في خضم أحداث متسارعة تشهدها منطقة الشرق الأوسط يمثل معهد العالم العربي ومقره باريس جسرا لالتقاء الشرق بالغرب والمساهمة في إيصال الصوت العربي لأوروبا والعالم أجمع.

واستذكر رئيس معهد العالم العربي ووزير الثقافة الفرنسي السابق جاك لانغ دور الكويت البارز في التعاون مع المعهد ودورها الداعم الذي وصفه بأنه حجر زاوية لإيصال الصوت العربي للعالم.

وقال «تاريخيا لعبت الكويت دورا رئيسيا بالمساهمة في تنفيذ مهام المعهد العربي منذ إنشائه ووقفت إلى جانب المعهد في اللحظات الصعبة على المستوى المادي».

وأشار خلال مقابلة مع (كونا) إلى أن «الكويت على وجه الخصوص هي التي تولت تجديد المكتبة الرائعة للمعهد العربي في عام 2017»، مبينا «هذا المكان الفريد مفتوح للجمهور ويقدم مجموعة مذهلة من الكتب باللغة العربية وعن العالم العربي».

وأكد لانغ ان المكتبة تجسد دورا بمنزلة الجسر يلعبه المعهد بين الثقافات بشكل لا مثيل له في العالم.

وأشار إلى أن هذا ساهم في دعم جهود المعهد في مجالي الفن والثقافة ليقدما مساحة للحوار وسط تأثيرهما ليصل إلى توثيق الأحداث والوقوف إلى جانب الشعوب المتضررة من النزاعات.

وتطرق لانغ إلى عمل المعهد كجسر ثقافي هادف إلى زيادة الوعي بالتراث العربي وتوضيح التعقيدات الاجتماعية والسياسية التي يواجهها العالم العربي من خلال فعاليات متنوعة تضم المعارض الثقافية إلى الندوات الفكرية والنقاشات حول القضايا الراهنة بما يتيح تقديم فرصة لفهم أعمق للأحداث الحالية في العالم العربي بما في ذلك فلسطين ولبنان.

وبشأن الأوضاع في فلسطين لاسيما قطاع غزة أوضح أن المعهد أطلق معرضا مخصصا للإبداع الفلسطيني المعاصر بين مايو ونوفمبر 2023 إلى جانب عشرات المؤتمرات والمناقشات حول الوضع في غزة والضفة الغربية.

كما لفت إلى أن المعهد خصص معرض (ما تقدمه فلسطين للعالم) عام 2023 ونظم في إطاره سلسلة فعاليات حول حرب غزة واستعان بخبراء ومختصين لإحاطة الجوانب الثقافية والتاريخية والاجتماعية للأزمة.

وفيما يتعلق بالأوضاع في لبنان أشار إلى تنظيم المعهد العديد من الفعاليات الثقافية الكبرى تضامنا معه خاصة بعد انفجار مرفأ بيروت في عام 2020 حتى الأحداث الاخيرة المحزنة مضيفا «المعهد يعد حاليا موسما ثقافيا مخصصا للبنان ويخطط لتنظيم معرض كبير في مدينة جبيل قريبا».

وتابع «في الوقت الذي أتحدث إليكم تتعرض مواقع أثرية لخطر القصف فقد تم استهداف وتدمير قلعة تبنين (طورون) التي كانت واحدة من أهم حصون مملكة القدس خلال الحملات الصليبية في القرن الثاني عشر ومواقع أخرى سواء في الجنوب أو في البقاع مثل المعبد الروماني في قصرنبا والنصب التذكاري الأيوبي من القرن الثالث عشر في دوريس عند مدخل بعلبك بالإضافة إلى بعلبك نفسها المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1984 قد تعرضت لأضرار غير مباشرة».

وأكد أن هذه المعالم التي صمدت أمام الزلازل والغزوات والحروب تواجه اليوم خطر الاندثار تحت القصف الجوي الذي يهدد في هذه اللحظة الموقع الأثري في صور المدرج أيضا ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1984 مما يلحق الضرر بمحيطه ويهدد أساساته.

وأكد في السياق نفسه أن المعهد يختص لبنان في هذه الأيام بجزء مهم من جهوده مساهما في نشر المعرفة حول هذا البلد ومقدما منصة للحوار بين المفكرين اللبنانيين والعرب والغربيين حول سبل وقف معاناة اللبنانيين.

ولفت إلى أن هذ الأمر يأتي بالتزامن مع تأجيل معرض بيبلوس الذي كان مخصصا لمدينة جبيل اللبنانية في أروقة المعهد بسبب تعذر نقل القطع الأثرية من لبنان بسبب التصعيد العسكري بالتوازي مع إطلاق نداء لتجنيب المواقع الأثرية في لبنان لاسيما في جنوب البلاد وسهل البقاع شرقا مخاطر القصف.

وفي ظل هذه الأزمات المتتالية أكد لانغ أن معهد العالم العربي في باريس يسعى لمواصلة دوره في تعزيز الحوار بين العالم العربي والغرب من خلال تسليط الضوء على إبداع الشباب العربي في مجالات العلوم والأدب والشعر والفنون المعاصرة إضافة إلى مهمته التقليدية القائمة على تعريف الجمهور الأوروبي عموما والفرنسي خصوصا بالحضارة العربية وإسهاماتها التاريخية.

وأكد أن الفن والثقافة يلعبان دورا محوريا في أوقات الحروب والطوارئ حيث تظل الأولوية «للبقاء».

وأوضح أن «الفن غالبا ما يكون من أولى الضحايا في مثل هذه الأوقات، حيث يتعرض الفنانون ومشاريعهم للدمار كما هو الحال اليوم في غزة حيث تدمر التراث الثقافي وأجبر العديد من الفنانين على الفرار بعد فقدان كل شيء ومع ذلك يبقى الفن وسيلة للتعبير عن الواقع ويستمر في رفع مستوى الوعي حول القضايا المتعلقة بالحرب بل ويتحول أحيانا إلى أداة لنقل المعلومات وتوثيق اللحظات المأساوية».

وفيما يتعلق بدور الفن في تعزيز الهوية الوطنية والمقاومة أكد لانغ أن الفن في أوقات النزاع قد «يدفع نحو لعب أدوار سياسية سواء بشكل طوعي أو قسري ومع ذلك يظل جوهر الفن في تجاوزه للحدود والهويات الوطنية حيث يميل نحو العالمية مما يمنحه قوة خاصة خلال فترات الحروب».

وأوضح رئيس معهد العالم العربي ان هذا الصرح الثقافي لا يسعى للتأثير على الرأي العام بشكل مباشر لكنه يلتزم بدوره كمساحة للحوار والتبادل الثقافي مع التركيز على الاحتفاء بالدول العربية وتاريخها و«دائما ما يستجيب معهد العالم العربي بسرعة للأحداث الملحة في المنطقة».

وأكد لانغ التزام معهد العالم العربي بدوره في دعم المشاهد الفنية التي تتأثر بالنزاعات وتقديم منصة للحوار والتعبير في ظل الظروف الصعبة «لأن هذا هو جوهر مهمته».

ولفت إلى أن هذا يعكس هذا الدور المتنامي للفن والثقافة خلال الحروب وأهمية تلك الأدوات في توثيق المعاناة والتعبير عن المقاومة وفتح الأبواب نحو الحوار والوعي العالمي.

وتابع انه خلال الحروب يعاني الأفراد من آثار نفسية وجسدية كبيرة وغالبا ما يكون الفن والثقافة وسيلة للتعبير للناس عن آلامهم وخسائرهم ومساعدا على معالجة الصدمات.

وأكد ان «الثقافة والفن لا يمثلان مجرد رفاهية في أوقات السلم بل أدوات حيوية تحمل تأثيرات عميقة خلال فترات النزاعات والحروب».

شاركها.
Exit mobile version