية في المملكة.
تعد الاتصالات بين الأشخاص عنصراً مهماً جداً في علاقاتنا الثنائية. إن تسهيلات التأشيرة الإلكترونية التي يقدمها الجانب الهندي للمواطنين السعوديين، وعدداً من خيارات التأشيرات المتاحة الآن للهنود لزيارة المملكة العربية السعودية، لن تعطي دفعة للسفر السياحي والتجاري فحسب، بل ستعزز، أيضاً، التواصل بين الأشخاص. ويتزايد بثبات عدد المسافرين القادمين من الهند إلى المملكة العربية السعودية لأداء العمرة والزيارات العائلية والأعمال والسياحة. وقام عدد من الفرق الثقافية الهندية وشخصيات بوليوود بزيارة المملكة العربية السعودية في الماضي القريب. وأصبحت المملكة العربية السعودية أيضاً وجهة مفضلة لبوليوود لتصوير أفلام مختلفة هنا. كما تحظى لعبة الكريكيت بشعبية كبيرة في المملكة وستوفر لنا المزيد من السبل للعمل معاً. ففي العام الماضي، قامت المملكة العربية السعودية باستضافة المباريات النهائية لبطولة كأس سانتوش لكرة القدم الهندية.
كما أغتنم هذه الفرصة لأتقدم بالشكر للمملكة العربية السعودية لمساعدتنا في إجلاء المواطنين الهنود من السودان كجزء من عملية كافيري. وأنقذت الهند أكثر من 3500 من مواطنيها من السودان إلى جدة ومنها إلى الهند كجزء من العملية. وبينما لعبت القوات البحرية الهندية والقوات الجوية الهندية دوراً مركزياً في عملية الإجلاء، لم يكن ذلك ممكناً لولا التعاون والدعم الممتازين من جميع المسؤولين بالمملكة العربية السعودية والمنظمات الحكومية.
منذ إنشاء مجلس الشراكة الاستراتيجي في عام 2019، نمت العلاقات الهندية السعودية من قوة إلى قوة، وتزايدت الوفود الوزارية والرسمية رفيعة المستوى بين البلدين في السنوات الأخيرة.
وشهدت السنوات الأخيرة تعزيز الارتباطات في مجال الدفاع من خلال التدريبات الثنائية والزيارات رفيعة المستوى والوفود المتخصصة.
وفي الفترة 2022-2023، تجاوز حجم التجارة الثنائية بين البلدين ليكون 52 مليار دولار.
والهند هي ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية، في حين أن المملكة العربية السعودية هي رابع أكبر شريك تجاري للهند. وتشهد سلتنا التجارية تنوعاً، وكان هناك تبادل قوي لوفود الأعمال في السنوات الأخيرة. وقد تعمقت الشراكة الاستثمارية بين الهند والمملكة العربية السعودية في السنوات القليلة الماضية. ومن حوالي 400 شركة في عام 2019، إلى حوالي 2900 شركة في عام 2023، كان هناك توسع في وجود الشركات الهندية في المملكة عبر القطاعات. وتتواجد الشركات الهندية في مجموعة من القطاعات: في البناء وتكنولوجيا المعلومات والصحة والنفط والغاز والاتصالات السلكية واللاسلكية والخدمات المالية وغيرها. إن المملكة العربية السعودية تمر بخطة كبيرة للتنويع الاقتصادي في إطار رؤية 2030، والشركات الهندية في وضع جيد للاستفادة من الفرص التي توفرها هذه الخطة. وتتوافق مشاركة الهند في هذه الرحلة مع قوتها في مختلف المجالات. كما قامت شركات وكيانات سعودية بالاستثمار في الهند بما قيمته 10 مليارات دولار.
ويشكل التعاون في مجال الطاقة ركيزة أساسية للعلاقات الثنائية بين الهند والمملكة العربية السعودية. وتعتبر المملكة العربية السعودية شريكاً رئيسياً للهند في ضمان أمن الطاقة. ولقد ظلت المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر موردي المنتجات النفطية الخام والأكثر موثوقية للهند. كما تعتبر المملكة العربية السعودية من أهم موردي الأسمدة للهند، مما يؤمن الأمن الغذائي للهند.
تطورات هائلة في العلاقات الثنائية
قام ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بزيارة الهند في سبتمبر 2023 للمشاركة في قمة قادة مجموعة العشرين وللمشاركة في رئاسة اجتماع القادة الأول لمجلس الشراكة الاستراتيجي بين الهند والمملكة العربية السعودية مع دولة رئيس وزراء الهند. وتم خلال الزيارة التوقيع على مذكرات تفاهم، مذكرات العقود، اتفاقيات بين الجانبين في عدة مجالات بما في ذلك الطاقة والخدمات المصرفية والاستثمار والتصنيع والتعاون الأرشيفي ومكافحة الفساد وتحلية المياه. وخلال قمة مجموعة العشرين، أعلن قادة البلدين، أيضاً، عن الممر الاقتصادي بين الهند والخليج العربي وأوروبا. وهذا سيفتح فرصاً للتعاون في مجالات الاتصال والخدمات اللوجستية والنقل.
وتشمل الزيارات الوزارية المتعددة من الهند إلى المملكة العربية السعودية زيارة وزير التجارة والصناعة وشؤون المستهلكين والأغذية والتوزيع العام والمنسوجات بحكومة الهند بيوش غويال، وزيارة وزير الدولة للشؤون الخارجية مورالي دهاران، وزيارة وزير الدولة للسياحة والموانئ والشحن والممرات المائية شريباد يسو نايك، وزيارة وزير الطاقة والطاقة الجديدة والمتجددة راج كومار سينغ، وزيارة اسمريتي زوبين ايراني وزيرة تنمية شؤون المرأة والطفل وشؤون الأقليات.
وتشمل الزيارات الخارجية من المملكة العربية السعودية إلى الهند في الآونة الأخيرة، بما في ذلك كجزء من رئاسة الهند لمجموعة العشرين، زيارة وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، وزيارة وزير المالية محمد بن عبدالله الجدعان، وزيارة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، وزيارة وزير السياحة أحمد بن عقيل الخطيب، وزيارة وزير التعليم يوسف بن عبدالله البنيان، وزيارة وزير الصحة فهد بن عبدالرحمن بن داحس الجلاجل، وزيارة وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس عبدالله بن عامر السواحة، وزيارة وزير التجارة الدكتور ماجد القصبي، وزيارة وزير الحج والعمرة الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة.
ويشهد التعاون في مجال الطاقة بين البلدين تنوعاً أيضاً، وقد قمنا، أخيراً، بتوقيع مذكرة تفاهم في مجالات التوصيلات الكهربائية والهيدروجين الأخضر/النظيف وسلاسل التوريد.
وتهدف مذكرة التفاهم هذه إلى وضع إطار عام للتعاون بين البلدين في مجال الربط الكهربائي، وتبادل الكهرباء في أوقات الذروة وحالات الطوارئ، وتطوير المشاريع المشتركة، والإنتاج المشترك للهيدروجين الأخضر/النظيف والطاقة المتجددة، وكذلك إنشاء سلاسل توريد آمنة وموثوقة ومرنة للمواد المستخدمة في الهيدروجين الأخضر/ النظيف وقطاع الطاقة المتجددة.
وتعد الزيارة الأولى على الإطلاق لقائد القوات البحرية الملكية السعودية الفريق الركن فهد بن عبدالله الغفيلي للهند في يناير 2024 بمثابة شهادة على العلاقات الدفاعية الثنائية المتنامية.
وتم عقد النسخة الثانية من التمرين البحري الثنائي (المحيط الهندي) في مايو 2023. وفي هذا العام ستشارك القوات البحرية الملكية السعودية في التمرين متعدد الجنسيات (ميلان 2024) إلى جانب فعاليات أخرى، ومن المقرر أيضاً عقد أول تمرين ثنائي مشترك للقوات البرية على الإطلاق في الربع الأول لعام 2024. كما ستشارك فرقة هندية كبيرة في معرض الدفاع العالمي في الرياض في فبراير 2024.
وكسفير لجمهورية الهند لدى المملكة العربية السعودية، أشعر بالفخر للارتقاء بهذه الشراكة إلى مستويات أعلى. إنني واثق بأن التعاون الثنائي بين الهند والمملكة سيكون بمثابة العلاقة المميزة في هذا القرن. وبالنيابة عن حكومة وشعب الهند، بما في ذلك الجالية الهندية في المملكة العربية السعودية، أتقدم، أيضاً، بأطيب التمنيات لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بدوام السلام والتقدم والازدهار.