المناطق_واس
في سباق مع زخات المطر ، يحثّ الشابان ” عبدالله وعادل الشهري – 20 ، 25 عاماً ” الخُطا للتحرك إلى موقع متميز يطل على شلالات جبل” منعا” بمحافظة تنومة (125 كيلومتراً شمال مدينة أبها ) ،مصطحبين القهوة والشاهي، لقضاء وقت ممتع أمام تلك الشلالات التي تكونت بعد هطول أمطار غزيرة على المحافظة الواقعة على سلسلة جبال السروات.
وفي مدينة أبها لا تختلف يوميات ( أحمد عسير – 61 عاماً) عن الشابين”الشهري” ، فبعد تقاعده من العمل الحكومي يقضي ” أحمد” معظم أوقاته في جولات سياحية وترفيهية متنقلاً بين محافظات عسير بدءاً من ” السودة” أعلى نقطة في السروات على ارتفاع ٣٠٠٠ م ، وليس انتهاءً بمركز” الحريضة ” على ساحل البحر الأحمر غرباً.
توقعات المركز الوطني للأرصاد ، تشير إلى استمرار هطول الأمطار الغزيرة على أنحاء متفرقة من المنطقة ، ولذلك لم يجازف” عسيري” بمغادرة مدينته، لكنه ورفيقيه فضلوا الاستمتاع بالأجواء المعتدلة و البساط الأخضر الذي تكتسيه الأرض من موقع مطل على مزارع للذرة المحلية بدأ صاحبها في حراثتها استعداداً للبذر .
مئات الأشخاص والمجموعات العائلية تمارس العادات نفسها في “مواسم الخير”، فالجميع يستقبل المطر بالبهجة والخروج من البيوت لمشاهدة الأودية التي تهدر سيولاً والمزارع التي تفيض بمياه الأمطار.
وتشهد منطقة عسير في شهري أبريل ومايو من كل عام، تساقط الأمطار والبّرد متزامنة مع فصلي الربيع والصيف، حيث تزداد كميات الأمطار وتمتلئ السدود بمياهها وتجري الأودية والشعاب، حتى تصبح جبالها وسهولها واحة غناء يفرح بها المزارع ويستمتع بها السائح مع اعتدال الأجواء وتدني درجات الحرارة فيها لتصل إلى 10 درجات مئوية في المساء.
وأسهمت التضاريس الجبلية لمنطقة عسير في رفع معدل الأمطار حيث تصل إلى 800 ملم سنوياً ، حيث تشكل الأمطار الموسمية الغزيرة أهم مصدر لري وتنمية الغطاء النباتي مما جعلها المنطقة الأولى على مستوى المملكة في مساحات الغطاء النباتي بما نسبته 80% من الغابات المحلية، التي تغلب عليها الأشجار المعمرة مثل” العرعر” و”الزيتون البري” و”السمر” و”السدر” و”الطلح” و”الأثل”.
ومع كثافة هطول الأمطار هذا العام ، بدأ المزارعون في استزراع أراضيهم وتهيئتها لبدء بذرها والانتفاع بها، حيث كانت الأبقار في الماضي الوسيلة الوحيدة للحرث وإعادة استصلاح الأراضي ، ثم تقلصت استخداماتها في عصرنا الحاضر مع مجيء الحراثات والآلات الزراعية الحديثة كالحصادات وغيرها .
وتُعرف في منطقة عسير منذ القدم “منازل” محددة لبدء الزراعة واستصلاح الأراضي وذلك في أوقات معينة من السنة، فيقوم المزارعون ببذر الحبوب التي يغلب عليها القمح والشعير والبرُ ، إضافة إلى زراعة الخضروات الموسمية مثل الجرجير والخس والبصل والفجل، وكذلك زرع شتلات الفواكه مثل الرمان والعنب والبرتقال والليمون ، والفراولة التي أصبحت من أشهر الفواكه الصيفية المرغوبة من الزوار، إضافة إلى عودة الكثير من المزارعين إلى زراعة” البن” كما كان يفعل أجدادهم.
ولا تقتصر أهمية الزراعة على جانب توفير الغذاء الصحي المنتج محلياً، فما يعرف بـ”السياحة الزراعية والريفية” ركن هام في النشاط السياحي الذي اشتهرت به منطقة عسير منذ أكثر من أربعة عقود , ولذلك برزت ضمن أهم مستهدفات إستراتيجية المنطقة التي أطلقتها “هيئة تطوير عسير” في عام 2021م، مركزة على الاستفادة من الطبيعة الزراعية للمنطقة على غرار نماذج أخرى في عدد من بلدان العالم، بهدف تشجيع السيّاح على معرفة تراث المنطقة من السكان المحليين، وتنشيط النشاط الزراعي الذي يشكل عامل جذب للكثير من سياح العالم . ويستهدف مؤشر أداء هيئة تطوير عسير في هذا الجانب تأهيل وجهتين للسياحة الزراعية قبيل عام 2030 لتكونا من الوجهات الرئيسية للسائح .
“أن تكون منطقة عسير وجهة سياحية رائدة عالمياً ومقصداً للترفيه والثقافة والأنشطة الخارجية في المملكة العربية السعودية وخارجها” هو الهدف الأول الذي أعلنه سمو صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية أثناء إطلاقه الإستراتيجية رسمياً في نوفمبر 2021 ، وذلك من خلال” تقديم الخدمات السياحية للمواطنين من الطبقة المتوسطة مع ضمان تحقيق التكامل مع الوجهات السياحية الأخرى وتعزيز موقع منطقة عسير المميز على خارطة السياحة العالمية”.
ولتحقيق هذا الهدف تنشط في منطقة عسير حالياً عدة مشروعات سياحية من أبرزها إنشاء الفنادق وتطوير البنية التحتية للمشروعات السياحية ، وبحسب إستراتجية المنطقة ، يتوقع أن يرتفع عدد الغرف والشقق المفروشة في المنطقة إلى 37,000 بحلول عام 2030م ، كذلك تستهدف الخطة زيادة في عدد الزوار إلى أكثر من 10 ملايين بحلول عام 2030م ، حيث يحظى قطاع السياحة بعدة مبادرات تدعمها صناديق مختلفة مثل صندوق التنمية السياحي وصندوق التنمية الثقافية اللذين يوفران خيارات التمويل للأنشطة المتعلقة بالسياحة والأنشطة الثقافية.