المناطق_واس

شكلت فريضة الحج منذ آلاف السنين أنماطًا متعددة من التعاون والألفة بين المسافرين إلى الأراضي المقدسة ، حيث كانت الطرق محفوفة بالمخاطر سواء من جهة الأمن على الأرواح والممتلكات، أو في جانب توفر الغذاء والماء، مما أنتج علاقات ثقافية واجتماعية وطيدة بين الحاج وسكان القرى التي يمر بها وهو في طريقه لمكة المكرمة.

وباعتبارها إحدى نقاط تجمع الحجاج القادمين من جنوب الجزيرة العربية ، وفي مسار عُرف تاريخيًا بـ” طريق الحج اليمني” كانت منطقة عسير إحدى محطات تجمع الحجاج أثناء رحلتي الذهاب إلى الأراضي المقدسة أو العودة منها ، حيث يشير الدكتور صالح أبو عراد في كتابه ” تنومة ..زهراء السروات” إلى أن طريق السراة الذي كان يسلكه الحجاج يمر بسلاسل المرتفعات الجبلية والقرى الآهلة بالسكان، حيث كان لهذا الطريق محطات استراحة يراعى فيها أن تكون واقعة قرب مصادر المياه، وخلال فترة الاستراحة يتم التبادل التجاري بين الحجاج والأهالي في الحبوب، والتمر، والقهوة، والملابس، ونحو ذلك من السلع، مضيفًا أن تنومة تقع على هذا الطريق فقد اكتسبت شهرة تجارية وتاريخية خاصة منذ القدم، نظراً لموقعها الجغرافي المتميز”.

ويذكر مؤلف كتاب ” المعالم التاريخية في المجاردة” بلقاسم الربيع، عددًا من المواقع التي اشتهرت قديمًا بمرور الحجاج وتجمعهم فيها للاستراحة والتزود بالطعام والماء، ومن أشهرها الموقع الذي يُعرف لدى الأهالي بـ” حدبة الحاج” وهو من أهم محطات خط سير الحج والعمرة قديما لأهالي محافظة المجاردة حيث تعد “حدبة الحاج” بوادي “لحسر” التابع لمركز “ثربان” نقطة تجمع لكثير من أهالي محافظة المجاردة وسميت بهذا الاسم نسبة إلى ما يفد إليها من الحجاج للراحة والتزود بالغذاء وإطعام الجمال التي تحمل الأثقال فالمتجه إلى مكة المكرمة لقصد الحج والعمرة من أهالي المجاردة والقرى المجاورة لها عندما ينطلق من بيته يستقر به المقام في “حدبة الحاج” ثم ينطلق عبر وادي “عشار” مرورًا بأحد ثربان ثم “خميس حرب” ثم وادي “قنونا” وصولاً إلى “المظيلف” مرورًا بعدة مواقع حتى يصل إلى ميقات” السعدية” ثم ينطلق ليكمل المسيرة عبر المواقع المعلومة حتى يصل إلى مكة المكرمة وفي العودة يسلك نفس المسار الذي سلكه.

ويشير عدد من أهالي مركز” ثربان” الذين التقتهم “واس” في موقع ” حبة الحاج” إلى أن الموقع ما زال يحتوي على آثار ومعالم واضحة من الأبنية الحجرية وموقع الاستراحة ، حيث يتم فيه التجمع لتناول الطعام والتزود بمستلزمات رحلة العمر من خلال شراء بعض الاحتياجات من الحجاج القادمين من مختلف القرى، كذلك يحتوي الموقع على مكان يقال له “العشة” وهو مخصص لحفظ الأمانات التي يضعها الحاج فيه لحين عودته من الحج ، وذلك تحت حراسة شخص مكلف بذلك لا يبرح المكان حتى عودة صاحب كل أمانة.

واشتهر الموقع قديمًا بكونه مكانًا لتجمع مستقبلي الحجاج عند عودتهم من مكة المكرمة ، حيث تقام لهم مراسم استقبال شعبية تتخللها القصائد الترحيبية وأداء الفنون الشعبية التي تعبر عن الفرح بقدومهم.

وكان الذهاب لأداء فريضة الحج وترك الأبناء والمواشي دون رعاية الهاجس الأكبر للحاج قديمًا ولذلك يتم توكيل شخص ما للقيام على رعايتهم لمدة تزيد على الشهر، وغالبا تكون إحدى النساء اللاتي يعرفن بـ” المعزبة” ، ويسرد مؤلف كتاب ” من وحي القرية” فريد بن صالح ، جانبًا من مظاهر الاستعداد للحج قديمًا في قرية” المسقي” بمنطقة عسير ، مشيرًا إلى أن أول خطوة هي الاتفاق مع ” معزبة” تهتم بمن بقي من الأسرة، ورعاية المواشي من البقر والغنم وتتعهد المزارع بالري والعناية، كذلك من مهمات “المعزبة” متابعة تزيين البيت استعدادًا للعيد ولعودة الحجاج وذلك بجلب” القطاطة” التي تقوم بطلاء البيت من الداخل بفن ” القط العسيري” .



تم نسخ الرابط

شاركها.
Exit mobile version