تقف القلاع والبيوت الحجرية في منطقة جازان أيقونات تاريخية وتجسيدًا للفن المعماري التقليدي، محافظةً على طابعها المعماري الفريد الذي عرفت به المنطقة منذ آلاف السنين، فكل حجرٍ في هذه البيوت يروي حكاية، وكل زاوية تحمل بين جدرانها قصص الأجداد وتجاربهم، مما يُضفي بُعدًا ثقافيًا غنيًا على كل منزلٍ، ويُجسد التفاعل العميق بين الإنسان وبيئته المتنوعة التي تجمع بين الساحلية والجبلية والبحرية.
وتُعدُّ القلاع والبيوت الحجرية في جازان وجهة سياحية مهمة لعشاق التاريخ والتراث، بفضل جمالها الطبيعي وطرازها المعماري المتميز، وما تسهم به من دور بارز في تعزيز السياحة المستدامة، وتمثل جزءًا لا يتجزأ من التراث السياحي والثقافي والحضاري للمنطقة، مما يجذب الزوار للاستمتاع بجمالها وهندستها المعمارية الفريدة، وتتيح للزوار فرصة التعرف على أساليب البناء التقليدية والمواد المحلية المستخدمة في الماضي.
وتختلف تصاميم القلاع والبيوت الحجرية من حيث الشكل وطرق البناء والمواد المستخدمة فيها، وفقًا للظروف الطبيعية والاجتماعية في المنطقة، ويتفاعلُ السكان مع الموارد المتاحة للبناء ليضيفوا عناصر جمالية تتماشى مع احتياجات المجتمع ونمط معيشته، سواءً في العمران القديم أو الحديث.
وتتباين هذه القلاع والبيوت في مساحاتها وارتفاعاتها التي تتراوح ما بين طابقين إلى سبعة طوابق وقد تتجاوز ذلك، وما تتضمنه من غرف متعددة تُستخدم لأغراض متنوعة، ذات نوافذ كبيرة، تحيط بفناء داخلي، تَبَعًا لـِطبيعة المكان وملاءة أصحابها المادية، ومكانتهم الاجتماعية، وتختلف أشكالها بين الدائري والمربع، مع جدران تستخدم في “الجير” و”الرمل” لاحتواء الماء في خزانات محفورة في الصخر، ولتكون قاعدة للنقوش التي تُضفي تنسيقًا مميزًا للمظهر الحجري، وساعدت هذه التصاميم على مقاومتها للعوامل الطبيعية والزلازل، مما جعلها باقيةً على مرِّ العصور.
وتبدأُ رحلة بناء هذه القلاع والبيوت بتحديد المساحات والأبعاد وعدد الغرف، وتُحفر الأساسات بعمقٍ يصل إلى خمسة أمتارٍ باستخدام أحجار ضخمة، تُشكل هذه جدرانًا متينةً تتناقص سماكتها تدريجيًا مع ارتفاع البناء، وتُغطى الأسطح بخشبٍ على هيئة مربعات، مع إضافة القصب المعروف بـ”الجراع”، بينما تُغطى البيوت بطبقةٍ من الطين والجير لحمايتها من الأمطار، وتُستخدم الأحجار البيضاء المعروفة بـ”المرو” لتزيين الواجهات، ويوفرُ الحجر المستخدم متانةً ويحافظُ على درجة حرارة مريحة داخل البيوت.
وتتعدد استخدامات هذه القلاع والبيوت فهي ليست مجرد هياكل للإقامة، بل كانت مراكز حيوية للنشاط الاجتماعي والثقافي للسكان، وكانت تُعقدُ فيها الاجتماعات العائلية والاحتفالات والمناسبات الاجتماعية، مما يُبرز ترابط المجتمع المحلي ويجعلها جزءًا أصيلًا من الهوية الثقافية للمنطقة.
وتظلُّ القلاع والبيوت الحجرية في جازان مقصدًا لأهالي وزوار المنطقة، ورمزًا للأصالة والتاريخ، وتجسد الثقافة والتقاليد العريقة، وتُتيحُ لهم استكشاف الهندسة المعمارية الفريدة والانغماس في حياة الأجيال السابقة.
تم نسخ الرابط