المناطق_واس
على ارتفاع يزيد عن 1900م عن سطح البحر تبدو الحياة اليومية للقرى الزراعية في جبل “بركوك ” التابع لمحافظة بارق شمال منطقة عسير كما هي قبل 5 عقود ، فالمدرجات الزراعية التي تنتج أنواعًا متنوعة من الحبوب المحلية ، ما زالت تُؤهل وتزرع بالطرق التقليدية من خلال الحرث بالأبقار والحصاد بجهود الشباب من أهل القرى.
وأظهرت جولة لـ”واس” وسط الطبيعة البكر لجبل “بركوك” حرص الأهالي على استثمار مواسم الزراعة في تعريف الأجيال الجديدة بأساليب ومكونات الزراعة قديما، حيث أشار الباحث الدكتور محمد الجحيني في حديثه لـ”واس” من وسط مزارع “بركوك” إلى أن الجبل يتمتع بمواقع أثرية عديدة ومزارات سياحية جميلة من جميع الجهات مما عزز قيمته السياحية والتاريخية ، فهو يضم نقوشًا أثرية تعود إلى آلاف السنين ، لذلك يمثل موقعًا متميزًا للزيارة وتعلم أساليب الزراعة في المواقع الجبلية.
ويتميز جبل “بركوك” بزراعة الحبوب الموسمية باستخدام الأبقار، التي ُيقسم مراحلها المرشد السياحي عبدالله الشهري إلى أربع مراحل وهي الحرث الأول لتهيئة التربة وقلبها ثم الحرث الثاني لزيادة التهيئة وشق التربة بشكل أكبر لدخول الهواء والماء ثم يأتي الحرث الثالث الذي يسمى” التوجيه” أي توجيه المزرعة لبذر الحبوب ثم المرحلة الأخيرة وهي توزيع الحبوب في التربية بشكل مناسب ومتناسق وتغطيتها بـ” المدسم”.
وتعتمد عملية الحرث بالأبقار على عدة أدوات أبرزها “المضمد” وهو عبارة عن قطعة من الخشب أسطوانية الشكل، حيث يشير الدكتور عامر الشهراني في كتابه” عادات وتقاليد من الجنوب” إلى أن طول هذه القطعة يتراوح بين 150 – 180 سم، وسمكها قرابة 15 سم، ويتم تجهيزها بواسطة نجار مختص, كذلك “اللومة” وتصنع من الخشب وطولها قد يصل إلى مترين ونصف المتر، وهي على شكل زاوية حادة ، ويثبت في نهاية الضلع الأصغر للزاوية المحراث، وهو عبارة عن قطعة من الحديد المدبب لشق التربة في أثناء الحرث، كما أنه يتم تثبيت قطعة من الخشب بشكل عمودي على الزاوية نفسها ليتم التحكم فيها من قبل الشخص الذي يقوم بعملية الحرث، ويتم تثبيت اللومة في المضمد الذي هو مثبت على رقاب الثيران بالحبال المصنوعة من ليف النخل، أو من الجلد.
وبعد شق الأرض بواسطة المحراث وبذر الحبوب المطلوبة يأتي دور”المدسم” الذي يصفه الدكتور الشهراني بأنه “قطعة خشبية طويلة مستطيلة الشكل، وطولها قرابة مترين ويستخدم لتسوية أرض المزرعة بعد حرثها، وتغطية البذور التي يتم وضعها في المزرعة في أثناء الحرث، حيث يتم سحب المدسم من قبل ثورين يتم ربطهما معًا بما يعرف بالمضمد ويركب المزارع على المدسم في أثناء دسمه للمزرعة ليزيد الوزن ويتم تغطية البذور وتسوية الأرض ليسهل تقسيمها إلى أحجام وأشكال متساوية ليسهل غمرها بالماء” .
أما في أوقات الحصاد فتجمع “العذوق” التي تحمل الحبوب في مكان يسمى” الجرين” حيث يتم فيه فصل الحبوب من العذق وتصفيتها بواسطة ” المدوسة” وهي قطعة من الحجر مستطيلة مربوطة بالمضمد تجرها الأبقار لفصل حبوب القمح، أو الذرة عن أقماع الثمار.
“الجرين” هو المكان المخصص لفصل الحبوب عن بعض أجزاء النبات، وهو دائري الشكل وله جدار دائري ارتفاعه قرابة 50 سم وله باب مفتوح لإدخال النباتات والحيوانات التي تستخدم في عملية الفصل.
ويؤكد هاشم عوض ” أحد مواطني بركوك” في حديثه لـ”واس” إلى أن جبل ” بركوك” الذي يطل على أجزاء من محافظتي “بارق” و” المجاردة”، يتميز بجمال الطبيعة وكثافة الغابات المكونة من أشجار “العرعر” و”السدر” و” السيال” و”البشام”و”العتم” والغطاء النباتي الذي يتشكل نتيجة لغزارة الأمطار التي يشهدها في معظم فصول السنة ، ويعد من أهم المتنزهات الطبيعية التي ما زالت محافظة على مقوماتها البيئية والسياحية الفريدة ، حيث يمكن استثماره في تنشيط السياحة الريفية والزراعية في منطقة عسير.
وعُرف “بركوك” منذ مئات السنين بزراعة محاصيل زراعية محلية مثل “البجيدة” وهي من أجود أنواع القمح إضافة إلى زراعة محصولي ” الدخن” و”الشعير” ، كذلك اشتهر بإنتاج أحد أجود أنواع العسل حيث أسهم ارتفاعه المتوسط واعتدال مناخه طوال العام في نمو نباتات وأزهار متنوعة ونادرة تستخلص منها النحل أنواعًا عديدة من العسل الطبيعي.
وتنحدر من جبل “بركوك” عدة أودية باتجاه تهامة مثل “الجارة” و”القرة” ، و”الموجح”، تشكل لوحات طبيعية آسرة خاصة في أوقات هطول الأمطار، ويحتضن الكثير من الآثار التي تدل على أنه كان موقعًا مهمًا في حياة الأجداد حيث يحتوي على قرى أثرية من أبرزها ( الخرق ، والقرة ، والحثلين ، والرها ، وغار عظمن ، والمدان ، والعطف ، والرواحي).