بعد أشهر قليلة من الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد على يد قوات المعارضة بقيادة أحمد الشرع، بدأت تطفو على السطح موجة من الإجراءات الانتقامية تستهدف أفراداً من الطائفة العلوية، تتضمن عمليات إخلاء قسري من المنازل الخاصة تحت تهديد السلاح.
في واحدة من أبرز هذه الحوادث، اقتحم 12 رجلاً ملثماً منزل عائلة “أم حسان” في دمشق نهاية يناير الماضي، ووجّهوا إليهم بنادق الكلاشنيكوف وأمروهم بمغادرة المنزل فوراً. وعندما حاولت العائلة إظهار وثائق الملكية، اعتقل المسلحون الأكبر سناً بين إخوة أم حسان، وأبلغوهم أنهم لن يستعيدوه إلا بعد أن يتركوا المنزل.
بعد 24 ساعة، غادرت العائلة المنزل واستعادت شقيقها، الذي ظهر مصاباً ومُحطَّماً، من مقر مديرية الأمن العامة المحلية، كما روت أم حسان مستخدمةً اسمها المستعار خوفاً من الانتقام.
تنتمي عائلة أم حسان إلى أقلية العلويين في سوريا، وهي طائفة تربطها صلات تاريخية بالنظام السابق برئاسة بشار الأسد. ولا تزال قصتها واحدة من العديد التي تعكس نفس الواقع الذي يعيشه كثيرون.
مئات الحالات… وليس مجرد حوادث معزولة
ومنذ سيطرةأحمد الشرععلى الحكم في ديسمبر الماضي، أجبر مئات من العلويين على مغادرة منازلهم الخاصة في دمشق، وفقاً لمسؤولين سوريين وقادة من العلويين وجماعات حقوق الإنسان وشهادات 12 شخصاً تحدثوا إلى وكالة رويترز.
وقال بسام الأحمد، المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”: “نحن لا نتحدث هنا عن حوادث معزولة، بل عن مئات، ربما آلاف الحالات من حالات الإخلاء.”
لم يسبق التطرق إعلامياً إلى عمليات الإخلاء الجماعي للعلويين من منازلهم الخاصة، والتي تُظهر أن هذا النهج تمتد آثاره إلى ما هو أبعد من مجرد إجراءات إدارية أو قرارات قضائية.
وقال مسؤولان حكوميان إن آلاف الأشخاص طُردوا من منازلهم في دمشق منذ سقوط نظام بشار الأسد وكان معظمهم من العلويين.
وأضاف المسؤولون أن غالبية هؤلاء كانوا يعيشون في مساكن مرتبطة بوظائفهم الحكومية، وبما أنهم لم يعودوا موظفين، فقد فقدوا حقهم في الاستمرار بالسكن هناك.
لكن مئات آخرين، مثل أم حسان، أجبروا على مغادرة منازلهم الخاصة فقط لأنهم من العلويين، وفقاً لمقابلات أجرتها رويترز مع عدة مسؤولين وضحايا التهجير القسري.
ولم تستجب وزارة الداخلية، التي تشرف على مديرية الأمن العام (GSS)، ولا مكتب الشراع لطلبات التعليق.
آليات جديدة لإدارة الممتلكات… واتهامات بالتمييز الطائفي
وبدأ الشرع حكمه متبنّياً سياسات لإعادة توحيد بلد منهار بسبب الحرب الأهلية المستمرة منذ 14 عاماً، وجذب الاستثمار والأموال الخارجية. لكن العلويين يرون أن هذه الإخلاءات تدخل ضمن عملية تصفية حسابات طائفية منهجية.
وأفاد مسؤول في مديرية ريف دمشق، رفض ذكر اسمه، بتلقّي مئات الشكاوى من أشخاص تم إخلاؤهم بشكل عنيف.
كذلك قال مختار علوي في أحد ضواحي ريف دمشق، طلب عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع، إن 250 عائلة من أصل 2000 عائلة في تلك المنطقة أجبرت على ترك منازلها.
شارك المختار مع رويترز مكالمة صوتية جرت في مارس مع شخص زعم أنه من مديرية الأمن العام، طلب خلالها من العمدة إيجاد منزل فارغ لعائلة تنتقل من الشمال. وعندما قال المختار إنه لا توجد شقق متاحة، أمره قائلاً: “افرغ واحداً من تلك البيوت التي تخص أحد هؤلاء الخنازير”، في إشارة إلى العلويين.
وذكر ثلاثة من كبار مسؤولي مديرية الأمن العام أن السلطات الجديدة أنشأت لجنتين لإدارة الممتلكات المرتبطة بالنظام السابق: إحداهما مسؤولة عن المصادرة، والأخرى تنظر في الشكاوى.
ولم تتمكن الوكالة من تحديد مدى معرفة الشرع بكيفية إخلاء المنازل أو ما إذا كان مكتبه يشرف على أعمال اللجان.
قال مصدر داخل المديرية إن هذه الهيئات أُنشئت أثناء تقدم قوات الشراع نحو دمشق في ديسمبر، وهي تشبه “لجنة غنائم الحرب” التي كانت موجودة في معقله السابق في إدلب.
وقال بسام الأحمد: “من المؤكد أن هذه الإخلاءات ستغيّر التركيبة السكانية للمدينة، تماماً كالتحولات التي أجراها الأسد ضد خصومه في المناطق السنية. نحن نتحدث هنا عن ذات الممارسات ولكن مع ضحايا مختلفين.”
وفي 16 أبريل، قدّمت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” شكوى رسمية إلى مديرية ضواحي دمشق، داعيةً إلى وقف الانتهاكات المتعلقة بالممتلكات الدافعة لها دوافع طائفية، وإرجاع الممتلكات المسروقة إلى أصحابها.
غياب الرقابة والقانون
في 12 فبراير، دعا محافظ دمشق المواطنين الذين يعتقدون أن ممتلكاتهم صودرت ظلماً إلى تقديم شكاوى لدى الإدارات المحلية.
في مارس، زارت رويترز إحدى المديريات حيث أكد مسؤول رفض الإفصاح عن هويته وجود نمط متكرر: أفراد مسلحون يطردون الناس دون أمر قضائي، ومنعوا من أخذ ممتلكاتهم، ثم يقيمون بدلاً منهم.
وقال المصدر إن معظم عمليات المصادرة استهدفت سوريين من الطبقة الدنيا والمتوسطة فقدوا وظائفهم وليس لديهم الموارد اللازمة لدفع المال للتخلص من هذا الوضع.