ثامر السليم

بعد مرور أكثر من 3 عقود على الغزو العراقي الغاشم للكويت، ما زالت الذاكرة الوطنية زاخرة بشهادات حية عن المقاومة الشعبية، والدمار الذي لحق بالمؤسسات، والدور الحاسم للمجتمع الكويتي والحلفاء الدوليين في صد الاحتلال وقواته المعتدية واستعادة السيادة وتحرير البلاد بشكل كامل، قدم خلالها الكويتيون أروع صور البطولة والروح الوطنية العالية خلف قيادتهم طوال أيام الاحتلال، فسجل الشهداء بدمائهم ملاحم البطولة والشجاعة، وقاوم أبناء الكويت المحتلين وغطرستهم حتى تم اقتيادهم للأسر في سجون ومعتقلات الأعداء، ومنهم من استشهد هناك.

وفي تصريحات خاصة لـ «الأنباء»، استعرض عدد من الأكاديميين والباحثين جوانب من تلك المرحلة المفصلية في تاريخ الكويت.

في البداية، قال عضو هيئة التدريس بقسم التاريخ والآثار في جامعة الكويت د.حمد القحطاني إن جميع المؤسسات الحكومية تعرضت للتخريب ومن ضمنها جامعة الكويت وكثير من المدارس ومؤسسات الدولة منذ اليوم الأول للغزو العراقي الغاشم 2 أغسطس 1990 وقف الشعب الكويتي ضد هذا الغزو الغاشم فكان للقوات المسلحة الكويتية دور مهم في صد الغزو.

دور شبابي

وأشار د.القحطاني إلى أن شباب الكويت قد بدأ الاتجاه إلى المعسكرات الكويتية للتطوع والدفاع عن أرضهم وهذا ما حدث وبدأ الشعب الكويتي بالتظاهرات ضد الاحتلال العراقي الغاشم على الكويت، وأصبح هناك عصيان مدني بعدم الذهاب إلى الأعمال ومن ثم عدم الموافقة على تغير الهويات وكذلك عدم تغير اللوحات الخاصة بالسيارات، لافتا إلى انه كان للمقاومة الكويتية دور مهم فقد قام شباب وشابات الكويت بالمقاومة واستخدام القوة ضد الاحتلال العراقي والدليل على ذلك بيت القرين واستخدام القوة ضد القوات العراقية الغازية بالإضافة إلى الدور المجتمعي للشباب.

ولفت إلى أننا قد شاهدنا الكثير إبان الغزو العراقي من تدمير المؤسسات والمباني، مؤكدا أن العالم لم يقف مكتوف الأيدي إبان هذا الغزو العراقي الغاشم بل تحرك منذ اليوم الأول للغزو الخميس 2 أغسطس 1990، حيث أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 660 بتاريخ 2 أغسطس 1990 والذي نص على انسحاب القوات العراقية وعودة الشرعية الكويتية.

وتابع قائلا: كذلك لا ننسى دور الحكومة الكويتية في التحرير، وتمثل ذلك بدور الشيخ جابر الأحمد أمير الكويت 1977-2006، والشيخ الأمير الوالد سعد العبدالله – رحمهما الله- وعقد مؤتمر جدة الشعبي 13 – 15 أكتوبر 1990 والذي ينص على تحرير الكويت وعوده الديموقراطية الكويتية، وكذلك لا ننسى دور الدول التي وقفت مع الكويت وعلى رأسها المملكة العربية السعودية في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، رحمة الله، حيث انطلق التحرير من أرض المملكة العربية السعودية، وكذلك دول مجلس التعاون الخليجي ومصر وسورية، وكذلك الدول الأجنبية متمثلة في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وتحررت الكويت 1991 وبدأ التعمير ومحو آثار الغزو العراقي الغاشم، والحمد لله.

جريمة نكراء

بدوره، قال الأكاديمي والباحث السياسي د.عايد المناع ان الغزو العراقي في حد ذاته كان جريمة نكراء ليس لها أدنى مبرر وحتى على فرضية الادعاءات التي ادعاها النظام العراقي السابق لا تبرر أبدا حتى عملا ديبلوماسيا يمكن ان تلجأ إليه الدولة، مشيرا إلى انه بالعكس كان يمكن ان يحل الخلاف بعد اللقاء الذي تم بين الأمير الوالد المرحوم الشيخ سعد العبدالله ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، بذلك الوقت مع عزة ابراهيم الدوري نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في مدينة جدة بدعوة من الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمة الله.

وتابع د.المناع: الحقيقة ان صدام حسين كان يريد ان يغزو الكويت ولم ينتظر ان يكون اللقاء الثاني في بغداد والذي كان يفترض ان يكون بعد لقاء جدة ثم في بغداد ثم في الكويت، وكانت عملية إرسال الوفد العراقي برئاسة عزة الدوري كان من دون تفويض وتواجدهم فقط من اجل الادعاء بأنهم ذهبوا ولم يجدوا استجابة جيدة، مع العلم ان الشيخ سعد، رحمه الله، والوفد المرافق له كانوا مرنين وأيضا الأشقاء في المملكة العربية السعودية كانوا أيضا حريصين على حل الأزمة، ولذلك لا يوجد أي مبرر حقيقي على أرض الواقع يستحق تحريك دبابة واحدة.

وأشار إلى انه بعد ذلك حصلت الكارثة بعد اقل من يوم من اجتماع جدة بين المرحوم الشيخ سعد العبدالله، وعزة الدوري، واجتاحت قوات الحرس الجمهوري العراقي أراضي الكويت، وللأمانة والتاريخ بالرغم من عدم استعداد الكويت نهائيا فإن القوات المسلحة الكويتية ورجال الحرس الوطني البواسل تصدوا للغزاة.

ولفت د.المناع إلى ان المحتل تسلط على الناس وادعى في البداية انه من الممكن ان ينسحب لتضليل العالم، ثم وجدناه يقوم بتشكيل حكومة سماها «الحكومة الحرة المؤقتة»، وهي لا حرة ولا هي مؤقتة، لأنهم كانوا في حقيقة الأمر في غرف مغلقة عليهم ولا يسمح لهم حتى بأن يتنفسوا وليس لهم اي سلطة، ولذلك ادعت هذه الحكومة المزيفة انها تمثل أحرار الكويت، لكن أحرار الكويت الحقيقيين هم الذين رفضوا الاحتلال تماما وتمسكوا بشرعيتهم وبأميرهم وقيادتهم السياسية ورفضوا بكل الوسائل التعامل مع العدو.

وأكد اننا لا ننسى إطلاقا وقفة الأشقاء سواء في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون والدول في مصر وفي سورية وفي لبنان، هؤلاء لا ننسى مواقفهم، ونذكر أيضا مواقف الآخرين، لكننا تجاوزنا تلك المرحلة.

نهب وتخريب

بدورها، قالت عضو هيئة تدريس في جامعة الكويت ورئيس الجمعية الكويتية لأمن المعلومات د.صفاء زمان ان أيام الغزو كانت من الأيام العصيبة والتي دوما لا أحب ان أتذكرها لما تحمله من ذكريات مؤلمة علينا وعلى شعب الكويت أجمع، إذ كنا حينها نتنقل من منزل لآخر بسبب التهديدات والانفجارات التي كانت تتعرض مناطقنا لها. وفي بداية الغزو كنت أشارك في المظاهرات وبعد ذلك منعتني أمي، الله يرحمها، لخوفها علينا، حقيقة كانت ذكريات كثيرة مؤلمة مرت على الكويت تركت فينا جروحا لا تلتئم، كما أعطتنا دروسا ليتنا نتعلم منها. كما ان دولتنا الحبيبة تعرضت إلى أعمال تخريب كثيرة، أهمها حرق آبار النفط، فقد قام الجيش العراقي بإحراق أكثر من 700 بئر نفطية، الأمر الذي أدى إلى تدمير مصدر رئيسي للاقتصاد الكويتي وتلويث بيئي هائل، حيث تصاعد الدخان الكثيف وغطى السماء. كما أدت إلى نشوء «بحيرات نفطية» على سطح الأرض وحدوث كوارث بيئية بحرية وبرية.

وتابعت د.زمان: ولن ننسى ما قامت به قوات الاحتلال من نهب وتخريب للمنشآت الاقتصادية والصناعية والتعليمية والخدمية.

وأشارت د.زمان إلى ان الآثار السلبية التي عصفت بالبلاد بعد هذا الاجتياح الآثم الكويت مرت بمرحلة عصيبة جدا تركت آثارا عميقة الأثر سواء على مستوى الدولة أو على مستوى الأفراد والأسر، منها الأضرار الاقتصادية التي تتمثل بخسائر مالية ضخمة قدرت بمليارات الدولارات نتيجة لتوقف تصدير النفط، الذي يمثل عصب الاقتصاد الكويتي، إلى جانب نهب الاحتياطي النقدي والذهب من البنك المركزي الكويتي.

ولفتت إلى الأثر الإنساني والاجتماعي، نتيجة الغزو الذي ترك أحزانا وآلاما في كل بيت كويتي، وذلك باستشهاد المئات من المواطنين والمقيمين، إلى جانب أسرى ومفقودين لا يزال مصير بعضهم مجهولا حتى اليوم، الأمر الذي خلق معاناة نفسية عميقة، خاصة بين الأطفال والنساء.

وبينت أن الآثار البيئية كانت كارثية من خلال تلوث الهواء والماء والتربة بسبب حرق آبار النفط وتسريب النفط في البحر، وانقراض مؤقت لكائنات بحرية وتدهور النظام البيئي البحري، إلى جانب نشوء مشاكل صحية مثل أمراض الجهاز التنفسي والجلدي.

وأشارت إلى تراجع التنمية وتعطل المشاريع، وذلك بسبب التوقف شبه الكامل للمشاريع التنموية والتطويرية، وعزوف المستثمرين وتعطل النشاط الاقتصادي، والحاجة إلى إعادة ترتيب أولويات الدولة لتأمين الأمن وإعادة البناء.

شاركها.
Exit mobile version