بيزنس الثلاثاء 11:24 م
اعلان

وقد توجت هذه الجهود مؤخراً بإدراج المواقع الثلاثة رسميا ضمن قائمة التراث الوطني المغربي، في اعتراف بأهمية الوجود اليهودي، الصغير لكنه نابض بالحياة، في هذه البقعة من شمال إفريقيا.

وداخل الكنيس، يجلس نائب رئيس الجالية اليهودية في طنجة، آرون أبيكزير، إلى جانب سونيا كوهين توليدانو، المسؤولة عن الحفاظ على التراث الثقافي للطائفة، وسط مجموعة من الضيوف. 

وفي قلب القاعة، تقف “التبة”، المنصة أو المنبر الخشبي داخل الكنيس الذي تتلى منه التوراة، بعد أن أعيد ترميمه ليعود إلى شكله الأصلي.

وتعود عملية الترميم التي استغرقت 8 أشهر إلى عام 2022، حين أنجزت الطائفة اليهودية في طنجة أعمال تجديد شملت الكنيس والميكفيه والمقبرة.

ويقول أبيكزير: “عندما وصلت، وجدت الكنيس في حالة خراب تام، وقررنا، بالتعاون مع كبار السن من أهل أصيلة، ترميمه”.

وأضاف “قاموا برسم ما يتذكرونه من تفاصيل الكنيس، وبفضل تلك الرسومات أعدنا بناءه كما كان، حتى المقاعد والجدران. أعطوني قطعا من المقاعد الأصلية، وقمت بترميمها”.

وتضم جدران الكنيس صورا لعائلات يهودية من أصيلة، إلى جانب وثيقتي زواج “كتوباه”، تعود إحداهما إلى عام 1935 والأخرى إلى 1947، كشاهد على الوجود اليهودي المتجذر في المدينة.

كما تعرض أدوات وقطع دينية كانت تستخدم سابقا في الشعائر والطقوس، تحت سقف خشبي أصيل وإضاءة تقليدية دافئة تجذب الزوار المغاربة والأجانب.

وشيد كنيس كحال عام 1824 على مساحة 181 مترا مربعا، وكان اليهود في أصيلة معروفين بتمسكهم بالتقاليد، بما في ذلك قواعد الكشروت، وشعائر السبت، والمناسبات الدينية.

ومن جانبها، تقول سونيا كوهين توليدانو: “لطالما احتفظت بأغراض دينية من كنائس أغلقت، واستخدمتها لإحياء الكنيس هنا، كما فعلت في متحف طنجة وغيره. حتى السجاد الذي ترونه هنا، هو سجاد قديم أهدته عائلات يهودية وأعيد استخدامه”.

ومن أبرز معالم التراث الذي أعيد إحياؤه، الميكفيه – حمام الطهارة الذي يستخدم وفق الشريعة اليهودية، خصوصا من قبل النساء. 

ففي الطابق السفلي، يوجد حوضان مائيان مصممان لهذا الهدف، يسبقهما سخان تقليدي لتسخين المياه.

وتوضح توليدانو، أن “عمر الميكفيه يقارب 200 سنة”، وتشير إلى أنه يحتوي فرنا في الطابق الأول لتسخين المياه.

وتقول إن “النساء كن يصعدن للاستحمام ثم ينزلن للتطهر، للميكفيه قواعد محددة مدرجة في التوراة؛ تغطس المرأة ثلاث مرات بالكامل، ويقال إنها تخرج منه كما يخرج الطفل من رحم أمه”.

أما الطابق العلوي من الميكفيه، فهو يحتفظ بحمامين بطابعهما التقليدي وسقوفهما المقعرة التي تحتفظ بالبخار. أما الباب الخشبي فيعكس الطابع المعماري اليهودي، بزخارفه المستوحاة من الفن اليهودي.

اعلان

كما كان الميكفيه يستخدم أيضا لطهي طبق “العدفينة” الخاص بالسبت، ولإعداد الماتزو (خبز غير مخمر) الذي يتم تحضيره في عيد الفصح.

وطبق “العدفينة” (ويكتب أحيانا: العدافينا أو العدافينة) هو طبق تقليدي يهودي-مغربي يحضر خصيصا ليوم السبت (السبت اليهودي أو “شابات”)، ويشبه من حيث المبدأ طبق “الدفينة” في المطبخ المغربي الإسلامي.

وثمرة هذه الجهود تمثلت في تسجيل المواقع الثلاثة ضمن التراث الوطني المغربي، بناء على طلب قدمته الطائفة اليهودية في يناير 2024، وأعلن عنه رسميا في فبراير 2025.

ويقول أبيكزير: “طلبنا أن تصبح هذه الأماكن معالم أثرية وطنية، وقد نجحنا. بعد عامين، تلقينا إعلانا رسميا من الوزارة، وأنا سعيد جدا”.

اعلان

وبجوار الكنيس، تجد مقبرة يهودية مطلة على البحر، وتضم قبور عائلات يهودية عاشت في المدينة لأجيال. وأصبحت المقبرة وجهة سياحية مفضلة للمهتمين بالتراث اليهودي المغربي.

ويؤكد أبيكزير، أن “المقبرة أصبحت موقعا سياحيا يزوره الجميع. هناك دفتر في الداخل يدون فيه الزوار تعليقاتهم”.

وقد انخفض عدد اليهود في المغرب من نحو 300 ألف في خمسينيات القرن الماضي إلى أقل من 5 آلاف اليوم. 

ومع ذلك، شهد العقد الأخير ترميم 167 مقبرة و20 كنيسا يهوديا في مختلف أنحاء المملكة.

اعلان
شاركها.
Exit mobile version