سعت أوكرانيا إلى طمأنة الاتحاد الأوروبي بأنها لن تحيد عن مسارها نحو الانضمام إلى التكتل، رغم انخراطها في مفاوضات تقنية جارية مع الولايات المتحدة بشأن اتفاق للمعادن. وخلال زيارة إلى بروكسل، أكد رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال، يوم الأربعاء، أن “الاتفاقية يجب أن تكون قائمة على الشراكة، وبشروط متكافئة للطرفين”.
وتشير مسودة الاتفاق، التي تسرّبت للصحافة الشهر الماضي، إلى أحكام شاملة تمنح الولايات المتحدة “حق العرض الأول” وسيطرة غير مسبوقة على الموارد الطبيعية الأوكرانية من خلال صندوق استثماري مشترك. وبحسب ما أفادت به فاينانشيال تايمز وبلومبرغ، فإن مجلس إدارة الصندوق سيتألف من خمسة أعضاء: ثلاثة تعينهم واشنطن واثنان تعينهما كييف، مما يمنح الجانب الأمريكي حق النقض الفعلي على القرارات الأساسية المتعلقة بالبنى التحتية، مثل الطرق، والسكك الحديدية، والموانئ، والمناجم، والنفط، والغاز، والمعادن الحيوية.
وينص الاتفاق أيضًا على إلزام أوكرانيا بإحالة جميع المشاريع الجديدة إلى الصندوق في “أقرب وقت ممكن عمليًا”، وحرمانها من عرض أي مشروع مرفوض على أطراف أخرى بشروط “أفضل ماديًا”.
وتنص البنود كذلك على أن للولايات المتحدة حق جني كامل الأرباح الناتجة عن الصندوق، بالإضافة إلى عائد سنوي بنسبة 4%، وذلك حتى يتم سداد كافة المساعدات العسكرية والمالية التي منحت لأوكرانيا. ويُقدّر معهد كيل للاقتصاد العالمي تلك المساعدات بـ114 مليار يورو منذ بداية الغزو الروسي الشامل.
وقد اعتُبر هذا النموذج التمويلي، القائم على استرداد المساعدات، عاملًا حاسمًا لإقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتوقيع الاتفاق، لكنه أثار أيضًا اتهامات بالاستغلال والنزعة الاستعمارية الجديدة.
وفي حال تطبيق هذه الأحكام الواسعة، فإن الاتفاقية قد تجعل من الصعب على أوكرانيا الالتزام بمعايير الاتحاد الأوروبي الأساسية المتعلقة بالمنافسة، والسوق الموحدة، والمشتريات العامة، والشفافية، وهي معايير حاسمة لنيل عضوية الاتحاد.
في هذا السياق، شدّد شميهال خلال مؤتمر صحفي أعقب اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، على أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يبقى أولوية مطلقة تفوق أي اتفاق اقتصادي، قائلاً: “لدينا بالفعل بعض الخطوط الحمر، أولها هو الدستور، وثانيها التزاماتنا وتطلعاتنا الأوروبية، وثالثها هو التشريعات الدولية”.
وأوضح شميهال أن بلاده شكّلت وفدًا خاصًا من الخبراء مدعومًا بمحامين دوليين لقيادة المفاوضات التقنية، التي ستجري في الولايات المتحدة خلال عطلة نهاية الأسبوع، وتمتد حتى الأسبوع المقبل، مع تركيز خاص على ملف الصندوق الاستثماري المشترك. وأضاف: “نحن متفائلون جدًا بإمكانية التوصل إلى صيغة تجعل من هذه الاتفاقية شراكة حقيقية… وأنا أعني ذلك بكل حرف”. وتابع قائلاً: “أعتقد أن هناك تعاونًا إيجابيًا بين الفرق التقنية”.
من جانبها، أبدت مارتا كوس، مفوضة التوسيع في المفوضية الأوروبية، ارتياحها للضمانات التي قدمها شميهال، قائلة للصحفيين: “المفوضية ستدعم أي اتفاق يصب في مصلحة أوكرانيا”، وأردفت: “تلقينا اليوم تأكيدات عديدة على أن أوكرانيا ستظل ملتزمة بمسارها الأوروبي، وبالتالي لا أرى أي خطر يهدد هذا المسار”.
وشددت كوس على أن “عملية التوسيع باتت تُنظر إليها أكثر فأكثر كضمانة أمنية لأوكرانيا”، مؤكدة أن “كل ما سيُتفق عليه مع الولايات المتحدة سيؤخذ بالحسبان ضمن عملية التوسيع الجارية”.
كما أعلنت أن المفوضية تسعى لفتح المجموعات الست الخاصة بانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي قبل نهاية العام، وهو هدف تشترك فيه بروكسل وكييف. لكنها أشارت إلى أن التقدم في هذا الملف يتطلب إجماع الدول الأعضاء الـ27، في حين تعرقل المجر هذا المسار، معيدة الكرة إلى ملعب الرأي العام من خلال إطلاق مشاورات شعبية.
وقالت كوس في هذا السياق: “نحن نجري محادثات مع ممثلي الحكومة المجرية، ونتوقع من جميع الأطراف المعنية إظهار حسن النية والاستعداد للوصول إلى حل وسط”، لكنها لم تُخفِ أن “التقدم الداخلي في المفوضية مرتبط في نهاية المطاف بالحسابات السياسية”. وأوضحت: “يوجد الآن إجماع بين 26 دولة عضوًا على المضي قدمًا”.
وردًا على سؤال بشأن استطلاع الرأي المجري، أكد شميهال أن حكومته ستبذل “قصارى جهدها لتنفيذ جميع الإصلاحات المطلوبة”، بما يشمل الملفات الشائكة مثل حماية حقوق الأقليات القومية، وهي مسألة لطالما أثارتها بودابست.
وختم قائلاً: “نحن نعتمد على مواقف واضحة تمامًا من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه”.